الباحث المصري غريب الشبراوي يوثّق بها «ذاكرة الوطن»:

  • 12/27/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

النقود أداة تواصل في الحياة، ووسيلة للبيع والشراء، وقليلون من يتعاملون معها باعتبارها «ذاكرة وطن» تحوي ضمن طياتها «توثيقاً» لكثير من فصول الحوادث والمواقف السياسية والاجتماعية في تاريخ البلاد العربية، مما يعطي بعضها قيمة مادية خيالية تفوق الوصف، باعتبارها وثيقة تاريخية أكثر منها أداة نقدية. الباحث غريب الشبراوي (41 عاماً) أحد أشهر هواة جمع تاريخ العملات في مصر وتوثيقه، شارك في معارض عربية ودولية عدة لهواة جمع العملات والطوابع النادرة، وهي الهواية المرتبطة في ذاكرة كثيرين بالملوك والمشاهير. نشأت هواية عشق جمع العملات والطوابع النادرة لدى الباحث غريب الشبراوي منذ سن العاشرة، كما يوضح، بعدما وقع في يده عدد نادر من مجلة «الاثنين والدنيا» يرجع تاريخه إلى عام 1944، يحمل صورة ملك مصر السابق فاروق، وكان أحد أشهر هواة جمع العملات والطوابع آنذاك، وهو يتفحص عدداً نادراً منها. ويشير إلى أن جمع العملات في الأساس هواية راقية، لذا ارتبطت دائماً بالملوك والصفوة من المشاهير، مؤكداً أن ثمة فارقاً شاسعاً بين الهواة المحترفين ذوي الخلفية الثقافية، وبين تجار بيع العملات القديمة، فكل عملة تحمل معلومة تاريخية تمثل جانباً من تاريخ الأمم والشعوب وكفاحها ونضالها أحياناً، إذا لم يدركها جامع العملات تحوّل إلى تاجر، يسعى وراء المادة فحسب من دون النظر إلى التاريخ وما يمثله، خصوصاً أنه إذا اضطر أحد الهواة المحترفين إلى التفريط في عملة نادرة فتكون غالباً للحصول على عملة أندر منها ولا تقدر بثمن، بحسب تعبيره. كذلك يوضح أن إسرائيل تعرض منذ سنوات مبالغ خيالية على هواة جمع العملات في العالم للحصول على العملات الفلسطينية القديمة، الصادرة قبل حرب عام 1948 (قبل إعلان دولة إسرائيل) بغرض محو التاريخ العربي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مبيناً أن الجنيه الفلسطيني الصادر في أبريل 1939 يحمل صورة المسجد الأقصى في أحد جوانبه مع عبارة جنيه فلسطيني، وعلى الوجه الآخر صورة أحد الحصون العربية القديمة، فضلاً عن أن قيمته باللغة العبرية بسبب وقوع فلسطين تحت الاحتلال البريطاني آنذاك. قطع نادرة عن أندر قطع العملات المعدنية والورقية، التي جمعها، وتحوي توثيقاً لتاريخ مصر وبلدان العالم، يقول الشبراوي لـ «الجريدة» إن ما يسمى «ريال السلطان» الصادر عام 1920 يعتبر إحدى أندر قطع العملات الفضية في مصر والعالم عموماً. ويوضح أن بريطانيا أعلنت الحماية على مصر عام 1914، وعزلت الخديوي عباس حلمي الثاني، وعيّنت السلطان حسين كامل بدلاً منه، وصار اسم مصر «السلطنة المصرية» حتى تعاقبت الأحداث وأعلنت دولة ملكية عام 1922 وألغيت العملة السلطانية المصنفة راهناً عالمياً بالنادرة. ويوضح أن قطعة وحيدة أصلية متوافرة منها في متحف صك العملة بالقاهرة، وكثيراً ما تعرض هواة جمع العملات لعمليات خداع ونصب بسببها. كذلك يشير إلى العملة الورقية فئة 100 جنيه، الصادرة في عهد الخديو عباس حلمي الثاني عام 1913 وتحمل صورة قلعة محمد علي، والإصدار الأول للجنيه المصري الذي يتضمن صورة «الجملين» الصادر عام 1899، والمرتبط بـ «الخرافة» في أذهان كثيرين، إذ يعتقد البعض أنه يحوي مادة «الزئبق» التي تساعد على تسخير الجان، وتستخدمه عصابات سرقة الآثار ضمن طقوسها لفتح مقابر قدماء الفراعنة ونهب محتوياتها. ومن ضمن مجموعته أيضاً العملات الصادرة في عهد ملك مصر الأسبق فاروق، وكانت تحمل صورته باسم «مملكة مصر والسودان» وقتها، إضافة إلى طبع «فاروق» صورته على غالبية العملات خلال حكمه، على عكس الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي لم تحمل أي من العملات طوال حكمه صورته نهائياً، باستثناء طوابع البريد والعملات المعدنية التي حملت صورته، وصدرت عقب وفاته في عهد خلفه الرئيس الراحل أنور السادات. ومنذ سنوات عدة، شهدت أسواق جمع العملات، واقعة طريفة بصدور عملات مزيفة باعتبارها «نادرة» تحمل صورة عبد الناصر تعود إلى حقبة الستينيات، انخدع فيها كثيرون من الهواة، ودفعوا فيها مبالغ طائلة. أما أندر العملات الورقية الخاصة ببلدان العالم العربي، الموجودة ضمن مجموعة الشبراوي وحرص على اقتنائها، فهي غالبية الإصدارات النقدية لدولة الكويت وتعود إلى عام 1960 حتى الآن، كذلك أول إصدار نقدي لدولة قطر عام 1966، موضحاً أنه حتى عام 1964 كانت عملة سورية ولبنان موحدة. كذلك تتضمن مجموعته أول عملة أصدرتها الجزائر بعد الاستقلال عن فرنسا عام 1964، إضافة إلى غالبية عملات المملكة العربية السعودية، ويحمل بعضها صورة الملك الراحل فيصل آل سعود الذي لم تطبع صورته على أية عملات سعودية خلال فترة حكمه، بل بعد وفاته وفي عهد سلفه الملك خالد آل سعود. أما أندر العملات الأجنبية والإفريقية ضمن مجموعته، فيرى الشبراوي أنها لإفريقيا الوسطى، خلال حكم الجنرال بوكاسا الذي اشتهر بأكل لحوم معارضيه، وتحمل صورته من فئة 500 فرنك إفريقي. ويوضح الباحث أن سر ندرتها وارتفاع قيمتها أنه عقب الانقلاب على حكمه والإطاحة به حُرقت العملات كافة التي تحمل صورته لمحو عهده الدموي، ولا تتوافر عملات خاصة بدولته سوى عدد محدود للغاية لدى هواة جمع العملات في العالم. ويكشف الشبراوي أن فرنسا خلال منتصف القرن الماضي، كانت تطبع عملات لكل دولة من مستعمراتها، تحمل عبارة البنك المركزي في الدول المستعمرة، ومن بينها الجزائر التي يقتني لها ورقة مالية فئة 5 فرنكات جزائرية تعود إلى عام 1959 إصدار فرنسي، إضافة إلى غالبية الإصدارات للمستعمرات والدولة التي كانت واقعة تحت الاحتلال الفرنسي، سواء كانت دولا عربية أو إفريقية. وإحدى العملات الأجنبية النادرة أيضاً ضمن مجموعته فئة 100 مارك ألماني، يرجع تاريخ إصدارها إلى عام 1908. يشير الشبراوي في هذا السياق إلى أن هواة جمع العملات يُخدعون غالباً بصور الزعيم النازي هتلر على عملات ألمانية مزيفة، يتداولها البعض على أنها حقيقية ويتورطون في شرائها بمبالغ خيالية رغم أنه لم يثبت تاريخياً صدور عملات في ألمانيا تحمل صورة هتلر خلال عهده، ولم تُطبع صورته إلا على «الطوابع» و«الميداليات»، وهي متاحة، رغم ارتفاع ثمنها. جنيه الفلاح يكشف الشبراوي عن أغرب طرائف العملات في مصر، وتعود إلى عهد ملك مصر الأسبق فؤاد الثاني حول ما يعرف بـ «جنيه الفلاح» الذي كان يحمل صورة فلاح مصري يدعى إدريس، بحسب المؤرخين، ويشاع أنه كان «جنايني» الملك فؤاد عندما كان أميراً تحاصره الديون والأزمات وفاقداً الأمل في اعتلاء عرش مصر، وتنبأ له إدريس بأنه سيصبح ملكاً، ووعده فؤاد بأنه سيخلده في التاريخ إذا تحققت نبوءته. وعندما تحققت نبوءته، وضع فؤاد صورة الجنايني على العملة المصرية فئة الجنيه الصادر في يوليو عام 1926، ويعتبر «جنيه الفلاح» أول عملة ورقية مصرية تصدر بعلامة مائية لحمايتها من التزوير، والعملات الموجودة منه بين أيدي هواة جمع العملات قليلة للغاية وشبه نادرة.

مشاركة :