خليفة بن حامد الطنيجي لم يرض عام 2016 أن يرحل عنا من دون أن يحمل معه أغلى الناس على قلوب الجميع، ذلك المتسامح المبتسم الخجول الخدوم، قلبه مفتوح للجميع حمل منذ طفولته همومه وهموم من حوله، كان النسمة والضحكة بالبيت التي تسر الناظرين، درس في مدرسة الذيد المشتركة في منتصف السبعينات، يذهب إليها منذ الصباح الباكر من الحي الذي يسكنه بعبوره الوادي صيفا وشتاء، لم يعرف العبوس لوجهه طريقاً، هكذا عرفه أصدقاء الدراسة. بعدها انتقل للعمل في القوات المسلحة، شرف الدفاع عن الوطن الذي لا يدانيه شرف، استمر مخلصاً في عمله يسابق على مساعدة الناس صغيراً وكبيراً، إذا لقيته تسبقه ابتسامته لك وترحاب مميز بأبيات شعرية تلقائية تجود بها قريحته الشعرية، كانت لي معه مباريات شعرية، كنت خلالها أربط رأسي طوال الليل لأخرج بيتين من الشعر بهما كل ما تجود به قريحتي، وما أن ترسل الشمس أشعتها على الأرض ليشرق نور الصباح حتى أرسلها له في رسالة عبر الهاتف فلا تمر برهة من الزمن حتى يمطرني بأبيات لا قبل لي بالرد عليها في مساجلة شعرية غير متكافئة. رحمك الله وغفر لك يا محمد سعيد بن خميس الطنيجي، كنت على اتصال دائم به منذ ألم به المرض من عشر سنوات أو أكثر، وسافر للعلاج من بانكوك إلى لندن مروراً بسنغافورة وصولاً إلى سيؤول وأخيراً فاضت روحه الطاهرة في بانكوك، طريق طويل لم يمر بميادين الزهور والورود، بل تحملت آلامه وأنت تبتسم . لم تظهر لأحد آلامك رغم قسوة العلاج وبطشه بك، كان والدك يكفكف دموعه، يختلي بنفسه في جلسته بأعلى العرقوب المطل على الذيد بشعبية البستان ليتضرع للخالق قبل صلاة الفجر من كل يوم بالدعاء الذي يعرج للسماء لك بالشفاء، دموعه وحزنه بقيا في قلبه لم يحتمل أن يخرجهما للعلن. ترك محمد الطنيجي سجلاً جميلاً من الذكريات سطرتها سيرته العطرة مع كافة شرائح المجتمع، بقيت ذكراه الجميلة في قلوب وعقول القريب والبعيد. كما ترك رحمه الله إرثاً من الأشعار الوطنية والتراثية والحماسية يتغنى بها جيل اليوم، ترسم ملامح وطن وتراث دولة وحماسة رجال جادوا بكل غالٍ ونفيس من أجل الوطن والقيادة، نشأ محمد سعيد في بيئة شعرية بكافة مكوناتها البدوية من فلج الذيد ونخيله والإبل والوديان وصالونات الشعر، كما تربى في عائلة عرف عنها قرضها الشعر، فوالده أشهر شاعر للرزفة في الشارقة وأول من أسس فرقة للرزفة منذ أوائل الثمانينات من القرن الماضي، وعمه شاعر وهو كذلك من أوائل تجار المنطقة الوسطى من إمارة الشارقة حارب بن مسعود الطنيجي. بقيت هواية تشربها محمد بن خميس وهي حب اقتناء السيارات الكلاسيكية التي حافظ بها على الموروث التراثي للمنطقة، فكل قديم فيه حنين للزمن الجميل، هكذا كان يردد، كما كانت تستهويه رحلات البر مع قدوم الشتاء وانتشار الكلأ على ربوع الرمال الذهبية، ولا ينسى رفاقه في السفر لحظات تلك الرحلة التي يكون محمد الطنيجي ضمن صفوفها التي تترك ذكريات تحفرها ضحكاته ومواقفه الباسمة. يظل صدى كلماته في الأذن ، ففي كل اتصال تسمعه يقول الحمد لله على كل حال ولله الحمد بخير ولا تنسونا من الدعاء وأنتم بالغربة، بقيت هذه الكلمات ورحل صاحبها، صابراً محتسباً في مرضه رابط الجأش ثابتاً عند الشدائد، مستسلم لقدر الله.
مشاركة :