حلبُ.. يا وجع القلب

  • 12/27/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

جميلتي أنت يا حلبُ، حبي الأول ودمعتي الأولى، ابتسامتي التي سراً حفظتها بين الضلوع، دقت مع القلب ونبضت مع الشريان، يا دمي الساكن أوردتي يا وجعي أنت يا حلب؛ أكتب فيك وعنك ما لم يتحمله قلمي ولم تذق مرارته أوراقي دماً ودمعاً من جرار العين منسكباً فداءً لروحك الطاهرة يا حلبُ، يا جنة الشام ويا عتيقة الذاكرة والتاريخ، يا كرامتنا أنت ويا عجزنا حين لم نكن فداءً لك وكنت أنت كبش الفداء عنا ومعزوفة الوداع الأخير. حلبُ الشهباء تلك المدينة الساكنة بين ياسمين الشام، ترخي للشمس حجارتها البيضاء فتلونها بالحب والأمان، وتوثقُ التاريخَ المتعبّدَ في محرابها، وتُنزل في قلوب رحّالتها وزوارها العافية فيطيبون بها وتطيب بهم، وفي هذا المقام يذكر التاريخ أن "أرسطو" بعد أن تحقق من طيب هواء حلب استأذن تلميذه "الإسكندر المقدوني" ليبقى فيها لمرض أصابه، فبقي فيها حتى شفي.. تلك حَلَبُ وما أدراكم ما حَلَبُ إنها دواء العليل وغياث الظمآنين. اليوم نخونها ونخون تاريخها وهي تبادُ شعباً وأرضاً ونساءً وأطفالاً ورجالاً، ولا يأبه لأمرها أحد ولا تمتد لها يدٌ بالعون، ولا يسمع لأنينها ونحيبها سامعٌ فيقول: هبّوا لحلب، أنقذوا حلب، وإن قيل فمن المجيب؟ ولمن الشكوى لغير الله؟! ذكر المؤرخ الحلبي (ابن العديم) في كتابه (زبدة الحلب في تاريخ حلب)، أن إبراهيم الخليل عندما أراد الرحيل عن حلب التفت إلى مكان استيطانه كالحزين الباكي لفراقها، ثم رفع يديه وقال: "اللهم طيب ثراها وهواءها وماءها وحببها لأبنائها"، فأصبحت الحبيبة لا يزورها زائرٌ إلا سُلبت روحه وتركت بعضاً منها كالطائر ترفرف في سماء حَلَبُ. حَلَبُ اليوم يرفرف في سمائها ألف غاصب وألف طائرةِ تقصفها بالموت قصفاً وترمي عليها بحجارة من ظلمٍ وعدوان فتحترق حلبُ بأهلها. حَلَبُ التي صنّفت كأقدم مدينة مأهولة بالتاريخ تصنف اليوم كواحدةٍ من أكبر المدن التي تعرضت للإبادة وذاقت ويلات الحرب والتهجير والاغتصاب والعذاب بأنواعه وويلاته. حلبُ ونكبتها لا تشبهان النكبة الفلسطينية في بشاعتها ومرارتها؛ بل هي أشدُ فتكا وأعظم نفيراً؛ لأن العدو هنا هو الوالي على الأمر، هو ذاك الذي يعبد الله الواحد ويقتل أبناء شعبه الواحد، هو الذي فتك بالرعية بدل أن يرعاهم ففتح للذئاب عليهم باباً وسلط من السماء عليهم حرباً فأشعل برّهم وجوهم فلا يدرون لأي وجه يهيمون. حلب يولد من رحمها الأبطال وبهم سيتغير توقيت الشجاعة فلحلب الانتصار.. ستعود حلبُ بنورها وقلاعها وأسواقها، وستُعزف من حلب معزوفةَ الأمل القادم. يقول في حبها الأخطل الصغير: نفيت عنك العلا والظرف والأدبا ** وإن خلقت لها إن لم تزُر حلبا لو ألف المجد سفرا عن مفاخره ** لراح يكتب في عنوانه حلبا ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :