سميرة ليست بطلة مشهورة، لكنها بطلة. سميرة ليست عبقرية مشهورة لكنها عبقرية سميرة ليست صاحبة عزم فولاذي شهيرة، ولكنها صاحبة عزم من فولاذ. سميرة ولدت كفيفة، واتصلت بي الاستاذة شهد من العاملات المتطوعات المجتهدات في البرنامج الجميل الذي انتشر في كل أرجاء البلاد وخارجها «على ناصية حلم» وطلبت مني تحقيق حلم سميرة بأن تتواصل معي. ولا أدري لماذا اعتبرت سميرة أن التواصل معي حلما من أصله، فلطالما قلتُ، «يا جماعة رقم جوالي تجدونه حتى بالبقالات».. على أني صدقت الدور ولعبت دور محقق الأحلام خصوصا وأنا عضو في «على ناصية حلم»- عضو مهمل وخامل! الذي صار أن سميرة كلمتني فعلا.. وجاء صوتها واثقا متواصلا ومترابطا ومتسلسلا والعجيب قدرتها الذهنية واللغوية على التصوير وكأني أراقب أحداث حياتها على مسرح بإخراج محترف.. لولا أن سميرة بين كل حين وآخر تؤكد وتعيد على صفة كفيفة لاعتقدت انها ليست فقط من المبصرات بل من المبصرات الدقيقات المتعمقات بالتفاصيل. سميرة كان حلمها منذ الطفولة التخصص باللغة الانجليزية وأن تتقنها وتكتب بها وتدرسها وأن تستخدمها لمخاطبة العالم كله للتنبيه عن حضارتها، والجميع كانوا يقولون لها: «مستحيل يا سميرة، مستحيل، أنت كفيفة». لم تنسى سميرة حلمها وأملها. بالمرحلة الجامعية دخلت في بداية الأمر تخصص اللغة العربية لانه كان من ضمن الاقسام المتاحة للكفيفات. وكانت سميرة تصر كل أسبوع أن تزور المسؤولات وتطالبهن بدخول تخصص الإنجليزية إلا أن إحداهن قالت لها وهي أمام مكتبها وبالإنجليزية، كتنبيه ساخر لسميرة: «ما تعرفين؟» you are blind«- أنتِ كفيفة!» تقول سميرة: تلك المسؤولة هي التي لم تعرف أن فقد البصر هو الذي قادني لتجاوز الأكواب الفارغة ومواجهة التحديات واختراق الحواجز، إنها لم تعرف أنني لا أحتاج للبصر انما لعقلٍ يفكر، ولروحٍ تواقة للبحث والفهم والتعلم ورغبة جامحة لا تمنعها قوة. في نهاية ذلك الماراثون نجحت سميرة أن تُقبل بشرط تخضع لاختبار تحويل الى قسم اللغات والترجمة تخصص لغة انجليزية. كان اختبارها بأجواء حسب سردها ذكرتني بأجواء قصة كافكا الشهيرة «اللجنة» أربع ممتحنات اختبرنها تحريريا فاجتازت بنحاح رغم ان لغتها كانت حصيلة الثانوية! حققت سميرة حلمها، بفضل من الله، ولكن واجهتها الكثير من التحديات لو قلت لكم نصفها لاشتعلت الدهشة بداخل رؤوسكم على أن المساحة خانقة، وبقيت الجملة التي قالتها سميرة ترن برأسي وما زالت ترن: «كلما تكبر التحديات أمامي، ارفع رأسي واقول لها: بما أنك أيتها التحديات في سبيلي حلمي.. فيا أهلا وسهلا!» الآن تدرس سميرة الكفيفات اللغة الانحليزية في منزلها بالرياض وتنجح بذلك في براعه، وأنا ارفع رجائي لوزارة التعليم: يا إخواني استفيدوا من عبقرية وشخصية وكفاءة وقدرة سميرة بتعليم اللغة الانجليزية.. وظفوها في معاهد النور، أو يا أي وزارة وظفوها مترجمة خاصة، وستبصرون نجاحا مذهلا لفتاة غير مبصرة. في نهاية المكالمة الذي صار.. أني أنا من تحقق حلمه!
مشاركة :