ميسي صاحب أجمل هدية في أعياد الميلاد

  • 12/28/2016
  • 00:00
  • 35
  • 0
  • 0
news-picture

في خضم الأحداث التي يشهدها العالم، تظل الرياضة دائما هي أبرز ما يلوح في الأفق، ربما لأنها عنصر من عناصر الهروب من الواقع ولحظة من لحظات الوضوح وسط كل ما يحدث. وأيا كان السبب فإنه من المعتاد في هذا الوقت من العام أن نتنفس الصعداء قليلا ونمسك بأقلامنا لنتحدث عن أبرز الأشياء التي حدثت خلال العام وبعض المقالات القصيرة التي تقدم رسالة أمل رياضية للبشرية. ولحسن الحظ، هناك بعض الأشياء التي دائما ما تقدم تلك الرسالة، وأتحدث هنا بطبيعة الحال عن المراوغة المذهلة للنجم الأرجنتيني ليونيل ميسي نجم برشلونة ضد فريق إسبانيول، التي أعتبرها أبرز لحظة بالنسبة لي خلال الأسبوع الماضي وخلال موسم الأعياد، بل وربما خلال العام بأكمله. لذا دعونا ننح الحديث عن الأعياد جانبا ونتحدث عن ميسي. إنه لشيء مدهش أن نواصل الحديث بكثرة عن هذا اللاعب بعد مرور 12 عاما على بداية حياته الرياضية الاستثنائية. إنه اللاعب الذي دائما ما يخرج الجديد من مستودع موهبته ليذهلنا جميعا. واجه برشلونة إسبانيول قبل أسبوع الأعياد وكان مستوى الفريقين متقاربا إلى حد بعيد في ديربي قوي، وكانت النتيجة تشير إلى تقدم العملاق الكتالوني بهدف دون رد حتى الدقيقة 67 من عمر اللقاء. نسمع من آن لآخر أن الدوري الإسباني لا يتسم بالقوة، ولكي نرد على هذه المقولة لنأخذ مثالا لانطلاقة لاعب خط وسط برشلونة أندريه إنييستا بالكرة ليمر من ثلاثة لاعبين قبل أن يتعرض لعرقلة قوية وهو يمرر إلى ميسي على بعد 45 ياردة من المرمى، لكن ما حدث بعد هذه اللقطة هو الأهم. فقد توهج النجم الأرجنتيني ليقدم لمحة فنية رائعة بعد نحو الساعة من الأداء القوي والتدخلات العنيفة وإجبار لاعبي إسبانيول على التراجع للخلف. ووجد ميسي أمامه سبعة لاعبين منظمين في مثلث مترابط وقوي على حافة منطقة الجزاء. وكان أول شيء فعله ميسي هو المرور من خافي فويغو، وهو أمر ليس سهلا كما يتصور البعض، لا سيما أن لديه خبرات هائلة ولعب في صفوف المنتخب الإسباني في جميع الفئات العمرية المختلفة وهو الآن في الثانية والثلاثين من عمره. وللوهلة الأولى يبدو فويغو من بعيد مثل لاعبي خط الوسط الأقوياء الذين كانوا يلعبون في الدوري الإسباني في ثمانينات القرن الماضي، لكن ميسي نجح بلمسة خفيفة وساحرة في التخلص منه. إنه لشيء مدهش أن ترى ميسي يلعب بهذا القدر من الهدوء. يقول جيرارد بيكيه إنه عندما زامل ميسي في أكاديمية الناشئين للمرة الأولى ظل اللاعب الأرجنتيني لا يتفوه بكلمة واحدة خلال شهر كامل. وحتى الآن، ورغم أنه يهزم خصومه بطريقة مهينة في بعض الأحيان فإنه يظل نفس اللاعب الهادئ صاحب اللمسات السحرية المذهلة. ولا ننسى بالطبع تلك المراوغة الشهيرة في الدور نصف النهائي لدوري أبطال أوروبا والتي طرحت اللاعب جيرمي بواتينغ أرضا على ظهره، في مشهد مذهل لكل متابعي كرة القدم. ثم مر «البرغوث» الأرجنتيني من دييغو رييس بخبراته الواسعة التي اكتسبها من خوض 39 مباراة دولية مع منتخب المكسيك وطوله الفارع الذي يصل إلى ستة أقدام وثلاث بوصات والذي يمنحه سرعة كبيرة في الوصول إلى الكرة قبل منافسيه، لكن ميسي دائما ما يظهر براعته في استخلاص الكرات. إن رؤيته وهو يستحوذ على الكرة بعيدا عن رييس تجعلك تدرك مدى قوته وسرعته الفائقة وانطلاقته الرائعة. يبدو رييس كفأر أليف في أفلام الكارتون، في حين يبدو ميسي محاربا بطريقته الخاصة. ثم يأتي الدور على جيرارد، الذي انطلق لكي يقوم بدور التغطية. وبمجرد أن اقترب ميسي أغلق جيرارد قدميه خوفا من تمرير الكرة من بينهما، لكن ميسي انطلق يمينا ثم غير اتجاهه في واحدة من أبسط مراوغاته، ولم يجد صعوبة بعد أن ضاقت المساحة أمامه. لا يتميز ميسي بالمراوغات الراقصة التي كان يقوم بها الساحر البرازيلي رونالدينيو، لكنه يتميز بحركاته المرنة وإبداعاته وقدرته الخارقة على رؤية الأماكن الخالية من الملعب والانطلاق فيها. وبعد مرور 12 عاما على بزوغ نجمه، لا يزال ميسي يذهلنا جميعا بتلك المراوغات الساحرة. ولكننا الآن لم نتحدث سوى عن أربع ثوان من مراوغة ميسي المذهلة، ولا يزال هناك الثانية الخامسة التي راوغ فيها قلب الدفاع ديفيد لوبيز، الذي نشأ في برشلونة وظهر للمرة الأولى في الليغا الإسبانية في نفس الوقت الذي حصل فيه ميسي على الكرة الذهبية للمرة الثانية. وباستثناء فترة الإعارة التي قضاها مع نادي نابولي الإيطالي كانت معظم مسيرة لوبيز بالقرب من ميسي الذي انطلق في هذه اللحظة لليسار ثلاث مرات وهو يستحوذ على الكرة في ظل مشاهدة لوبيز لما يحدث. وعند هذه النقطة قرر ميسي على ما يبدو أن يحدث تغييرا هائلا في خطته، فانطلق بالكرة يمينا بسرعة هائلة، وهو ما جعل لوبيز يذهب في الاتجاه الآخر، الأمر الذي جعله يشعر بالضيق وهو يذهب بعيدا في الهواء. وفي النهاية، فعل ميسي ما يفعله اللاعبون العظماء الذين يملكون قدرة هائلة على الاستحواذ على الكرة، إذ تمكن من تجميد الوقت وإيجاد ثانية لينقل الكرة إلى قدمه اليسرى ويسدد الكرة تجاه المرمى. كانت التسديدة ضعيفة، لكن حارس مرمى إسبانيول لم يتمكن من الإمساك بها لترتد وتجد المهاجم الأورغواني لويس سواريز الذي سدد الكرة في المرمى وسط فرحة عارمة من جمهور العملاق الكتالوني في كامب نو. كان هذا الهدف تتويجا للمراوغة الرائعة من جانب ميسي، الذي لم يكتف بذلك ولكنه راوغ أربعة لاعبين بعد دقيقة واحدة ومرر الكرة لجوردي ألبا الذي أحرز الهدف الثالث. سوف يواصل هذا الفريق الذي يضم كوكبة من اللاعبين البارزين تحقيق الانتصارات، كما أن ميسي لن يتوقف عن تقديم مثل هذه اللمحات الرائعة ولن نتوقف جميعا عن امتداحه والاعتراف بحجم موهبته ومكانته في عالم الساحرة المستديرة. ودفعت مهارة ميسي مدرب إسبانيول كيكي سانشيز فلوريس للاعتراف بأن النجم الأرجنتيني يفوق كل منافسيه وقال: «إنه قادر على تغيير أي مباراة، إنه اللاعب الوحيد في العالم القادر على تسجيل هاتريك (ثلاثة أهداف) في كل مباراة إن أراد». وتابع فلوريس قائلا: «لقد هنأته على تواضعه، إنه رائع... لا يشكو أبدا، يتعرض للأخطاء ويسقط أرضا. لدينا علاقة جيدة. لم يعد بوسعي أن أحصي عدد المرات التي طلب مني فيها الناس سؤاله عن قميصه». كما اعترف فلوريس بأن نجله هو أحد مشجعي برشلونة ومعجب بميسي على نحو خاص. وأثارت كلمات المدرب الإسباني انتقادات جماهير إسبانيول واتهموه بجرح مشاعرهم، لكن فلوريس أكد أنه يحمل احترام لجماهير ناديه ولكنه لا يستطيع أن يخفي إشادته بلاعب خارق للعادة مثل ميسي. سيبقى المستطيل الأخضر تحت أقدام ميسي بمهاراته الرائعة يذكرنا جميعا بأن الرياضة هي الشيء الذي يجعلنا نشعر بالنقاء والسحر والتألق، رغم كل الأحداث التي يشهدها العالم من حولنا.

مشاركة :