لم ينقض عام 2016 إلا وقد باتت هناك حكومتان يمنيتان: الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا في عدن برئاسة الدكتور أحمد عبيد بن دغر. والحكومة الانقلابية في صنعاء برئاسة عبد العزيز بن حبتور، السياسي الجنوبي الأبرز المؤيد للانقلاب، الذي يعد في أدنى سلم القيادات الجنوبية البارزة - التي تؤيد معظمها الشرعية - الذي ذهب هو إلى صنعاء واختار أن يكون في صف الانقلاب، ربما بسبب العلاقة الخاصة التي تربطه بالرئيس المخلوع علي عبد الله صالح. كذلك انقضى عام 2016، دون أن يتحقق أي تقدم على مستوى التسوية السياسية في اليمن، وذلك جراء رفض الميليشيات الانقلابية (الحوثي - صالح) كل مساعي الحلول السياسية التي بذلت للتوصل إلى الحلول سياسية. إذ بدأ العام بعد فشل جولتي المشاورات في سويسرا (جنيف وبييل) أواخر العام الماضي. ولعل البعض يصف 2016 بأنه عام فشل الجهود السياسية بامتياز، نظرًا لإحباط الانقلابيين كل الجهود طوال عام كامل، في ظل محاولاتهم تحقيق مكاسب سياسية عبر اتصالات دولية كثيرة وخطوات أحادية الجانب، تخالف القرارات الأممية، وتحديدًا القرار 2216. وهذا القرار تتمسك به الحكومة الشرعية ومعه المرجعيات الأخرى، وهي مخرجات «مؤتمر الحوار الوطني» الشامل و«المبادرة الخليجية» وآليتها التنفيذية، على اعتبار أن هذه المرجعيات هي الأساس في أي حلول أو تسويات سياسية. وقف إطلاق النار في الـ10 من أبريل (نيسان)، بدأ سريان هدنة لوقف إطلاق النار بناء على مقترح من الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد. وفي نهاية الشهر ذاته، وبعد ذلك بما يقرب الشهر، انطلقت المشاورات الجديدة في دولة الكويت، بعد تأخير وشد وجذب من قبل وفد الانقلابيين. ولكن خلال 90 يومًا من المشاورات، أعلن ولد الشيخ فشل مساعيه، رغم توقيع الوفد الحكومي على اتفاق - دون قناعة حسب قوله حينها إلا من أجل السلام وحقن دماء اليمنيين. ذلك أن وفد الانقلابيين رفض التوقيع رغم الوساطة التي قامت بها دولة قطر ومعها أمين عام الأمم المتحدة السابق بان كي مون. وحينئذ أعلن عن فشل جولتي المشاورات، بالتزامن مع تحركات سياسية للانقلابيين تمثلت في إعلان ما سمّي بـ«المجلس السياسي الأعلى» يوم 6 أغسطس (آب)، وهو صيغة تحالف رسمية بين الانقلابيين (الحوثي - صالح)، لأول مرة منذ الانقلاب في سبتمبر (أيلول) 2014، قبل إعلان تشكيل حكومة انقلابية في الـ28 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ومنذ أغسطس، وحتى اللحظة، ظلت الأوضاع السياسية تراوح مكانها، رغم المحاولات الخجولة وغير المجدية لوزير الخارجية الأميركي جون كيري، التي أراد أن يختم بها مسيرته السياسية من خلال التوصل إلى اتفاق بخصوص الأزمة اليمنية. حيث إن موقف الحكومة اليمنية الشرعية كان حازمًا ولاجمًا لتلك المغامرة الأميركية غير المدروسة، بحسب تعبير المراقبين. ثم إن محاولات المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد، بدت أيضًا خجولة وغير مدروسة، بنظر كثير من المراقبين، لأنها تحولت ببوصلتها نحو محاولة «شرعنة الانقلاب»، كما قالت الحكومة اليمنية في ردها على مبادرة ولد الشيخ أو ما كانت تسمى بـ«خارطة الطريق». التي رفضت رسميًا. وحتى الأيام الأخيرة من عام 2016، تردّدت أنباء عن تراجع ولد الشيخ عن خطته وقبوله بتعديلها، وكما يبدو فإن هناك ضغوطًا دولية مورست عليه لثنيه عن طروحاته في مبادرته التي اعتبرت تشريعًا للانقلاب. حكومة انقلابية في هذه الأثناء، شكل الانقلابيون في صنعاء حكومة تضم أكثر من 40 وزيرًا، تكريسًا للانقسام اليمني عبر خطواتهم أحادية الجانب، والمخالفة لقرارات مجلس الأمن الدولي. ويرى الباحث السياسي اليمني نجيب غلاب، رئيس مركز الجزيرة والخليج للدراسات، أن الإشكالية تكمن في «قمار انتحاري للانقلاب وأطرافه ونزعة إنسانية مبالغ فيها لدى الغرب (من خلال الحديث عن الانقلابيين الحوثيين كأقلية، كما يسوقون لأنفسهم وكما تسوق لهم إيران ودوائرها في الغرب) وقلق عربي من الوصول إلى الأهداف بأقل الخسائر». ويعتقد غلاب، كما قال في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن السلام في اليمن «ما زال على كف عفريت، فتمرير أهداف الانقلاب مستحيلة مهما كانت الضغوط، وهذا يعني استمرار الحرب»، معتبرًا السلام «ما زال الهدف المنشود لكنه لن يتم عبر الآليات الأممية ومثاليات الدعوات المختلفة بأي شكل تجلت.. فلا سلام، بل قوة طاغية قادرة على إجبار الانقلاب على قبول الحلول التي تحقق عدالة وشراكة ودولة قانون». ويقول غلاب إن «السلام يحتاج إلى انتقال الصراع إلى اتجاهين: أولهما إعادة بناء الشرعية في المناطق المحررة والتحول إلى حركة تحرير وطني، وثانيهما انتقال الخليج إلى الرهان الكامل على الشرعية بإسناد دولي وتبني مؤتمر يمني شامل بوساطة خليجية مكثفة تكون ضامنة لمصالحة وطنية شاملة مستندة على المرجعيات ومراهنة بالمطلق على دولة يمنية اتحادية». أضرار شاملة من جهة أخرى، أحدثت الحرب في اليمن أضرارًا سياسية واجتماعية عميقة في المجتمع اليمني، ويرى الدكتور عبد الباقي شمسان، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء، أن تلك الأضرار «تتفاوت من حيث منسوبها المحدث مجتمعيًا، وفقًا للإجراءات المتخذة في الحل أو من حيث استمرار الانقلاب، وليس بالضرورة أن يكون الحل وفقًا لتسوية، وإنما كذلك بالفعل الوطني العسكري». ويقول شمسان إن «عدم حدوث الاثنين يحمل مخاطر مجتمعية ذات أبعاد مركبة وطنيًا وإقليميًا ودوليًا». وخلال العام المنقضي، كما في سابقه، ارتكب الحوثيون انتهاكات جسيمة لم يشهدها اليمن طوال عقود، ويقول الناشط السياسي أحمد الولي لـ«الشرق الأوسط» إن المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين، تشهد انتهاكات مريعة بحق المدنيين والمعارضين وصلت إلى الموت تحت التعذيب. وحقًا، وثقت منظمة «مواطنة» في عام 2016 عشرات حالات التعذيب في السجون، أدت إلى حالة وفاة، ناهيك بحالات التعذيب التي أدت إلى الوفاة. كما قتل المئات من المدنيين، بينهم أطفال وجرح المئات في الهجمات العشوائية التي شنها الحوثيون وقوات صالح في مدينة تعز، بجانب عمليات التجنيد للأطفال والاعتقالات التعسفية المتواصلة. أما الناشط سمير الأبي فيقول إن الحوثيين، الذين اجتاحوا عدة محافظات يمنية بدعم من إيران «لم يراعوا قواعد الحرب ولم يتمتعوا بحب الوطن ومصلحة هذا الشعب، بل كانوا عملاء ومنفذين لأجندة خارجية وفرت لهم كل أنواع الدعم لإنجاح مشروعهم الخاص بهم، ومن ضمن تجاوزاتهم أنهم انتهكوا كرامة الشعب وحقوقه، حيث سيطروا على موارد البلد والعبث بممتلكاته وكأنهم يتعاملون مع أملاك خاصة بهم. بل أسوأ من ذلك، فقد لعبوا باقتصاد البلد وأرغموا الناس على تنفيذ أوامرهم، وهم يواصلون بسط سيطرتهم على مؤسسات الدولة وأموال الخاصة والعامة من الناس». البحث عن سلام ومع دخول عام 2017، ما زال اليمن، الذي كان سعيدًا في يوم من الأيام، يبحث عن سلام ينهي حكم الميليشيات التي تحتل معظم محافظات شمال البلاد، بقوة عسكرية غاشمة. ولعل أبرز ما يمكن أن ينقله المرء على لسان عامة اليمنيين، شكرهم العميق لدول التحالف، وفي المقدمة المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين، على مواقفه المستمرة والمشرفة والعروبية مع أشقائه اليمنيين.
مشاركة :