هل تتصوّر نفسك تقود سيارة مغمض العينين لمدّة تزيد على خمس ثوانٍ؟ سيكون ذلك حتماً صعباً جداً والنتيجة كارثية، لكن هذه هي الحالة التي يعيشها السائق حين يستعمل تطبيقات المراسلة النصّية خلال القيادة. فهذه العادة تزيد من احتمالات الحوادث ٢٣ مرّة، وتخفّف من ردّ الفعل لاستخدام المكابح بنسبة ١٨ في المئة وتسبّب ٢٥ في المئة من حوادث السيارات في العالم. هذه هي الأرقام التي ترد في التقديم الخاص بتطبيق Text Or Drive الذي طوّره فريق طلّاب من الجامعة الأميركية في بيروت، وهو يهدف إلى تحسين سلامة القيادة عبر منع كتابة أي رسائل نصّية في السيارة حين تزيد سرعتها عن حدّ مسموح يعيّن مسبقاً. ولم يكن اختراع هذا التطبيق وليد الصدفة، بل جاء نتيجة مشاكل يواجهها الطلّاب أنفسهم عند القيادة والمراسلة النصّية في الوقت نفسه. فالطالبة كريستيل أبي عقل كانت تقود سيارتها وتراسل نصّياً حين اصطدمت بالسيارة الواقفة أمامها، فكانت تلك الشرارة التي دفعتها إلى التفكير بالحاجة إلى مثل هذا التطبيق فقامت بتطويره بالتعاون مع الطالب شربل مارون من جامعة الروح القدس في الكسليك، ليبرز وينال الجائزة الثانية في مسابقة «المسؤولية الاجتماعية» للشركات لعام 2014، وهي من تنظيم مجموعة الأهلي القابضة في الإمارات العربية المتحدة والجامعة الأميركية في بيروت والمعهد العالي لإدارة الأعمال. استخدام التكنولوجيا لمداواة آثارها تصف كريستيل التطبيق بأنّه حلّ لمشكلة المراسلة النصّية خلال القيادة. فهو يعتمد على مبدأ استخدام التكنولوجيا لمداواة آثار التكنولوجيا نفسها، فهو يمكن تنزيله على الهاتف عبر متجر غوغل، ويقوم المستخدم بتحديد السرعة التي يريد أن يتوقف الاتصال بالإنترنت عندها، ويتّصل التطبيق بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS) لمتابعة سرعة السائق. وتوصي كريستيل بأن لا تتجاوز السرعة المسموح بها للتطبيق 20 كلم/س، وبعدها ينقطع الاتصال بالإنترنت ما يعني توقّف خدمات المراسلة النصّية المباشرة. ويمكن إيقاف التطبيق حين يكون مستعمِل الخليوي راكباً في سيارة مسرعة ولكنّه ليس هو من يقودها. وترى الطالبة أنّ هذا التطبيق يضيف إلى حملات التوعية التي تنظّمها العديد من الجمعيات الأهلية والمنظّمات المدنية وسيلة مادية يمكن استخدامها للتخفيف من الحوادث الناتجة من المراسلة، لأنه يلغي «إغراء» تبادل الرسائل النصّية عبر قطع الاتصال بالإنترنت. كما يتضمّن التطبيق إحصاءات خاصة بالسرعة لاحتساب معدّلها، ويتمّ تطويره أكثر فأكثر اليوم لتصبح السرعة المسموح بها ثابتة على 20 كلم/س، بالإضافة إلى تحسين تصميم التطبيق. مبادرات تنقصها المتابعة الرسمية يوفّر هذا التطبيق وسيلة مهمّة لمواجهة مشكلة المراسلة النصّية خلال القيادة، لكنّه يتطلّب أولاً أن يكون لدى الشخص الحدّ الأدنى من حسّ المسؤولية والوعي تجاه هذه المشكلة. وفي هذا السياق، يؤكد أمين سرّ جمعية «يازا» للوقاية من حوادث السير كامل إبراهيم أنّ الجمعية سبق وأطلقت العديد من حملات التوعية في هذا الشأن بالتعاون مع شركة «تاتش» (Touch) المشغّلة لخطوط الهواتف المحمولة في لبنان. ولكن المشكلة تكمن في نقطتين رئيسيتين: أولاً، عدم توافر داتا خاصة بحوادث السير والتحقيق بأسباب حدوثها. وثانياً، إنّ حملات التوعية لا تترافق مع مبادرات رسمية لمنع السلوكيات الخاطئة أثناء القيادة مثل المراسلة النصّية. بالتالي، فإنّ إبراهيم يرى أنّ التطبيق يمكن أن يفيد الأشخاص الذين يملكون وعياً تجاه مشكلة المراسلة والقيادة، أمّا الذين لا يأبهون لذلك فسيستمرون في المراسلة ولو نتجت من ذلك حوادث مدمّرة، إلا في حال قامت السلطات الرسمية باتخاذ إجراءات صارمة تجاه من يقوم بالمخالفة. وفي هذه النقطة تحديداً، يلفت إبراهيم إلى صعوبة مراقبة استخدام الهاتف الخليوي في السيارة خصوصاً في الطرق غير الرئيسية، وهذا ما يجعل مشكلة المراسلة النصّية عالمية وليس هناك حلّ فعّال ونهائي لها بعد. لكن في الوقت نفسه، يعطي إبراهيم أهمية للتطبيق الذي طوّره طلّاب الجامعة الأميركية في بيروت، لأنّه يعكس مسؤوليتهم الاجتماعية واهتمامهم بطرق الوقاية من حوادث السير، مع الأمل بأن يترافق إطلاق مثل هذا التطبيق مع حملات توعية تركّز على مفهوم الأمان وعدم المخاطرة بالنـفـس بـسبب المـراسـلة، مع مبادرات رسمية فـاعلة مـيـدانياً، لـكي يكون العمل مـتكامـلاً ويـثـمـر نـتائج إيجابية. طلاب لبنانيون
مشاركة :