قد يكون الكويتيون من أكثر شعوب المنطقة تأثراً بالبعد الطائفي الذي ما زال يوظف من قبل أطراف الصراع الاقليمي. وما أزمة حلب قبل أيام إلا الأحدث في سلسلة الفتن الطائفية المحلية الناتجة عن تطورات في ميادين الاقتتال الاقليمي. وللأسف خطورة هذه الفتن - على السلم الأهلي الكويتي - متعددة القنوات، فهي لا تقتصر على دعم بعض المواطنين لأطراف في الصراع مما قد يترتب عليه ردود افعال دموية على المجتمع من قبل الأطراف الأخرى، بل أن مجتمعنا مهدد بدرجة أكبر بسبب مساعي البعض لإبراز حلقة الانتماء المذهبي على المستوى الاقليمي على حساب حلقة الانتماء الوطني الحاضن لجميع الأديان والمذاهب، وهم بذلك يساهمون في استيراد الحرب الاقليمية. شرارة الفتنة الطائفية الاقليمية تتجدد لأن الحكومة تتهرب عن محاسبة منتهكي قوانين الدولة التي تحظر المشاركة في أعمال عدائية ضد دول أخرى وتجرم المساس بالوحدة الوطنية. والوباء الطائفي الاقليمي مستمر بسبب تقاعس البرلمان عن محاسبة الحكومة على تقصيرها في هذا الملف الخطير. بعض المواطنين المستائين من استمرار الاحتقان الطائفي على خلفية أحداث إقليمية، واليائسين من التزام الحكومة بتطبيق القانون على موردي الفتن، اعتقدوا أن الخيار الوقائي البديل يكمن في منع النواب من التدخل في الشؤون الخارجية والاتكال كلياً على القيادة السياسية في إدارة الملفات الخارجية. وبالرغم من أنني لا أعلم من بذر نبتة هذه الفكرة، إلا أنني لاحظت أن الكوادر الانتخابية لبعض النواب المتخاذلين - في التعاطي مع الشؤون الخارجية الحساسة - شاركوا في نشرها ونموها مبررين بها تهرب نوابهم عن بعض مهامهم الدستورية. أتساءل هل يعقل بأنهم لا يعلمون بأن لجنة الشؤون الخارجية من بين اللجان الدائمة في المجلس؟ أم أنهم لا يعلمون بأن المادة 55 من الدستور الكويتي تنص على أن «يتولى الأمير سلطاته بواسطة وزرائه» ومن بينهم وزير الخارجية؟ أم أنهم لم يقرؤوا المادة 50 من الدستور القائلة «يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات مع تعاونها وفقا لأحكام الدستور ولا يجوز لأي سلطة منها النزول عن كل أو بعض اختصاصها المنصوص عليه في هذا الدستور»؟ وبعد أن ترسخ في البرلمان مبدأ عدم تدخل النواب في الملفات الخارجية، فقدت الدولة مرونتها في التعاطي مع الملفات الإقليمية مما عرضها لمخاطر تمس سيادتها وتهدد ثرواتها الطبيعية. وتباعا صدر مرسوم حل مجلس الأمة السابق في أكتوبر الماضي من أجل استبدال المجلس الخاضع للحكومة - في القضايا الخارجية على أقل تقدير - بمجلس آخر قد يعيد للدولة مرونتها خارجياً على المستويين الاقليمي والدولي. لا أقول أن هذا هو السبب الوحيد للحل، ولكنه بالتأكيد من بين الاسباب الرئيسة وفق ما جاء في نص المرسوم. المطلوب من النواب - الحاليين واللاحقين - التعاطي بإيجابية مع كل الملفات الخارجية المرتبطة بسيادة الدولة وثرواتها الطبيعية واقتصادها وأمنها الشامل. فالمنتظر من المجلس التصدي بحزم سياسي لأي خطر يهدد سلامة الاراضي الكويتية إن فشلت الديبلوماسية الكويتية في درئها. فالتقاعس عن هذا الدور الوطني يتعارض مع المادة الأولى من الدستور التي تؤكد أن «الكويت دولة عربية مستقلة ذات سيادة تامة، ولا يجوز النزول عن سيادتها أو التخلي عن أي جزء من أراضيها». وكذلك الأمر بالنسبة لثرواتنا الطبيعية حيث جاء في المادة 21 من الدستور «الثروات الطبيعية جميعها ومواردها كافة ملك الدولة، تقوم على حفظها وحسن استغلالها، بمراعاة مقتضيات أمن الدولة واقتصادها الوطني»، فالدولة وليست الحكومة منفردة مكلفة بحفظ ثرواتنا الطبيعية من المخاطر الخارجية. لست بصدد تقديم محاضرة في السياسية الخارجية، ولكنني أرى بأنه يجب على المجلس أن يتعاون مع الحكومة في إدارة الملفات الخارجية على المستويين الرقابي والتشريعي كما في بقية الملفات، لأن في ذلك إضافة لمرونة الديبلوماسية الكويتية وحماية لاستقلالية الدولة وثرواتها وحفاظا على حريات المواطنين وحقوقهم الدستورية... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه». abdnakhi@yahoo.com
مشاركة :