المسيحيون العرب واقعين بين مطرقة استبداد النظم السابقة وسندان الإرهاب، حيث تقوم التنظيمات الإرهابية باستغلال ورقة المسيحيين في صراعها مع الأنظمة العربية الحاكمة، وكذلك ضمن صراعها في الحروب. لقد كان للعامل الخارجي دور سلبي في زيادة آلام ومشكلات المسيحيين العرب؛ فالولايات المتحدة لم تحرك ساكنا لحماية هؤلاء المسيحيين من الممارسات التي يتعرضون لها، ولم تضغط على الدول العربية التي يعاني المسيحيون فيها من مشكلات حقيقية، والمثال على ذلك، أنه عندما تعرض المسيحيون في العراق وسوريا، لإرهاب داعش وسياسات التهجير، لم يكن هناك أيّ ردّ فعل غربي أو أميركي، كذلك لم تبد الولايات المتحدة ردّ فعل أمام معاناة المسيحيين في مصر. والأكثر من هذا، فإن البعض من الأطراف الخارجية، تسعى دائما إلى إحداث الوقيعة بين المسلمين والمسيحيين في المنطقة، وتعمل على تغذية الكراهية والصراعات الطائفية. وقال مصطفى علوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة لـ”العرب”، إن واشنطن تستخدم ورقة الأقليات المسيحية في العالم العربي لتحقيق مصالحها وأهدافها، وهو ما كان يحدث إبّان عهد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، حيث كان يثار موضوع اضطهاد الأقباط للضغط على نظامه، لتتواءم سياساته مع السياسة الأميركية تجاه عملية السلام، أو القضايا الإقليمية الأخرى. ويرى علوي أن إسرائيل تلعب دورا في إثارة النعرات الطائفية بين المسلمين والمسيحيين، كما أنها تستهدف تفريغ فلسطين من المسيحيين، حتى تكون القدس مرجعية لليهود فقط، كما أن للمسلمين مرجعيتهم (مكة)، وللمسيحيين مرجعيتهم (الفاتيكان)، لذلك نجد أعداد المسيحيين في فلسطين آخذة في التناقص، كما هو الحال في مدينة بيت لحم، مولد السيد المسيح. الأجواء العالمية تقود بدورها إلى تصاعد الصراعات الدينية، فمن ناحية هناك صعود لليمين المتطرف في أوروبا، ومن ناحية أخرى فاز الرئيس الجمهوري، دونالد ترامب في الولايات المتحدة، وهو المعروف بخطابه السلبي تجاه المسلمين، إضافة إلى سيطرة اليمين المتطرف الإسرائيلي على السياسة الإسرائيلية الحالية. يميل البعض من المراقبين، إلى نزعة التشاؤم، ويرون أن عام 2017 لن يكون مختلفا كثيرا عما سبقه من أعوام، في ما يخص معاناة وآلام المسيحيين العرب، حيث يرى الباحث السياسي، نبيل عبدالفتاح أن هناك مشكلات جوهرية في منطقة الشرق الأوسط لم تحلّ، فالمشكلة ليست فقط في انحسار التنظيمات الإرهابية، وإنما في استمرار الفكر المتطرف، والبنية الثقافية السائدة، التي تنظر إلى المسيحيين باعتبارهم خارج المنظومة الثقافية والدينية العربية. لذلك فإن إنهاء معاناة المسيحيين العرب، تكمن في أمور عدة، أولها أن يفهم العرب أن هؤلاء المسيحيين هم جزء أساسي وأصيل من النسيج العربي، وأنهم شريك أساسي في المصير وفي التحديات، وثانيها ضرورة تغيير بنية الخطاب الديني والثقافي العربي نحو تكريس التسامح والتعايش السلمي. المسيحيون العرب، شكلوا الحلقة الأضعف، والمنطقة الرخوة، التي تأثرت كثيرا بالأحداث التي تشهدها المنطقة منذ سنوات، فقد أدّت الحروب الأهلية في سوريا والعراق إلى تصاعد التنظيمات الإرهابية التي قامت باستهداف المسيحيين والأقليات الأخرى الأمر الثالث هو ضرورة تكريس دولة المؤسسات والديمقراطية الحقيقية التي يسود فيها مبدأ المواطنة، وتساوي بين الجميع في الحقوق والواجبات، وتنص قوانينها على إجراءات رادعة لأي اعتداء على المسيحيين أو كنائسهم، وتوفير وضمان حرية العبادة الكاملة لهم. على الرغم من تلك النظرة التشاؤمية، إلا أن هناك من يميل إلى نزعة التفاؤل في عام 2017، فأحمد شوقي، أستاذ المستقبليات، أشار إلى أن هناك مؤشرات إيجابية تشي بإمكانية تحسن أوضاعهم خلال العام الجديد، وأبرزها تراجع وانحسار نفوذ وسيطرة التنظيمات الإرهابية، وهو ما يمهد لعودة المسيحيين مرة أخرى إلى مدنهم التي تمّ تهجيرهم منها. الحال نفسها نشهدها في سوريا، حيث تتعرض التنظيمات المسلحة لهزائم كبيرة، وآخرها نجاح معركة تحرير حلب. وأضاف القس رفعت فكري، راعي الكنيسة الإنجيلية بشبرا (وسط القاهرة)، لـ”العرب”، عاملا جديدا يدعو إلى التفاؤل، يتمثل في اتجاه الكنائس المسيحية المختلفة إلى الوحدة والتقارب والتعاون، حيث شهد عام 2016 في مصر، خطوات مهمة باتجاه التقارب، خاصة بعد انعقاد مؤتمر الوحدة المسيحية بين الكنائس المصرية الرئيسية (الأرثوذكس والإنجيليين والكاثوليك). انتهاء معاناة وآلام المسيحيين العرب مرتبط بشكل كبير بانتهاء آلام سكان المنطقة كلهم، سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين أو من بقية الطوائف الأخرى، وهو ما يرتبط بشكل أساسي بتطور المجتمعات العربية، وإنهاء الصراعات والأزمات، وتغيير الثقافة الدينية السائدة، وتكريس الديمقراطية الحقيقية. :: اقرأ أيضاً ثقافة الاعتذار تجعل الرصاص يعود من الصدور إلى البنادق
مشاركة :