الحب عند الفراعنة: أشعار وعادات

  • 3/31/2014
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

منذ العصر الذي نُقشت فيه أول الرسوم على الأحجار، حتى العصور التي عرفها التاريخ، وسجّل حضاراتها القديمة، تنبسط منطقة كبيرة مجهولة، يبدو أنها خالية من الأحداث. ولقد احتفظ التاريخ من العصر القديم بظواهر امتازت بها مصر منذ عهود الأُسر القديمة، وأهمّها تكريس النساء لخدمة إله الحُبّ أو آلهة الحُبّ, وهذا التكريس الديني حدّد نظاماً خاصاً للنساء اللاتي كن ملكاً مباحاً لجميع رجال الطائفة أو القبيلة، وكانت صلة النسب ترجع إلى المرأة لا إلى الرجل، كما أن العاشق في مصر القديمة كان ينادي معشوقته بـ(يا أختي) وهي إذ تخاطبه تقول: (يا أخي).. وكل الشعر المصري الغرامي القديم ينحصر تقريباً في هذه الأخوة المضطرمة. وتطوّر المجتمع المصري، وظهر الزواج, وكانت المرأة المصرية القديمة إذ ذلك مُميّزة عن جميع أخواتها الشرقيات وأكثر منهن تمتّعاً بالحرية، كانت تتمتّع حتى وهي متزوّجة بحقها في التصرّف بثروتها، وتحمل اسماً خاصاً معناه (سيدة البيت)، لم تكن تسكن مع زوجها, بل تستقبله في بيتها هي كضيف مُفضّل ممتاز. ولم تكن العلاقات الغرامية عندهم علاقات هوى مشبوب يُمازجه القتل وسفك الدماء، بل علاقات جنسية طبيعية يلطّف من حدّتها نوع من الحنان المداعب الرقيق.. كما تدلّ على ذلك أشعارهم التي كشف العلماء عنها. يعتقد الكثيرون أن قدماء المصريين كانوا جامدين متزمّتين، وقد وضح هذا في تماثيلهم ورسومهم وأساليبهم التي لم يطرأ عليها أي تغيير على مدى العصور، وتصوّروا أن التحنيط هو ما شغل بال المصري القديم مدّة حياته. وكان لِزاماً أن يمضي قرن من الزمان أو أكثر على علماء اللغة المصرية القديمة والباحثين في الأدب المصري القديم ليتبيّنوا أن قدماء المصريين كانوا أهل فرح ومرح ولهو، وكانوا شغوفين باللعب والاستمتاع بالحياة والموسيقى والغناء. نعم، عرفوا الحُبّ وعاشوه بكل أنواعه ودرجاته، ولم يخجلوا من البوح بمشاعرهم والاعتراف بحبهم.. كان المحب يمسك يد محبوبته ويتنزّه معها في الحدائق الغنّاء وعلى شاطئ النيل السعيد, بل يسبحان معاً في مائه العذب، يتبادلان النظرات ويسرقان القبلات، كما كانوا يتبادلون رسائل الحُبّ والهيام. من بين الآثار التي خلفتها الحضارة الفرعونية على ألواح الفخار وأوراق البردي، أُغنيات حُبّ تحكي مشاعر الرجال والنساء, ومن هذه الآثار ما جاء في أوراق البردي المحفوظة في المتحف البريطاني تحت اسم (تورين) (ماسبيرو) و(هاريس) رقم 500، و(تشيستر بيتي) رقم 1-2 وفي اللوحة الفُخّارية المحفوظة في المتحف المصري تحت اسم (أوستراكون) رقم 25218، وترجع جميعها إلى الفترة من 1567 إلى 1085 قبل الميلاد. وقد ظلّت هذه الكلمات الجميلة بعيدة عن الأيدي حتى ظهرت لها ترجمة كاملة في مؤلّف كتبه باللغة الإيطالية الشاعر بوريس دراتشثيلتز- ونُشر في ميلانو سنة 1957، وعن هذه الترجمة نُشرت ترجمة إنجليزية شعرية للشاعرين إزرا باوند ونويل ستوك سنة 1962. وفي الوقت الذي عُرفت فيه هذه الأشعار الجميلة لدى قُرّاء الإيطالية والإنجليزية ظلّت مجهولة لدى معظم المصريين. ها هو عاشق يقول لحبيبته: بالأمس اكتملت سبعة أيام دون أن أراها زاد المرض وتثاقلت الأطراف ولم أعد أعرف نفسي لا الكاهن ينقذني ولا الرقى تشفيني مرضي مستعصٍ لا يعرفه أحد والحق أقول: هي التي ستهبني الحياة واسمها سيبعثني من جديد.. فرسائلها هي حياة قلبي عندما تجيء وعندما تذهب حبيبتي خير دواء وليس من طبّ عداها شفائي يأتي مع مقدمها ورؤيتها هي غاية ما أُريد فلتأت وتفتح عيني بأناملها الرقيقة وسوف تتحرّك بعدها كل أطرافي ولتحدّثني حتى أستعيد قوتي، وأحتضنها فاحتضانها يشفي علّتي ولكنها هجرتني سبعة أيام كاملة سبعة أيام دون أن أراها! أمّا هذه العاشقة، فهي تكتب لمحبوبها أُغنيات حُبّ: (1) يا حبيبي.. السباحة والغطس معك هنا يعطياني فرصة طالما انتظرتها كي أظهر مفاتني أمام عيون تقدّرها! لباس استحمامي من أفخر نسيج والآن وقد ابتلّ يمكنك أن ترى من خلاله كل ما تريد! لنعترف إذن بأنك جذّاب فسوف أعود إليك وسوف أجد دائماً العذر لألحق بك ثانيةً انظر إلى السمكة الحمراء التي مَرقت بين أصابعي لا، لن تراها جيداً إلا إذا قدِمتَ هنا إلى جواري والتصقت بي! (2) لا شيء.. لا شيء يمكنه أن يحول دوني والوصول إلى محبوبتي على الشاطئ الآخر.. لا شيء حتى التماسيح الراقدة هناك لا تملك أن تُبقينا بعيداً عن بعضنا سوف أذهب رغم كلّ شيء.. وسوف أسيرُ على الأمواج بينما يطفو حبّها فوق الماء ليحيل الموج إلى أرض يابسة، تمتدُّ تحت قدميّ ويستحيل النهر إلى بحر غرام. (3) جمالها كبرعم اللوتس وصدرها كالفاكهة أمّا وجهها فهو الفخّ المنصوب في الغابة الحب والزواج والإنجاب أمّا حكيم الدولة الحديثة (آني)، فيزيد هذا الأمر وضوحاً حين يُعقّب على الهدف من الزواج: (أن يتّخذ المرء لنفسه زوجة وهو صغير، حتى تُعطيك ابناً تقوم على تربيته وأنت في شبابك، وتعيش حتى تراه وقد اشتدّ وأصبح رجلاً- إن السعيد مَنْ كثرت ناسه وعياله، فالكل يوقّره من أجل أبنائه). فالإكثار من الأولاد والنسل كان هدفاً يبتغونه ويسعون إليه، ويعملون على تحقيقه، ذلك بأن الأولاد في هذه الأزمنة القديمة لم يكونوا عبئاً على آبائهم وذويهم، وإنما كانوا عوناً لهم. فالحياة القديمة كانت سهلة مُيسّرة، وبخاصة في بلاد كمصر تعيش على الزراعة وفلاحة الأرض، فكلّما كثر الأولاد زادت الأيدي العاملة في الحقل, فيساعد الأولاد آباءهم في شؤون الزراعة وفلاحة الأرض، ويكون له منهم أداة نافعة نشيطة تساعده وتعاونه، ويجد فيهم كسباً اقتصادياً, وبذلك يصبح أمر الزواج وإنجاب الأولاد شركة تُدرّ رِبحاً، أو طريقة تجعل الرجل والمرأة وأولادهما إذا ما تعاونوا في العمل أنجح في الحياة وأقدر ممّا إذا عمل الرجل والمرأة وحدهما. وقد عمل المجتمع المصري القديم دائماً على رفع وتمجيد مَنْ يعمل على إرساء أُسس الأسرة, فالأب الذى يقوم على رأس الأُسرة كان يستمتع بمركز تحوطه المهابة، وكان الناس يحترمونه ويوقّرونه من أجل أبنائه كما يقول الحكيم. ولم يكن مركز الأُم بأقل من ذلك شأناً، إذ أن هذا المجتمع المصري القديم لم ينس أبداً فضل الأُم على أولادها، ولا حقّ الأُم على مَنْ ولدتهم وحملتهم في بطنها. ها هو الحكيم القديم (آني) يقول في عبارة بليغة: (أطع والدتك واحترمها، فإن الإله هو الذي أعطاها لك، لقد حملتك في بطنها حملاً ثقيلاً ناءت بعبئه وحدها، دون أن تستطيع أن تُقدّم لها عوناً، وعندما وُلدت قامت على خدمتك أَمة رقيقة لك، ثُم أخذت تتعهّدك بالإرضاع ثلاث سنوات طوال، وعندما اشتدّ عودك لم يسمح لها قلبها أن تقول: (لماذا أفعل هذا)، وكانت ترافقك في كل يوم إلى المدرسة لتدرس وتتعلّم وتتهذّب، ثُم تغدق على معلّمك خبزاً وشراباً من وفير بيتها، والآن وقد ترعرعت واتخذت لك زوجة وبيتاً فتذكّر أُمك التي ولدتك وأنشأتك تنشئة صالحة، لا تدعها تلُمك وترفع أكفّها إلى الله فيستمع شكواها). ودعونا نعرف كيف ينظرون إلى الزواج، كيف كان على الرجل أن يعامل المرأة: «وإذا أردت دوام الصداقة في بيت تدخله، سيداً كنت أو أخاً أو صديقاً، فاحذر مقاربة النساء لأن ذلك أمر شائن..» (بتاح حوتب) و«احذر المرأة الغريبة المجهولة الأصل، لا تنظر إليها حين تمرّ بك، ولا تتّصل بها اتصالاً جسديّاً، إنها كالبحر العميق لا يعرف الإنسان ما يُخفيه..» (آني) و«لا تُكثر من إصدار الأوامر لزوجتك في منزلها، لا تقل لها أين كذا، أحضريه لنا، بل راقب أعمالها في صمت..» (آني). الحُبّ في أدب قدماء المصريين وفي الأدب المصري القديم، كانت المرأة شخصية ثانوية، زوجة للرجل أو ابنته أو أُمه، يهجرها الرجل ليبدأ مغامرة، وكثيراً ما كانت المرأة سيئة، خاطئة.. وفي الشعر الغزلي كانت صورة المرأة أكثر بهجة، تشتهي الرجل كما يشتهيها، وكانت أدوات التجميل أكثر من مجرد ترف، بل كانت أسلوب حياة لكل امرأة غنية أو فقيرة: الكُحل، الباروكة، التخلّص من الشعر الزائد، الزيوت المُعطّرة، الاستحمام والنظافة باستخدام النطرون والماء الجاري, بل هناك مزيلات لرائحة العرق, كما عرفت المرأة المصرية القديمة الفوط الصحية. وكان الرجل يتجنّب اللقاء الزوجي أثناء الدورة الشهرية لزوجته، وكانوا يعرفون أنه من المستحيل أن تحمل المرأة في هذه الأثناء، في الوقت الذي كان يظنّ الإغريق أنها الفترة المثالية لكي تحمل المرأة, بل استمر هذا الاعتقاد في أوروبا حتى العصور الحديثة! وممّا لا شك فيه أن كل أغاني الحُبّ المصرية القديمة، كان المقصود منها أن تُغنّى بمصاحبة العود والقيثارة، كما نشاهد ذلك على جدران معابد طيبة وغيرها. (ما أصغرها زهيرات سيمو مَنْ ينظر إليها يشعر أنه عملاق وأنا الأَولى بين مَنْ تحبَّ كروضة من نباتات زاهية وورود مُعطّرة وكم تبدو جميلة في هبّات النسيم الشمالي فلتهدأ دروبنا عندما تنساب يدك على يدي في نشوة الفرح أوَليست الحياة من صُنع صوتك وصوتك بلسم الحياة وما هو الطعام أو الشراب) وفى قصيدة تحمل عنوان (أُغنيات البستان) نقرأ فيها: (أوراقي كأسنان ثغركِ وثماري كنهديك أنا أجمل فاكهة هنا في كل طقسٍ وكل فصلٍ دائمة الوجود كحبيب في جوار حبيبته يجمعهما الشراب! كل الأشجار تفقد أوراقها كل الأشجار.. عدا الرمّان أنا وحدي أحتفظ بجمالي في البستان وأظلّ كما أنا فعندما تسقط أوراقي تترعّرع الأوراق الجديدة من حولي وأحلى الثمار.. فليعترف الجميع بمكانتي وليعلموا أنّني لن أقبل سوى المكان الأول وما لم يكن ذلك، فلتنتظروا وعيدي زهرة لوتس في برعمها وزهرة لوتس في ازدهارها وزيتٌ وطيبٌ من كل نوع سوف تكونين من السعداء فالجميع يحبّون حوض الورود، ويهتمّون به ها هو ذا قد أتى.. فلنهّرع إليه نضمّه ونقبّله ونُصلّي لكىّ يظلّ إلى جوارنا طول النهار)

مشاركة :