يكفي أن نخصّص بعض الوقت لمشاهدة فيلم عن باراك أوباما في شبابه كي ندرك سريعاً أن ذلك الشاب كان مدخّناً من الطراز الرفيع! فيلم Barry أحدث عمل عن سيرة أوباما الذاتية قبل عهده الرئاسي وتدور أحداثه قبل بضع سنوات من أحداث فيلم Southside With You (في الجنوب معك)، لكن يقدّم العملين شاب لا يكفّ عن تدخين السجائر! صوّر لنا Southside طالب الحقوق أوباما الذي يدرس في جامعة هارفارد، وحلّل أول موعد غرامي له في شيكاغو مع زوجته المستقبلية ميشيل. في المقابل تدور أحداث الفيلم الجديد Barry قبل ست سنوات تقريباً في مدينة بعيدة. تقع الأحداث في نيويورك، في عام 1981، حين نُقل أوباما الذي كان يسمّي نفسه {باري} من الكلية الغربية في لوس أنجليس إلى جامعة كولومبيا في مانهاتن لإنهاء تعليمه الجامعي. الفيلم من كتابة آدم مانزباش (معروف بكتاب الأطفال الناجح Go the…to Sleep اخلد للنوم) ومن إخراج فيكرام غاندي، ويروي مسار السنوات التحضيرية التي عاشها ذلك الشاب حين اتّخذ أولى خطواته نحو التعرّف إلى حقيقته. لا شك في أننا ما كنا لنهتمّ بهذه القصة بالقدر نفسه لو كان باري يحمل شهرة شوارتز بدل أوباما لأننا سنستمتع بالتنصّت على الرجل الذي سينتقل مستقبلاً إلى البيت الأبيض. مع ذلك يحمل الفيلم بعض المزايا الخاصة به. تتعلق إحدى مزاياه بالممثل الأسترالي ديفون تيريل الذي أدى دور البطولة في المسلسل القصير Codes of Conduct (قواعد السلوك) الذي لم يدم طويلاً على قناة {إتش بي أو}. يعطي هذا الممثل شكلاً من الرقي لشخصية أوباما حين كان في التاسعة عشرة من عمره ويضفي طابعاً مقنعاً على شكوكه وتجاربه. في الفيلم يبدو أوباما، الذي نشأ في أندونيسيا وهاواي وكان ابن مفكّر كينيّ وأم من {كنساس}، شاباً جدّياً وجامداً وليس مرحاً بقدر ما توحي به سيرته الذاتية التي تتناول فترة شبابه. تهذيب وأخطاء على بعض المستويات، يستوحي Barry شخصيته من {باري} نفسه. كان مرحاً وظريفاً دوماً لكنه تميّز بشيء من التهذيب في بداياته ثم زاد نضجاً وأصبح مثيراً للاهتمام عندما تعقّدت حياة أوباما وتطوّرت ردود فعله. سنشاهد بطل القصة في البداية على متن طائرة متّجهة إلى نيويورك حيث يقرأ رسالة من والده الذي لم يقابله كثيراً. ذكرت الرسالة: {ثمة مسائل لا يمكن تعلّمها إلا في المدينة. حاول ألا تتلهى. ركّز على أهدافك». ارتكب أوباما في أولى أيامه في هذه المدينة الأخطاء التي يرتكبها المبتدئون، فلم يلحق بقطار الأنفاق وعجز عن دخول شقته ونبحت في وجهه كلاب في ساحة خردة وعلّمه رفاقه الجامحون في الحي تدخين السجائر. بعد المبيت لليلة مع سليم (أفي ناش)، صديقه النادل من الكلية الغربية، يبدأ أوباما أخيراً بالتواصل مع زميله في السكن ويل (إيلار كولتران من فيلم Boyhood’s عمر الصبا) ويعتاد على الحياة في جامعة كولومبيا. عدا الفترة القصيرة التي أمضاها باري في صف العلوم السياسية، لم يلتزم هذا الشاب بمسيرته الأكاديمية. ربما كان يعرف أنّ عمله المستقبلي سيكون مختلفاً بالكامل عن المنهج الدراسي. يتّجه الشاب في البداية إلى كرة السلة ويشارك في مباريات صغيرة في حديقة {مورنينغسايد} المجاورة ويكسب لقب {غير المرئي} لأنه اختار قراءة كتاب The Invisible Man (الرجل غير المرئي) لرالف إيليسون. لا عجب في أن يجد أوباما الوقت للتواصل مع حبيبته التي كانت واحدة من مجموعة نساء سيعرفهنّ الرئيس المستقبلي في حياته. كان اسمها تشارلوت (آنيا تايلور جوي) وكانت شابة ذكية وتَحَدّت عدداً من أفكاره المسبقة. رحلة استكشاف الحياة يركّز فيلم Barry على الرحلة التي يخوضها الرئيس المستقبلي لاستكشاف الحياة، فيتذمّر مثلاً من غياب شخصيات مرموقة من أمثال جاك كيرواك وآلن جينسبيرغ في جامعة كولومبيا ويراقب مشاهد متنوعة من حوله وينتابه القلق لأنه لا يجد نفسه في أيٍّ منها. يؤدي هذا البحث إلى لحظات مثيرة للاهتمام مثل وصول أمه آن دونهام (آشلي جاد) بشكلٍ غير متوقع، وإقامة حفلة في المشاريع السكنية المجاورة، ومشاهدة باري وهو يأخذ نفساً عميقاً ويستعمل سحره مع والدَي تشارلوت الثريَّين من {كونيتيكت}. صحيح أن صانعي الفيلم قاموا بما يجب من بحوث عن حياة أوباما في جامعة كولومبيا لكن ما من مراجع كثيرة عن تلك الأيام، ما يعني أن معظم أحداث Barry ترتكز على تكهنات بشأن التجارب الخاصة التي يُفترض أن يكون قد عاشها. لذا يتعلق أفضل جانب من الفيلم بعدم مبالغته في إغراقنا بالتفاصيل. ويحرص المخرج غاندي على إبقاء أسلوبه سلساً كما يحبه الرئيس المستقبلي على الأرجح.
مشاركة :