كل الوطن- الخليج اون لاين:تقوض مليشيات حزب الله، جهود لبنان في مكافحة تبييض الأموال، وتهدد بوضع البلاد التي أنهت للتو شغوراً رئاسياً امتد عامين ونصف العام، في حالة شلل اقتصادي جديد، إذ تحذو حذو إيران في تنمية أموالها عبر المخدرات وغسل الأموال والتهريب. وامتثلت المصارف اللبنانية لقواعد التنظيم المالي الدولي، وباشرت في مايو/أيار الماضي بتطبيق القانون رقم 44 الصادر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 والمتعلق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، إضافة إلى تطبيق تعاميم مصرف لبنان المركزي. لكن تقارير دولية تصدر بين الحين والآخر، تهدد النظام المصرفي اللبناني، كان آخرها الكشف من جديد عن تجارة حزب الله سيارات مهربة مستعملة بين دولة بنين في غربي أفريقيا، والولايات المتحدة، ثم دمج أرباحها مع أرباح تهريب المخدرات؛ لتمويل أنشطته الإرهابية، ويتم وضع تلك الأرباح معاً في مصرف لبناني يسهم في غسل تلك الأموال. وقالت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية إن السلطات اعتقدت، قبل خمس سنوات، أنها طهرت الطريق الذي يُستخدم للتجارة بين الولايات المتحدة وبنين من غسل الأموال وتمويل المنظمات الإرهابية (في قضية وتحقيق اعتقدت واشنطن أنها أغلقتها في 2011)، إلا أنه يبدو أن الأمر لم ينتهِ، وما يزال الحزب يزاول نشاطه بكل حرية. وفي يونيو/حزيران الماضي، أعلن حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، إغلاق مئة حساب مرتبط بحزب الله، تطبيقاً للقانون الأمريكي لمكافحة تمويل حزب الله. وذكر سلامة حينها أن الأولوية تكمن في إبقاء لبنان على الخريطة المالية الدولية، وتعزيز مصداقيته بالأسواق الدولية. لكن الحزب نجح في إيجاد ثغرات للتمويل. لكن زعيم الحزب حسن نصر الله رد، في يونيو/ حزيران الماضي، في كلمة وجهها إلى مؤيديه برفض قانون العقوبات الأمريكية على حزبه جملة وتفصيلاً إلى قيام الساعة، وقال: نحن نقرّ علناً بأن موازنة حزب الله ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه تأتي من الجمهورية الإسلامية في إيران، مضيفاً أن الحزب لن يتأثر بالعقوبات. وشغلت إيران في 2016، وللسنة الثالثة على التوالي، دون منازع، الموقع العالمي رقم واحد في مؤشر بازل السنوي لمكافحة غسل الأموال. وحدد المؤشر إيران على أنها أعلى بلد في العالم من ناحية مخاطر غسل الأموال، من بين 149 بلداً شملتها دراسة استقصائية متخصصة في رصد مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، نشرت في أغسطس/آب الماضي. ويقضي القانون الذي أقرّه الكونغرس الأمريكيّ في 16 ديسمبر/كانون الأول من عام 2015 والّذي قدّمه رئيس لجنة العلاقات الخارجيّة في الكونغرس، إدوار رويس، بتوسيع العقوبات الاقتصادية على حزب الله اللبنانيّ والذراع الإعلاميّة التّابعة له؛ قناة المنار اللبنانيّة، وذلك عبر سلّة من التّدابير الّتي تهدف إلى منع الحزب ومؤسّساته من استعمال المصارف والقيام بعمليّات ماليّة. وكانت قد سبقت هذا القرار قرارات عدّة أخرى تهدف إلى تضييق الخناق، والحؤول دون اتّصاله بالنّظام المصرفيّ العالميّ. ورغم حال الشلل الّتي تعتري البلاد، والفراغ الرئاسي الذي أنهاه ميشال عون نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ووسط تجاذب سياسي واحتقان طائفي، تمكّنت لبنان من إصدار سلّة من القوانين جاءت تحت اسم تشريع الضرورة، ومن بينها قانون مصادقة على معاهدة وضعت سنة 1999 لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. لكن حزب الله يعمل خارج النظام المصرفي العادي، وهو ما تركه، نوعاً ما، غير متأثر بالجهود التي تبذلها السلطات اللبنانية والعقوبات الدولية. ولذلك صرح نصر الله في ذات الخطاب المذكور: لا يمكن لأي مصرف في الدنيا أن يعيق وصول الأموال إلينا. لا تراهنوا على هذا الموضوع. وكان الانفجار الذي خلفته عبوة في شارع فردان وسط بيروت، في يونيو/حزيران 2016، بمثابة رسالة سريعة من قبل حزب الله؛ لكونه وقع قرب المبنى الرئيسيّ لأحد أبرز المصارف اللبنانيّة، وهو بنك لبنان والمهجر، وثانياً لأنّ توقيتها جاء في سياق تجاذب سياسيّ وإعلاميّ كبير بين حزب الله من جهة وبين بعض السلطات المصرفيّة والماليّة اللبنانيّة من جهة أخرى، وذلك على خلفيّة تعاطي السلطات مع القانون الأمريكي. وفي ديسمبر/كانون الأول 2015، أقر الكونغرس الأمريكي قانوناً يهدف إلى منع حزب الله والكيانات التابعة له من الوصول إلى النظام المالي العالمي. وتصنف واشنطن حزب الله على أنه منظمة إرهابية منذ عام 1995. وفي يناير/كانون الثاني الماضي، رفعت واشنطن ودول أوروبية العقوبات التي تتصل ببرنامج طهران النووي، حيث شمل رفع العقوبات الصادرات النفطية، والتعاملات المالية. إلا أن طهران ما تزال مدرجة على لائحة عقوبات أمريكية وأوروبية في مجالات أخرى، ولا سيما الاتهامات الموجهة لها بدعم الإرهاب، وسجلها في انتهاكات حقوق الإنسان. فرغم الاتفاق النووي، يرد اسم إيران والمليشيات المسلحة الموالية لها في المنطقة، وعلى رأسها حزب الله اللبناني، في معظم تقارير غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وتقول صحيفة النهار إن المصرف اللبناني المحلي يخشى- في حال عدم تطبيقه القانون الأمريكي المذكور ونظامه- إدراجه في لائحة العقوبات SDN الصادرة عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية OFAC في وزارة الخزانة الأمريكية، وتالياً إقفال المصارف الأمريكية والأوروبية المراسلة حساباته لديها وقطع التعامل معه. ويقع عبء الإثبات في التقليل من المخاوف الأمريكية على المصارف اللبنانية، لكن تحركات مليشيات حزب الله على الأرض، وفسادها المالي، وبعض دعم الأحزاب والمصارف اللبنانية يعقد من إمكانية ذلك. وكان النائب السابق لحاكم مصرف لبنان وعضو مجلس إدارة مصرف سيدروس بنك، غسان عياش، قال في تصريحات عقب القرار الأمريكي، إن مصرف لبنان المركزي، مدعوماً من الحكومة والمجتمع الاقتصادي، التزم بأحكام القانون، مع أن الأمر لم يكن سهلاً نظراً لدائرة النفوذ الكبيرة لحزب الله في لبنان. وأضاف: من غير المنطقي أن يطبّق القانون بدون اعتراضات وردود فعل، لأنه خلافاً لكل بلدان العالم، يشكل حزب الله جزءاً من الحياة السياسية اللبنانية وله أعضاء بالحكومة، فللحزب المدعوم من إيران كتلة برلمانية كبيرة، لما لديه من بيئة شعبية داعمة له، إضافة إلى كونه يملك ترسانة أسلحة تمنحه نفوذاً كبيراً بمسار الحياة السياسية اللبنانية.
مشاركة :