هل تنسحب أمريكا كما انسحبت بريطانيا؟

  • 12/30/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

د. محمد الصياد هدد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إبان حملته الانتخابية، بأنه سيعيد التفاوض على اتفاقية منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (NAFTA) التي تضم الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، وأنه سوف ينسحب من اتفاق الشراكة عبر الأطلسي، وأنه سيبني جداراً على امتداد الحدود مع المكسيك، وأنه سيترك الأوروبيين واليابان وكوريا الجنوبية يعتمدون على أنفسهم في المسائل الدفاعية، لأن بلاده لا تستطيع دفع نفقات حماية الآخرين، على حد تعبيره. وقال صراحة إن على هذه الدول أن تدفع للولايات المتحدة إذا ما أرادت استمرار بقاء القوات الأمريكية في أراضيها لحمايتها من الأخطار الخارجية. وفي شأن مستقبل حلف شمال الأطلسي، ذكر أنه لن يكون مقبولاً بعد انتخابه رئيساً استمرار تحمل الولايات المتحدة 75% من ميزانية الحلف. رسمياً سوف يتقلد ترامب منصبه كرئيس للولايات المتحدة لمدة أربع سنوات اعتباراً من 20 يناير/كانون الثاني 2017. ومن المتوقع أن يبدأ فعلاً بتنفيذ بعض وعوده التي ساقها في قالب جعلها أقرب للتهديدات منها إلى الوعود، خاصة منها الانسحاب من اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ الذي وقعته 12 دولة الخميس 4 فبراير/شباط 2016 هي أستراليا، وبروناي، وكندا، وتشيلي، واليابان، وماليزيا، والمكسيك، ونيوزيلندا، والبيرو، وسنغافورة، والولايات المتحدة، وفيتنام، في خطوة اعتبرها الكثيرون محاولة أمريكية لإعادة التوازن الاقتصادي لآسيا، ووقف تعاظم دور الصين هناك، برسم البيان الذي أصدره الرئيس الأمريكي أوباما بعد حفل التوقيع، والذي جاء فيه أن الاتفاقية ستعزز قيادتنا في الخارج، وستدعم الوظائف هنا في الولايات المتحدة. وباستثناء مصمم استراتيجية حملته الانتخابية وعراب رؤيته المحلية والكونية، ستيف بانون، فإن ترامب لم يستند إلى أي من خزانات الأفكار (Think Tanks) المعروفة بإسدائها النصح والمشورة لأقطاب المؤسسة الأمريكية الحاكمة، سواء في وضع وصياغة استراتيجياته وسياساته، أو التنظير البلاغي لمرئياته الكلية والجزئية. ومن خلال تفحص خطابه الانتخابي، يمكننا القول إن الرجل المتمرد على نواميس عمل ونهج المؤسسة، هو بصدد إحداث انعطافة، تبدو حادة، سيقوم بموجبها بإدخال تحوير جوهري على موقع الولايات المتحدة في النظام الدولي لتقسيم العمل (السياسي والاقتصادي)، قوامه قاعدة حساب العائد والتكاليف الاقتصادية الذهبية. هي لن ترقى بالتأكيد إلى مستوى بيريسترويكا (إعادة البناء) التي نفذها آخر رئيس للاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف التي ثبت فيما بعد أنها كانت ديسترويكا (أي تدمير)، وإنما ستكون على غرار السياسات الإخلائية الجزئية لبعض المواقع غير المجدية، السياسة التي لجأت إليها بريطانيا إثر اضمحلال قوتها التي استهلكت بالكامل تقريباً في الحرب العالمية الثانية. هو يريد أن يخفف نفقاته الخارجية عبر التخفف من الالتزامات المالية للانتشار الأمريكي الخارجي المكلف، وقد قالها لناخبيه صراحة أنا لن أواصل لعب دور شرطي العالم، وأتحمل تكلفته الباهظة، وأن يقلص تكاليفه الاجتماعية الداخلية المتمثلة في العمالة الأجنبية الرخيصة المدمرة لفرص عمل الأمريكيين، وأن يُبقي الشركات الأمريكية داخل البلاد بعد أن يحرمها من مزايا المناطق الحرة التي توفرها لها عضوية واشنطن في التكتلات الخاصة بها (نافتا والشراكة عبر الأطلسي، وقد يشمل ذلك منظمة التجارة العالمية واتفاق باريس لتغير المناخ). لكأن الرئيس المنتخب بخطابه الصريح حول علاقات بلاده بالعالم الخارجي، يبغي إعادة إنتاج سيناريو انسحاب بريطانيا من مستعمراتها عبر العالم، بعد أن خلصت إلى أن تكلفة إدارتها أكبر من عوائد مواردها في الظروف الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية حتى نهاية ستينيات القرن الماضي. فهو يتجه بحسب خطابه نحو التركيز على الداخل الأمريكي، مكرراً عبارة أمريكا أولاً. كثيرون نعتوا هذا التوجه بالانعزالي، وهو توصيف غير دقيق، كما نعتقد. لأن أمريكا ترامب سوف تظل تستخدم فضاء العلاقات الدولية كأداة فعالة لتعظيم مكاسبها وصيانة مصالحها عبر العالم. إنما هذه هي أمريكا، عندما تتعاظم اختلالاتها، فإنها تضطر لصرف جهد ووقت أكبر على شأنها الداخلي. حدث هذا على سبيل المثال عندما عصفت بها أزمة الكساد العظيم (1929-1934). alsayyadm@yahoo.com

مشاركة :