ترى صحيفة ألمانية أن النظام العسكري المصري يواصل ممارسة القمع بكل أشكاله على الشعب المصري. ورغم ذلك، فإن المقاومة ما زالت مستمرة. وهذه نظرة موجزة حول ما يعيشه المجتمع المصري بعد مرور 6 سنوات على الثورة. يقول الشاب المصري أحمد حسن لصحيفة "" الألمانية: "إننا نشعر بالتعب في الحقيقة، ولكننا ما زلنا نحلم". ثم ألقى نظرة إلى الخارج، حيث كان بعض الأشخاص يتمشون في الشارع في ليلة شتوية دافئة. وفجأة، صاح بعض الأشخاص: "إننا نطمح إلى أن تتحقق أهداف الثورة". وأضاف حسن، الذي يبلغ من العمر 30 سنة، ويرتدي قبعة وقميصاً أبيض، وسروال جينز، بصوت خافت؛ خوفاً من أن يتفطن له أحد: "إن الوضع أصبح أسوأ من قبل!". يُعتبر حسن أحد أشهر المتظاهرين الذين ظهروا في الفيلم الوثائقي المصري "الميدان"، الذي حصل على جائزة الأوسكار. ويمثل حسن بالنسبة للكثيرين أيقونة الثورة المصرية. وهو ما يجعل العديد من الشبان يتزاحمون من أجل مقابلته. كما يُعتبر هذا الشاب بطلاً في نظر الشباب الثائر الذي كان يطمح سابقاً إلى مستقبل أفضل. ترعرع حسن في شبرا، وهو حي شعبي بالقاهرة. وبعد تخرجه، لم يجد عملاً، وقد كان يشعر بالغضب؛ لأن الدولة لا توفر فرص شغل للشباب، كما كان يشعر بالخوف من تفشي الفساد في البلاد. توجه حسن إلى ميدان التحرير، حين كان يرغب المتظاهرون في تحقيق العدالة. وقال: "لن أنسى يوم 11 فبراير/شباط 2011، اليوم الذي تخلى فيه حسني مبارك عن السلطة". ففي ذلك اليوم، ركض حسن في ميدان التحرير بعين دامعة محتفلاً مع بقية الشعب بسقوط مبارك. وقد كان يأمل، في ذلك الوقت، إحداث تغيير حقيقي بالبلاد، لكنه شهد نظاماً عسكرياً مستبداً، ثم حكماً إسلامياً في عهد محمد مرسي. وبعد ذلك، كان شاهداً على الانقلاب العسكري. كما عرفت مصر انتخابات رئاسية أدت إلى بداية حكم الجنرال عبد الفتاح السيسي، الذي اعتبره كثير من المصريين في ذلك الوقت بطلاً؛ لأنه "خلّص الشعب المصري من التطرف". وفي ذلك الوقت، اعتقد الشعب المصري أن الجيش سيضمن لهم الأمن والاستقرار. تحدث ناشطون عن الوضع الكارثي في عهد السيسي، فالعديد من أصدقائهم يقبعون في السجون؛ لأنهم انتقدوا النظام الجديد. كما تحدث هؤلاء الناشطون عن غرف التعذيب والمراقبة الدائمة، وأشاروا إلى رجال الشرطة الذين يقفون أمام المقاهي "لرصد الأشخاص الذين ينتقدون الرئيس"، مبينين أنهم "لم يعيشوا وضعاً بهذا السوء من قبل". في مصر الجديدة.. لا أحد يشعر بالأمان في الحقيقة، واجهت السلطة الحاكمة تحركات المعارضة بقمع شديد بعد إطاحة الجيش بالرئيس الأسبق محمد مرسي؛ فقد فض الجيش اعتصام أنصار مرسي بالقوة، مخلفاً وراءه مئات القتلى وقرابة 4.000 جريح. ومنذ ذلك الحين، لم يتعرض أنصار الإخوان للاضطهاد والمضايقة فحسب؛ بل شملت هذه السياسة القمعية المعارضين من كل المشارب على غرار الليبراليين والنقّاد. وإلى حد الآن، تم سجن 40.000 شخص، فضلاً عن إصدار أحكام متفرقة بالإعدام الجماعي. كما قام هذا النظام بتتبع الصحفيين الذين تحدثوا عن هذه الأحكام. حذر الخبراء، منذ وقت طويل، من عودة "الدولة العميقة"، والتحالف بين الشرطة والمخابرات، مثلما حدث في عهد مبارك، وقالوا إن المجتمع يشهد انقسامات غير مسبوقة. أما اليوم، فقد أصبح الجيش يسيطر مجدداً على المشهد العام في مصر؛ فقد قام بالقضاء على كل التحركات الاحتجاجية، ونشر المدرعات والجنود في أنحاء البلاد كافة، بينما يرفرف علم مصر في ميدان التحرير. أما وسط المدينة، فقد كان نظيفاً ومجهّزاً بأضواء الإشارة على مستوى التقاطعات. ولكن هذه الواجهة الأنيقة، لا يمكن أن تخفي الطابع البوليسي الذي يميز النظام المصري. تعيش الشوارع المصرية اضطرابات عديدة، فلا أحد يستطيع التحدث عن السياسة بشكل علني. ويقول، في هذا السياق، الكثير من المصريين: "إن النظام يعتمد أجهزة فاشية لقمع الشعب المصري". وقال خالد داود، وهو يسحب سيجارة: "يُعتبر عهد ما بعد الثورة نقطة تحول، فقد كانت الصحافة حرة، وتم إنشاء منظمات جديدة ونقابات مستقلة وأحزاب جديدة". وأضاف داود قائلاً: "لكن الوضع قد تغير، منذ تولى السيسي للسلطة". يبلغ خالد داود 49 سنة، ويعمل صحفياً لدى الصحيفة الأسبوعية الناطقة بالإنكليزية "الأهرام الأسبوعية"، والناطق الرسمي باسم "التحالف الديمقراطي من أجل مصر". لقد كان جالساً في حديقة بحي الزمالك بالقاهرة، ويتحدث متحمساً بصوت عال. ويمكن القول إن داود يُعتبر من أشد المعارضين للسيسي. الملاحقات الأمنية بدأت في عهد السيسي تشكل "التحالف الديمقراطي من أجل مصر" سنة 2012 في عهد مرسي، وهو تحالف يضم أكثر من 35 فصيلاً سياسياً، بقيادة الحائز جائزة نوبل للسلام، محمد البرادعي. لقد كان داود، في ذلك الوقت، ناطقاً رسمياً باسم "التحالف الوطني" وباسم حزب الدستور، الذي كان يمثل بقية الأحزاب التي تشكلت بعد الثورة ونادت بتنحية مرسي. ويقول داود، في هذا السياق: "لقد كنا نخشى أسلمة الدولة والمجتمع"، ولكن بعد تولي السيسي للسلطة، بدأت الملاحقات الأمنية. أصبحت أحزاب المعارضة أعداء الدولة. وفي هذا الإطار، صرح داود: "لم نتلقَّ منذ ذلك الوقت أي دعم مالي، وأصبح النشاط بشكل علني غير متاح بالنسبة لنا". وعلاوة على ذلك، تم إلقاء القبض على مئات المعارضين. ومنذ البداية، ضم حزب الدستور 30 ألف منخرط، أما اليوم فقد انخفض العدد إلى 2000 منخرط. ويضيف داود في هذا الصدد: "لقد نظمنا الكثير من الحملات؛ بقصد إطلاق سراح زملائنا، لكن سنستمر في المقاومة، رغم الصعوبات التي تعترضنا". يؤكد الكثير من المصريين أن السيسي لا يريد معارضة أو نقاشات علنية، والشيء نفسه بالنسبة للبرلمان. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه لا يقبل النقد الذي يوجهه إليه المجتمع المدني. وعموماً، لا أحد يشعر بالأمان في مصر الجديدة. برزت ظاهرة جديدة ومخيفة في مصر، حيث يتم اعتقال عدد من الشبان، ثم اقتيادهم داخل سيارات الشرطة. وبعد ساعات، يعود البعض منهم، بينما يختفي الآخرون. ويقول رئيس "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، جاسر عبد الرازق، متحدثاً عن هؤلاء الشبان: "يقبض عليهم أعوان الأمن ثم يجرّونهم إلى مكان مجهول". ويضيف عبد الرازق في هذا الصدد: "لم نعثر لهم على أثر منذ سنتين". يقع مقر "المبادرة الوطنية للحقوق الشخصية" في حي غاردن سيتي، الذي لا يبعد كثيراً عن ميدان التحرير. وقد أنشأ حسام بهجت، الصحفي بموقع "مدى مصر"، هذه المبادرة في سنة 2002، ثم التحق بها عبد الرازق بعد الثورة. وفي هذا الصدد، يقول عبد الرازق إن اضطهاد حقوق الإنسان تفاقم بشكل ملحوظ، منذ وصول السيسي إلى السلطة، وقد برز ذلك "من خلال مستوى عدد الضحايا وخطورة الانتهاكات". اختفاءات قسرية يثير اختفاء الكثير من الشبان قلق الشعب المصري؛ نظراً لانتشار العديد من المعتقلات السرية وغرف التعذيب في أنحاء البلاد كافة. وقال عبد الرازق في هذا السياق: "لقد تعرض العديد من الشبان هناك لسوء المعاملة والإصابات". في حين يكذّب النظام كل الادعاءات التي تؤكد حصول عدد من الانتهاكات داخل هذه المعتقلات. ومن جهة أخرى، كان أقارب المختفِين بشكل قصري ينظمون حملات، ويقدمون أسماء ذويهم لوزارة الداخلية، لكنهم تلقوا قائمة اسمية تضم 100 شخص تم اعتقالهم منذ فترة طويلة، وقائمة أخرى تضم أسماء الأشخاص المحتجزين في مكان مجهول. إلى جانب ذلك، تم اضطهاد المنظمات غير الحكومية التي توثق انتهاكات حقوق الإنسان. صدَّق البرلمان على قانون يمنع هذه المنظمات من النشاط بشكل قانوني، أو تلقي دعم مالي من أطراف أجنبية. وفي المقابل، يجب على هذه الجمعيات الحصول على موافقة من الدولة قصد الحصول على دعم محلي. كما يمنع هذا القانون الجمعيات من إجراء بحوث مستقلة. ويؤكد عبد الرازق، في هذا السياق، أنه "سيواصل النشاط، رفقة زملائه، رغم المخاطر التي يمكن أن يتعرضوا لها". قالت الصحيفة أيضاً إن المثليين المصريين، على غرار الجمعيات غير الحكومية، يواجهون مخاطر كثيرة، فهم يتحركون خلسة داخل شوارع مصر؛ خوفاً من المراقبة المنتشرة في كل مكان، كما تتم مراقبة أنشطتهم على الشبكات الاجتماعية ويتم الإيقاع بهم عن طريق رجال الشرطة السرية. يبقى الأمل بالنسبة للكثير من المصريين في مغادرة البلاد يواصل المصريون رحلة مقاومتهم لأجهزة الدولة في سرية حتى بعد مرور 6 سنوات من الثورة. وقد خطط عدد من المصريين لتنظيم مظاهرة أطلق عليها اسم "ثورة الغلابة" في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2016. وعلى الرغم من نشر تاريخها على شبكة الإنترنت قبل أشهر من تنظيمها، فإن الإقبال كان ضعيفاً، وهو ما يبعث على الدهشة. لم يتمكن السيسي من الوفاء بوعده، وهو ما قلص من عدد مؤيديه، فعوض أن يساعد الفقراء، فقد أسهم في تزايد عدد الفقراء، وقاد مصر نحو أزمة اقتصادية. فقد ارتفعت الأسعار، وتضاعفت أسعار عدة مواد أساسية رغم انخفاض الأجور. وأصبح الإرهاب الهاجس الأكبر بالنسبة للسيسي، كما أن سياسة الاستقطاب التي اعتمدها أدت إلى مزيد انتشار العنف في البلاد، بدلاً من تحقيق مزيد من الاستقرار فيها، ولم يعد المصريون يفكرون في معارضة سياسته. ولذلك، يقول الكثير من المواطنين المصريين إن مصدر قلق المواطن المصري هو الفوضى المنتشرة في البلاد. لا يمكن العيش في هذه الظروف بقي الحل الوحيد بالنسبة للعديد من المصريين في مغادرة البلاد، فقد غادر عدد منهم البلاد متجهين إلى الخارج، بينما اختار البعض الآخر الهجرة بحراً هرباً من الفقر، لكن فضّل عدد من المصريين، الذين لا يمكنهم أن يتركوا عائلاتهم، البقاء. عبّر بعض المصريين عن تفاؤلهم، رغم أنه لا توجد في الوقت الحاضر حركة توحد الثوار. فقد غادر العديد من المصريين البلاد، في حين يقبع آخرون في السجن. وقال حسن متحدثاً عن الشعب الثائر: "إن الثوار في الوقت الخاص مجموعة متفرقة من الناس، كان يجمع بينهم في السابق حلم واحد". وتابع: "إن المصريين غير راضين على الوضع، وسيعبّرون عن خوفهم من المستقبل؛ لأنهم يشعرون بغضب داخلي، فهم لا يجدون طريقة لتوفير الطعام لأطفالهم، ولا يمكنهم العيش في هذه الظروف". قال حسن في فيلم "الميدان": "إن الشعب المصري يموت ويعاني. إننا مصريون سواء كنا مسيحيين أو سلفيين أو إخواناً أو ثواراً". ثم يستدرك قائلاً: "يوجد في هذا الميدان أمل كبير. سيقاوم المصريون من أجل العدالة". - هذا الموضوع مترجم عن صحيفة Zeit الألمانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط .
مشاركة :