«لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»... ذلك أنسب عنوان يوصف به عام 2016، والذي غاب فيه الفصيل الثقافي عن الساحة تماما، وبدلا من أن يكون أداة ردع للإرهابيين ثقافيا، بجانب الأمن، كان في بعض الأحيان هؤلاء المثقفون المصريون ما بين متهم ومدان. هذا الوضع الثقافي «الغريب»، أو «الغائب» جعل عناصره من رواة وأدباء ومثقفين يتنحون عن المشهد. وفي هذا العام انتشر مصطلح «خدش الحياء»، وكان أول ضحاياه الروائي أحمد ناجي، الذي بين عشية وضحاها، وجد نفسه خلف القضبان بتهمة خدش الحياء وتجاوز حرية التعبير وهدم الأخلاق وتشكيلة من التهم والمصطلحات المعلبة عن روايته «استخدام الحياة». دفوع المثقفين عن ناجي كانت خافتة وكان أقصاها عرض جزء من روايته على صفحات الجرائد أو في مقالات الرأي. والغريب أن النائب البرلماني الذي طالب بمحاكمة نجيب محفوظ، لم يجد من يحاسبه، أو يلومه، أو يواجهه. بل إن بعضا من النخبة قرروا الاعتكاف والبعد عن الصخب ومنهم من ادعى المرض ومنهم من أمرضه الوضع، ومنهم من آثر الرحيل. وفي المشهد الثقافي المصري، تطورت سريعا تهمة «خدش الحياء» إلى تهمة «ازدراء الأديان» وبسببها، نال الباحث إسلام البحيري والكاتبة فاطمة ناعوت، التي خشيت وهي من هي من التحرر والحرية أن تقبع خلف القضبان، فخلفت وراءها بلادا باتت تغوص في الإرهاب الفكري وطارت إلى حيث النور، متأسفة على حال ناجي وبحيرى وغيرهما. في حين تلقى «بحيري» صدمة كبيرة بحكم حبسه ليبقى وراء قضبان السجن شهورا عدة، ويخرج بعفو رئاسي. كل ذلك وإن كان سيئه كثيرا إلا أن ضحاياه لم تهد البنيان ولم تعصف بالأركان، لكن غياب الوعي وانحسار دور الثقافة والمثقفين، جعل البعض يطالب بمحاكمة الأديب العالمي نجيب محفوظ لأن رواياته خادشة للحياء، ردود الفعل هذه المرة كانت سريعة. لكنها لم تكن مؤثرة، فلا من قال اعتذر ولا مؤسسات الدولة اتخذت إجراء، ولا حتى المثقفون وتلاميذ محفوظ نظموا وقفة احتجاج.
مشاركة :