أكد فضيلة الشيخ عبد الله بن محمد النعمة خلال خطبة الجمعة أمس بمسجد الإمام محمد بن عبدالوهاب، أن فضل ذكر الله تعالي كبير، وأضاف أن حاجة الإنسان إلى ربه أشد من حاجة إلى الماء والهواء. وقال: إن غمرة الحياة المادية واللهاث وراء المتع الحسية، يشيع القلق وينشر الاكتئاب والملل والاضطراب، وفي خضم ما مُنيت به الأمة من أحداثٍ ومتغيراتٍ، شغلت الناس بالمتابعات والتحليلات، انبثق عن ذلك كله، التغرب عن الحياة الهانئة المطمئنة، علاوة على ما قذفت به الحضارة المزعومة والمدنية الزائفة من سموم وهموم وأمراض قلب وغموم». وأضاف النعمة أن الذكر من أنواع العبادة التي ركز الإسلام عليها، ونبَّهَ إلى أهميتها، عبادةٌ من أسهل ما يقال، وأخف ما يعمل، وأيسر ما يحمل، ولكنها أكبر شيء في الميزان، وأحب شيء إلى الرحمن، وأجلُّ سعيٍ للإنسان، فلا يضارعها خير. وتابع: أن الذكر صدقة بلا مال، وجهاد بلا قتال، ومرابطة بلا انتقال، ومجاهدة بلا مشقة.. روى الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: ذكر الله». وتطرق النعمة إلى أن كلمة لا اله إلا الله لها كم من الحسنات ورفعة في الدرجات، هو الروح والحياة، ونسيان الله هو الهلاك والممات، وقد أخرج البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت» أخرج الترمذي عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو كثرة شرائع الإسلام عليه ويطلب منه إرشاده إلى ما يتمسك به ليصل به إلى الجنة، فكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله»، إلا أنه بمثل هؤلاء يستنزل النصر، ويحل الظفر، وتنجو الأمة من هزائمها وانتكاساتها. نسيان الأذكار يمرض القلب تناول الشيخ عبد الله بن محمد النعمة خلال خطبة الجمعة وصف ابن القيم لحال مَن ترك الذكر قائلاً: (وهي منزلة القوم، التي متى فارقتها صارت الأجساد لها قبوراً، وعمارة ديارهم التي تعطلت عنها، صارت بوراً)، فيا عجباً عباد الله أن نرى من المسلمين من وقع في أوحال الغفلة، وقد ضرب عليهم النسيان بظلمته، واستعجم عليهم اللسان برمته، فلا يذكرون إلى الهذر، واللغو والغيبة والنميمة، والولوغ في أعراض المسلمين، فلا يدور لذكر الرحمن على لسانهم حال (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) أولئك قوم استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله. قال ابن عباس رضي الله عنهما: (الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس). وأشار خطيب الجمعة إلى أننا ننظر إلى صرعى الغفلة وقلة الذكر، ننظر إلى ظلمات البيوت الخاوية من ذكر الله تعالى، ننظر إلى المسحورين وقد تسللت إليهم أيدي المشعوذين، أولا نتفكر في كثير من المبتلين بمس، يتقلبون تقلب الأسير، فلا يقر لهم قرار، ولا يهدأ لهم بالٌ، وتابع: لو تساءلنا، أين هؤلاء من ذكر الله؟ أين هم من تلك الحصون الحصينة، والحروز الأمينة؟ فإن لدخول المنزل ذكراً، وللخروج منه ذكراً، وللنوم ذكراً، وللصباح والمساء ذكراً، بل وفي كل شيء ذكراً، أسوة بما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال: «إن الحضارة المعاصرة، كثر فيها المثقفون، وشاعت فيها المعارف والفنون، ومع ذلك كله، انتشر اضطراب الأعصاب وأمراض النفوس، وعمت الكآبة على الكثيرين. والواقع عباد الله أنه إنما خُذِل مَن خُذِل بسبب خواء القلوب والبعد عن ذكر الله والانقطاع عنه. وأوضح أن الإنسان مَهمَا قوي فهو ضعيف، ومَهْما علم فعلمه قاصر، وحاجته إلى ربه أشد من حاجة إلى الماء والهواء، وذكر الله في النوازل عزاء للمسلم وتقوية للقلوب (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) ولو تنبه المسلمون لهذا، والتزموا والأوراد والأذكار لما تجرَّأ عليهم أحد، ولا تكدَّر صفو، ولا تنقص هناء. مفهوم جامع شامل دعا فضيلة الشيخ عبد الله بن محمد النعمة خلال خطبة الجمعة جموع المصلين إلى الإكثار من ذكر رب العالمين، وقال: «حق للسائل أن يسأل، ما بالُ الذكر مع خفته على اللسان وقلة التعب منه، صار أنفع وأفضل من جملة العبادات مع المشقات المتكررة فيها؟. وأجاب بأن الله سبحانه جعل لسائر العبادات مقداراً، وجعل لها أوقاتاً محددة، ولم يجعل لذكر الله مقداراً ولا وقتاً، بل أمر بالإكثار منه بغير مقدار، وتابع: ليعلم كل مسلم، أن ذكر الله عز وجل له مفهوم واسع شامل، وفي هذا يقول سعيد بن جبير رحمه الله: (كل عامل بطاعة لله، فهو ذاكر الله تعالى)، فقد يكون الذكر بالقلب وهو أن يتفكر الإنسان في أسماء الله وصفاته وأحكامه وآياته. وقد يكون بالجوارح، فإن كل فعل تفعله متقرباً به إلى الله مُتَّبعاً فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو من ذكر الله، فالصلاة ذكر، وبر الوالدين ذكر، وصلة الأرحام ذكر، بل والدين كله ذكر الله. أما ذكر الله باللسان فهو ظاهر ويشتمل كل قول يقترب به العبد إلى الله من التهليل والتسبيح والتكبير وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فضل قراءة القرآن قال فضيلة الشيخ عبد الله بن محمد النعمة الجمعة: "إن ذكر الله أشرف ما يخطر بالبالِ، وأطهر ما يمر بالفم، وتنطق به الشفتان، حتى يصبح المسلم الذاكر يصحو وينام ويقوم ويقعد، ويغدو ويروح، وفي أعماقه إحساس بأن دقات قلبه، وتقلبات بصره وحركات جوارحه، وإدبار الليل وإقبال النهار كل ذلك في قبضة الله وتحت قدرته سبحانه (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). وتابع: إن أفضل أنواع الذكر هو قراءة القرآن ، ثم ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأذكار والأدعية الصحيحة، وكذلك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فمن صلى الله على النبي صلاةً صلى الله عليه بها عشراً.;
مشاركة :