في المؤتمر الذي عقده مؤخرا قسم الشؤون الدولية بجامعة قطر تحت عنوان «توجهات في سياسة الشرق الأوسط» كان محور «اللغة والسلطة» والندوة الخاصة به من الندوات اللافتة، كونها كانت توثق لغة وشعارات عايشها المشاركون في المؤتمر، وترصد التغيرات التي طرأت عليها، حتى إن كثيرا من الحاضرين كانوا يسبقون المتحدثين في النطق بالشعارات سواء التي كانت في بلدانهم أو البلدان الأخرى التي عايشوا ثوراتها وتفاصيلها لحظة بلحظة، واستعرضت الجلسة التي ترأسها الدكتور مبارك حنون الأستاذ بقسم اللغة العربية بجامعة قطر، عددا من التغيرات التي طرأت على اللغة المستخدمة في شعارات الربيع العربي ومفرداته، من خلال السؤال الرئيس لهذا المحور وهو: كيف يؤسس مبدأ كلمة حق في وجه السلطة خطابيا لمقاومة السلطة كبنية اجتماعية، وكيف يمكن أن تمارس أو تتم بأشكال مختلفة كحراك سياسي وكخطاب سلطة (ديمقراطي، إسلامي، نسوي، يساري، قومي، عروبي... إلي آخره الشعب يريد إسقاط النظام.. هتاف معارض موحد في كلمتها التي حملت عنوان «شعارات ثورات الربيع العربي وإحالاتها النفسية والاجتماعية والاقتصادية، تناولت الدكتورة غادة خليل -قسم اللغة العربية- جامعة الأردن» القاسم المشترك الذي تشاركته ثورات الربيع العربي على مستوى لغة الشعارات السياسية، وكيف جرى التعبير عنه، وما الذي تكشفه هذه اللغة على المستوى النفسي والاجتماعي والاقتصادي، أوضحت أن أهم ما طرأ على اللغة مع الثورات العربية هو التحول من «اللغة المواربة» إلى «اللغة المباشرة»، «فقبل الثورات كان الخوف والشعور بالعجز هو المسيطر على المحكومين» (الشعوب) لذا كان من الدارج انتشار مقولات في المجتمعات العربية -قد تختلف في لهجتها لكنها تحمل ذات المعنى- مثل «اليد التي لا تقدر عليها بوسها وادعي عليها بالقطع، أبعد عن الشر وغني له، امشي جنب الحيط» وغيرها، لكن جاءت شعارات الربيع العربي مغايرة لهذه اللغة تماما، حيث كانت تركز على مواجهة هذا «البعبع» أو الخوف، وكأنها كانت تحاول الخروج والتمرد على صمت عشرات السنوات ولعل هذا ما يفسر التأكيد دائما في شعارات الثورات العربية على كرامة الشعب الذي لا يذل ولا يهان». واستعرضت د.خليل التغيرات التي طرأت على شعارات الربيع العربي موضحة: «شعار مثل «الشعب يريد إسقاط النظام» التي رددتها كل شعوب الربيع العربي في ثوراتها، يبرز «الإرادة» التي تحتاج إلى «فاعل» والفاعل هنا هو «الشعب الذي يريد»، والذي كان من قبل مفعولا به دائما، وهذا الشعار ليس كالشعارات المألوفة، والتي كانت دائما مسجوعة أو بها قافية، فهنا لا نجد أي من هذا، لكن مجرد جملة قاطعة، حاسمة، استخدمت مفردات باللغة الفصحى التي هي لغة الإرادة والثقافة، وهي تعطي رسالة قوية ومبطنة بمدلولها، والأمر اللافت أن هذا الشعار حتى مع انتقاله إلى بلدان أخرى عربية بقي كما هو ولم تطوله اللهجة العامية لتلك البلدان أو السجع». وأشارت الباحثة إلى أن كسر حاجز الخوف في اللغة كان له ما يعززه على أرض الواقع من مشاهدات «منها على السبيل المثال مشهد إطلاق المياه على المصلين على كوبري قصر النيل والذي تكرر في ليبيا، وتصدى الشباب بأجسادهم للدبابات في عدد من البلدان، وغيرها الكثير». وأشارت خليل إلى أن اللغة المستخدمة في ثورات الربيع العربي كان فيها استلهام للموروث الشعبي، خاصة تلك التي أخذت وقتا في الاعتصامات، مثل قصائد أبي القاسم الشابي في تونس واستلهام معانيها، وقصائد أحمد فؤاد نجم، وأغاني الشيخ أمام التي ملأت الساحات المصرية، وفي سوريا كان هناك استخدام واسع لأسلوب الزجل الشعبي والعرضات في الغناء مع تحريف كلماتها لتماثل الشعارات والمطالب الشعبية. وحدة الشعارات.. ورسائل ضمنية ضد الاستبداد تناول الدكتور حافظ علوي، أستاذ مشارك اللسانيات وتحليل الخطاب في جامعة قطر، كيفية ممارسة الخطاب السياسي لسلطانه، ودور اللغة في ذلك، مشيراً إلى بعض الجوانب التي توظف فيها اللغة لتجعل الخطاب السياسي خطاب استمالة للأنفس وتطويع للعقول، وسيطرة على الجماهير، وأشار د.علوي إلى أن للغة دلالات ومعاني وصورا تنأى عن دلالات المفردات والتراكيب والدلالات التي نجدها في لغة الخطاب اليومي، لتجعل من الخطاب السياسي خطابا ذا طابع خاص. وتعقيبا على الجلسة وما دار فيها أكد د.عبدالجليل الصوفي (قسم الشؤون الدولية-جامعة قطر) أن الشعارات التي تم رفعها تندرج تحت «توحد اللغة في الثورات العربية»، مما يعني أنها كشعوب عربية تحتاج إلى الوحدة فعلا، وقال «إن استخدام لغة الإشارة والرموز في الربيع العربي تحمل رسائل ضمنية وغير مباشرة وقوية للأنظمة الاستبدادية». المرونة اللغوية.. وحدت الشعب التونسي أصرت الدكتورة منيرة القنوني أستاذ مساعد اللسانيات بجامعة قطر، قبل حديثها بالجلسة أن تعيد الحاضرين لأجواء المصادقة على الدستور التونسي الجديد بعد الثورة، باعتبارها لحظة ملهمة وكاشفة لأهمية المرونة في استخدام اللغة، فلولا تلك «المرونة» ما كانت تلك اللحظة التي اجتمع حولها كل التونسيين على اختلافهم. وأوضحت د.القنوني كيف استطاعت اللغة أن توحد التونسيين قائلة: «كلمة مثل «الشريعة» في الدستور، لم يكن هناك اتفاق حولها، لذا تم استخدم كلمة «التعاليم» و «مقاصد التعاليم» والتي توسع المداخل والمخارج المتسمة بالتسامح، واعتماد الجمع بين مرجعيات متنوعة تجمع كل تونس الإسلامي والعلماني والقومي مما ساعد على التوافق الذي كانت تحتاجه البلاد». وتابعت: «فيما يتعلق بالمرأة، فالفصل الخاص بها لا توجد به كلمة «مساواة» لكن بدلا منها استخدم الدستور التونسي كلمات مثل «تكافؤ الفرص» و «المسؤوليات»، فرغم منزلة المرأة في التشريع التونسي -والأمثلة على هذا في الدستور التونسي كثيرة- إلا أنه استخدم اللغة التي تعطي هذه الإمكانات، وأضافت: لم يذهب الدستور إلى الكلمات الواحدة المحددة، ولكن لجأ إلى الكلمات التي فيها التباس، وترضي كافة الأطراف، فرغم أهمية الوضوح والمباشرة، فإنه قد يؤدي إلى الاختلافات في بعض الأحيان، وهذه الكلمات هي التي استطاعت أن تخرج بالبلاد من تفرقها في هذا الوقت».;
مشاركة :