شهدت السعودية نحو 12 عملية إرهابية في عام 2016، أبرزها من حيث الإدانة والاستنكار العملية التي استهدفت المسجد النبوي في المدينة المنورة في 29 من شهر رمضان الماضي (4 يوليو 2016)، عندما فجر انتحاري نفسه في موقف سيارات تابع لمركز قوات الطوارئ بجوار الحرم النبوي، ونتج عنه مقتل الانتحاري، واستشهاد أربعة من رجال الأمن، وإصابة خمسة آخرين من رجال الأمن.وكان اليوم نفسه شهد عدة هجمات متفرقة أخرى في المملكة، ابتدأت فجراً بانفجار قرب القنصلية الأمريكية في مدينة جدة، ثم تلاها محاولة تفجير مسجد للمسلمين الشيعة بمحافظة القطيف شرق السعودية مع أذان المغرب بالتزامن مع تفجير المدينة المنورة. الجماعات الإرهابية والمتطرفة اعتدت في عام ٢٠١٦ على المصلين داخل المساجد، وعلى حُرمة مكة والمدينة، وعلى أقارب وأمهات وإخوة وآباء وأقارب، وعلى رجال الأمن الذين يرابطون في حراسة المجتمع، ولم تردعهم الأماكن الفاضلة ولا عصمة الأنفس، كما لم تردعهم حُرمة وقدسية شهر رمضان، وهذا كله بحسب حملة السكينة لمكافحة الإرهاب يصب في مسار الانحطاط والحضيض. ويؤكد مدير حملة السكينة عبدالمنعم المشوح لـ«عكاظ» أن الإرهاب في ٢٠١٦ واجه «المجتمع» كله بجميع مكوناته وفئاته، كما أن المجتمع كلّه واجه الإرهاب والإرهابيين والمحرضين، معتبراً أن السعودية واجهت ألوانا من الإرهاب والجماعات الإرهابية شكّلت داعش «٢٦٪» من العمليات، فيما تنوعت العمليات الأخرى ضمن مكونات إرهابية تستهدف ديننا وبلادنا وأمننا ووحدتنا. وقال المشوح إن الإرهاب استهدف كل «جغرافية» السعودية، فقد حصد أرواحا في الشرقية والغربية والوسطى وغيرها من المناطق، وهي دلالة على تنوع المنطلقات الإرهابية رغم اتحادها في هدف «اختراق وحدتنا» وزرع الفتنة. المتحدث الأمني باسم وزارة الداخلية اللواء منصور التركي اعتبر أيضاً أن الأعمال الإجرامية التي استهدفت المملكة «غير مسبوقة»، مؤكداً أن المملكة تعرضت لـ128 جريمة إرهابية منذ عام 1422، نتج عنها مقتل وإصابة 1147 مواطناً ومقيماً ورجل أمن، وجميعها تهدف إلى الإخلال بالأمن العام. واعتبر مدير حملة السكينة لمكافحة الإرهاب أن المنطلقات الفكرية لمنفذي العمليات مختلفة البواعث، لكنها تتفق في الانتقام من النظام والمجتمع، وهز ثقة المجتمع بأمنه ورجاله، والاعتداء على المقدسات المعنوية والحسية، والخروج على تعاليم الدين ورفض الشريعة الإسلامية، والانتماء الخارجي والارتباط بقيادات في الخارج. لكن رغم شدة الهجمات العدوانية على المملكة كانت قوات الأمن السعودي تحقق نجاحات فريدة من نوعها بعد أن أحبطت عددا من العمليات الإرهابية خلال العام 2016، وكذلك ألقت القبض على عدد من المتهمين بالتورط في تلك العمليات أو دعمها أو التستر عليها، ونجحت أيضاً في تفكيك شبكة إرهابية تنتمي لتنظيم «داعش» مؤلفة من ثلاث شبكات عنقودية، كانت تجهز لأربع عمليات إرهابية بعضها بلغت مراحل متقدمة من الإعداد. كانت إحدى هذه الشبكات حاولت اغتيال أحد منسوبي وزارة الدفاع بمدينة الرياض في مايو 2016، بعد رصده وتمكن أحدهم من زرع عبوة متفجرة وإلصاقها في سيارته، إلا أنها انفجرت دون أن تحدث أي ضرر بالشخصية المستهدفة. وبعد يومين من فشل العملية الأولى، أحبطت قوات الأمن عملية كانت تستهدف الطلاب المتدربين بمدينة التدريب بالأمن العام، وذلك بوضع عبوة ناسفة عند البوابة لتفجيرها عن بعد أثناء خروجهم، ووصلت الترتيبات في تلك العملية إلى المراحل النهائية. وبعدها بيوم واحد أحبطت قوات الأمن عملية تسليم حزامين ناسفين، والإطاحة بالمكلفين بها، ومداهمة وكر إرهابي بمحافظة القويعية وضبط ما فيه من مواد متفجرة. واستمرت الشبكة في محاولاتها، وبعد إحباط عملية القويعية بيوم واحد أحبطت قوات الأمن عملية انتحارية وتم القبض على الانتحاري المكلف بالتنفيذ (نصار عبدالله محمد الموسى - سعودي الجنسية)، وبحوزته حزام ناسف وعبوة متفجرة، بعد أن قام في مراحل الإعداد للعملية برصد مواقع دينية بمحافظة الأحساء، وأخرى عسكرية تابعة لوزارة الحرس الوطني، وحددها على الطبيعة وبعث إحداثياتها للتنظيم في الخارج لاختيار أحدها من قبلهم وتكليفه باستهدافها، إذ حدد الجمعة الموافق 17/5/1437 موعداً للتنفيذ، إضافة لرصده قبل ذلك مسجد الإمام الرضا الذي تم استهدافه بتاريخ 19/4/1437. رؤية للمستقبل ويرى المشوح أن النجاحات التي تحققت في ملف الإرهاب ضخمة وكبيرة رغم كثافة التهديد وتنوع الخلايا، وهذا يتطلب المزيد من الجهد في المسارات الفكرية والمعرفية، ودعم المبادرات المجتمعية النوعية التي تصل فعليا إلي فئات المجتمع، فالموجات القادمة في العالم قد تكون أكثر تناثرا وعشوائية وتوحشا في اختيار مناطق وشخصيات المستهدفين، وسيكون في المستقبل للجماعات الإرهابية فرص أفضل للتجنيد والتهيئة، وهذا يتطلب «نهضة» فعلية في برامج ومشاريع مواجهة ومعالجة الإرهاب والتطرف.
مشاركة :