لا نملك حلولاً لمشكلات العالم لكننا لا نكف عن الكتابة بحثاً عن هذه الحلول أحياناً أو لمجرد الشعور بأننا قمنا بواجبنا في البحث عنها حتى ونحن نعرف تماماً أنها مهمة فاشلة. منذ ما يزيد على ربع قرن وأنا أكتب المقالات وأنشرها هنا وهناك، وأشعر أن كتابة المقالة واجب لا يمكنني التخلي عنه أو الانسحاب منه. واجب تجاه من بالضبط؟ وما الذي كلفني به؟ لا أدري ولا يهمني أن أدري ما دامت مستمرة في العيش بين الكلمات وقادرة على التقاط الأفكار وصياغتها في مقالات صحفية صالحة للنشر! يندر أن ينشر لي مقال صحفي، بغض النظر عن موضوعه، من دون أن أتلقى سؤالاً أو أكثر عن الجدوى! وعن السبب وعن النتيجة المتوقعة أو المرجوة وعما إذا تحققت فعلاً أم لا. ولا أظن أنني أجبت عن أي سؤال من هذه الأسئلة المتنوعة بشكل يقنعني أو يرضيني حتى الآن حتى وإن بدا لي أنه أقنع السائل وأرضاه. نعم.. يحدث هذا دائماً والأسئلة مستمرة: ما جدوى الكتابة في هذا الموضوع أو ذاك؟ ما الهدف من إثارة القديم والتنويه بالجديد من القضايا والمشكلات؟ هل تظنين أنك ستأتين بما لم يأت به الأوائل؟ هل ستتحرر فلسطين مثلاً؟ وهل ستصلين الفجر في المسجد الأقصى بعد تحريره إن كررتِ الكتابة عن ذلك الحلم المعلق في رأس قائمة الأمنيات؟ هل سيعود اللاجئون إلى ديارهم أو يبلغوا مأمنهم في أوطانهم الجديدة بسلام؟ هل ستنتهي مشكلة الذين يعيشون في أوطانهم بلا هوية ولا اعتراف رسمي ولا جواز سفر تحت مسمى بدون بمجرد أن ينتهي المسؤول من قراءة السطر الأخير من مقالتك العاصفة؟ هل سيختفي ثقب الأوزون وتبتسم البيئة باتساع المساحة الخضراء في كلماتك؟ وهل ستتعبد الطرق الترابية وتعود أغطية البالوعات في الشوارع إلى مكانها فلا يعود الأطفال يخافون من الاقتراب منها خشية السقوط فيها بعد أن نجحتِ في شرح الصورة المعبرة عن ذلك الإهمال القاتل؟ هل سنعرف أخيراً ما هي قصيدة النثر؟ وهل ستقنعيننا أنها شعر حقيقي، بل إنها غاية الشعراء وسدرة منتهاهم؟ هل ستسحب اللجنة الفلانية جائزتها الرفيعة من هذا الشاعر أو ذلك الروائي الذي ترين أنه فاز بها ظلماً وبهتاناً وتدليساً لا يليق بالشعر ولا بالرواية في المعنى الخالص لهما بعيداً عن تدليس المدلسين؟ ولا أظن أن هناك كاتباً بقي بمعزل عن شوك الأسئلة المشككة ما دام مستمراً في الكتابة، وأظن أن هذه الأسئلة هي أحد أسرار الدأب على طريق الكلام المكتوب بمنتهى الشغف الذي لا ينتهي! كتبت يوماً أن الكتابة هي الحل وتورطت بمن فهم الشعار بأن الكتابة تستطيع تقديم حلول مباشرة لللمشكلات العالقة، ذلك أنني فشلت حتى في شرح ما هو واضح ربما لأن الكتابة لا تشرح الوضوح بقدر ما تخلق مزيداً من التعقيدات لنعيش جمال الحياة البسيط في لعبة المقارنة ما بين الواقع والخيال! ومن جرب الكتابة وحسب يعرف تماماً لذة تلك اللعبة..!
مشاركة :