عندما حكمت إحدى المحاكم المصرية على أكثر من خمسمائة شخص بالإعدام تذكرت حكاية ذلك الرجل الذي ذهب لصلاة الجمعه في أحد المساجد بالمملكة وعندما سمع خطيب المسجد يحرض على الكراهية لم يقبل بالصلاة خلفه وأخذ جانباً من المسجد ليصلي بدونه ، وقال عندما سئل عن سبب ذلك بأنه لا يقبل لنفسه أن يصلي خلف إمام ( غير عادل ) . وبالمثل فإنه عندما يحكم قاض بحكم مثل هذا فإنه يعطي الانطباع بأن الحكم صدر عن هوى القاضي وليس عن رغبة في تحقيق العدالة ، ويسيء بالتالي إلى القضاء المصري ، مما سيجعل مهمة أي رئيس قادم لمصر مهمة صعبة في طمأنة الرأي العام إلى أن العدالة مهمة . ولا شك أن القاضي الذي حكم بإعدام أكثر من خمسمائة شخص مقتنع بأنه يحقق العدالة من وجهة نظره مثل خطيب المسجد الذي يعتقد أن تأجيج كراهية الناس لبعضهم البعض أمر واجب . عبد الفتاح السيسي سوف يواجه ، متى أصبح رئيساً لمصر ، العديد من الإشكالات المشابهة النابعة من حماس الأفراد الذين يغالون في تقديراتهم وأحكامهم بمن فيهم الإعلاميون الذين يصورون وصول السيسي لسدة الرئاسة حلاً لمشاكل مصر متجاهلين المصاعب التي تواجه أي برنامج إصلاح للوضع المصري . قرار السيسي ، أخيراً ، الترشح للرئاسة يجعل المعركة الانتخابية القادمة تكاد تكون حاسمة لمصلحته ، فالشعبية التي يتمتع بها ، وحب الجماهير له وللجيش ، الذي يأتي منه ، يضمن له نسبة كبيرة من أصوات الناخبين . وستكون هذه الخطوة الأولى في مرحلة جديدة لحكم مصر . والتي لا يمكن لاختلاف الزمن والظروف ، أن تكون تكراراً لحكم عبد الناصر الذي يسعى كثيرون لمقارنته به ، ولكنها ستكون بالتأكيد مرحلة انتقال من صيغة حكم فردي بحزب واحد إلى نظام أكثر تعددية ، وفرصة لصناعة مصر جديدة رائدة في منطقتنا العربية. ويتساءل الكثيرون عما يدور في رأس هذا الرجل والبرنامج الذي سيحمله معه إلى قصر الرئاسة..ومن المؤكد أن خلفية السيسي العسكرية تجعل الكثيرين يأملون في أن تكون عاملاً في تحقيق الأمن الذي تفتقر مصر في الوقت الحاضر إليه وسيكون عاملاً مساعداً أن يعود الإخوان المسلمون ، عن اندفاعهم الأعمى نحو التدمير ، ويبدأوا المصالحة مع الدولة والشعب ، لأن مسلك الأعمال الإرهابية هو مسيرة انتحارية ليست من مصلحتهم ولا مصلحة مصر . ومن المتوقع أن تكون ( الورقة ) أي البحث الذي أعده السيسي باللغة الإنجليزية عام 2006 ( بتاريخ 15 مارس ) خلال دراسته في كلية الحرب الأمريكية بعنوان " الديمقراطية في الشرق الأوسط " أحد المراجع التي سوف يستند عليها برنامج الرئيس المقبل لمصر . ويعالج البحث تأثير تطبيق الديمقراطية في الشرق الأوسط ، ويرى أنه من الصعب تصور تطبيق لها مشابه للتطبيق الأمريكي ، ويحذر أمريكا من الحماس لتطبيقها في المنطقة حيث أن حقيقة كون إسرائيل تمثل المصالح الغربية في الشرق الأوسط ستثير الشكوك لدى العرب حول الأهداف الحقيقية للديمقراطية . ويقول في بحثه الذي كتبه في ثماني عشرة صفحة : " الشرق الأوسط يتعرض لضغوط متواصلة لإرضاء أجندات دول متعددة قد لا تتوافق بالضرورة مع حاجات ورغبات شعوب الشرق الأوسط " ويرى أن الحاجة هنا ستكون إلى نوع من الديمقراطية " يعكس بحق مصالح الشرق الأوسط " ويؤكد السيسي في ( ورقته ): " في رأيي فإن الديمقراطية بحاجة إلى بيئة جيدة كوضع إقتصادي معقول ، وشعب مثقف ، وفهم معتدل للقضايا الدينية " . ويركز على ضرورة رفع المستوى المعيشي للناس ، مطالباً بمواجهة الفقر في العالم العربي ويطالب بتحسين الأوضاع الإقتصادية والظروف السياسية في العالم العربي كشرط لتحقيق الديمقراطية ويقول : " إن كامل دخل الشرق الأوسط سبعمائة مليار دولار وأقل من دخل دولة إسبانيا . وعندما نضيف الدول الإسلامية ، بما فيها تلك التي خارج الشرق الأوســـــط ، فإن دخلها مجتمعة أقل من دخل دولة فرنسا لوحدها " . على كل حال ، فإن لدى السيسي ، كما يظهر من البحث الذي كتبه ، نظرة واقعية لمختلف جوانب بلدان الشرق الأوسط ، بما فيها مصر . وتشمل نظرته مخاطر الفقر ، وسوء النظام التعليمي ، وأخطاء سيطرة الدولة على الإعلام ، وضرورة محاربة الفساد ومحاذير دفع المعتدلين من الإسلاميين إلى صفوف الإرهاب ، وضرورة إحتواء الجميع تحت مظلة الدولة وعدم السعي إلى الاستفراد بالسلطة . وكل ذلك يبشر بأن رئيس مصر القادم يتمتع برؤية سياسية سليمة لما يواجهه ، ويفكر بعلاج قد ينجح به في إخراج مصر مماهي فيه ، ويحولها إلى نموذج لباقي العرب . adnanksalah@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (5) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :