أعمال الفنان التشكيلي السوري حمود شنتوت تأخذ شكل المذكرات الشخصيّة، وتعكس أحزانه ووحشته وبحثه المضني عن الجمال. العرب [نُشرفي2016/12/31، العدد: 10500، ص(15)] رؤية جماليّة خاصة لشنتوت دمشق - يُطل كتاب “شنتوت” لمؤلفه منار ديب، على تجربة الفنان التشكيلي السوري حمود شنتوت أحد أبرز مصوّري جيل الثمانينات من القرن الماضي، في التشكيل السوري المعاصر. هذا الفنان المولود قرب السفيرة شرق حلب عام 1956 لأب من مدينة حماه كان يعمل منجّدا جوّالا، والدارس لفن الرسم والتصوير في كل من دمشق وباريس، تمكن خلال فترة قصيرة من رسم ملامح شخصيّة فنيّة خاصة به، وتميز بتفرغه الكلي للفن منذ أواسط الثمانينات وحتى اليوم. ويُشير الكتاب، الصادر ضمن “منشورات حمود شنتوت”، دمشق 2016، إلى أن غالبية أعمال الفنان شنتوت، تأخذ شكل المذكرات الشخصيّة، وتعكس أحزانه ووحشته وبحثه المضني عن الجمال، لهذا جاءت هذه الأعمال وليدة المعاناة، وذات بعد إنساني، بمصادرها المتعددة، لعل أهمها وأبرزها “فن الأيقونة”، لكنه أخذها وفق رؤيته الجماليّة الخاصة، حيث استفاد من تكويناتها الثابتة، وأجرى عليها عددا لا متناه من التحويرات. وبتأثير من ألف ليلة وليلة، ومن التغييرات في حياته، على المستوى الشخصي والمهني، قام الفنان برسم أيقونات جديدة، بعيدا عن التوجه الديني، طارقة موضوعات خياليّة، فيها لمسة من القداسة، تظهر من خلال التذهيب، واللون الأرجواني، والتكوين المحكم، والفخامة التي تميز رسوم شنتوت. يُشير الكتاب أيضا إلى حضور اللون الأسود في لوحات شنتوت، حيث استعمله بجرأة غير مألوفة، وهو “اللون الخطير” كما تقول الكاتبة، مع سلم من الرماديات، وبقع حمراء لها لون الدم. وشيئا فشيئا، ازدادت خيارات الفنان اللونيّة اتساعا، وأخذت تأوي إلى أركان عديدة في لوحته، شخوص متوحدة بمسحة صوفيّة، أخلت مكانها في ما بعد لكائنات خياليّة أو لنساء عاريات، ثم المزيد من الأزرق والأصفر. أما الضوء فكان يأتي أحيانا من العناصر نفسها، بدلا من أن يكون مسلطا من مصدر خارجي، وهو كمفهوم وصياغة، مستمد من الأيقونة، فالفنان اعتمد في غالبية أعماله، الصياغة الواقعيّة، لكنه يمارس عليها لعبا وإضافات، ليصير هو المكان بعين الداخل: صورة منمقة أو تعبير عن شعور. ويشير الكتاب إلى أن الفنان شنتوت، أعاد رسم العديد من الموضوعات، لكن في كل مرة على نحو مختلف، وفي السنوات الأخيرة اتجه إلى الرسم والتصوير على سطوح مختلفة، كالأبواب القديمة والخشب، مُدخلا عناصر من النحت النافر “الرولييف” إلى أعماله، مُحوّلا مفردات تطبيقيّة إلى عناصر تشكيليّة، الأمر الذي جعل منها مترفة، بهيّة، متصالحة، تعكس الحرفة العالية التي اكتسبها من خلال إنتاجه المجتهد والمستمر للفن. شهدت تجربة شنتوت تحولات عديدة، لكنها لم تفقد الملامح العامة لشخصيته، من ذلك التغير الكبير لمناخات لوحته، حيث انتقلت المشاهد المظلمة فيها إلى مشاهد تسبح في النور، وتم تجاوز محدوديّة الواقع إلى المشهد الأسطوري الذي أتاح له لعبا حرا، لكنه لم يقارب من خلاله التجريد، رغم اعتماده له في بناء معمار لوحته، ومحافظته على الموضوع، كمدخل إنساني، ووسيلة تواصل مع المتلقي. الفنان شنتوت، أعاد رسم العديد من الموضوعات، لكن في كل مرة على نحو مختلف، وفي السنوات الأخيرة اتجه إلى الرسم والتصوير على سطوح مختلفة، كالأبواب القديمة والخشب ويؤكد الكتاب على أن الحداثة ليست بوصلة وموجها وحيدا لدى شنتوت، بل هي وسائل يمكن توظيفها كما تُوظف أي من الأدوات الحديثة في الحياة اليوم. والفن التشكيلي الحديث في العالم العربي، لم يعد موضوعا للتأسيس، فقد اختزل الرواد قرونا من تاريخ الفن. والفنانون الذين يعملون الآن، يمسكون الحزمة المتداخلة من التأثيرات التي يتعرضون لها، أكثر من اتباعهم لتقليد محلي ليس موجودا أصلا. وإن وجد تقليد يتابعه شنتوت فهو ليس تقليدا من لون واحد. نعم هو يحافظ على قيم كلاسيكيّة معينة، لكنه ليس غريبا عن الحداثة بشكل من الأشكال. ويبين الكتاب الواقع في 280 صفحة من القطع الكبير، أن لوحة شنتوت الأخيرة مشبعة بالتفاصيل، حتى أنه يمكن النظر إلى كل جزء منها كعمل فني، مع ملاحظة عودة المساحات المظلمة إليها، لتشكّل إطارا لكتل مُضيئة، تحتوي على عناصر ملونة مرسومة بنعومة تشبه رسوم الكهوف. ومفهوم التصوير الجداري لدى شنتوت دائم الحضور، لا من حيث التقنية والمواد فحسب، بل من حيث الأحجام والموضوعات أيضا، إضافة إلى مقدرته على نمنمة أعمال صغيرة الحجم. يذكر أن منار ديب أديب فلسطيني درس اللغة الإنكليزيّة في جامعة دمشق، وعمل لفترة في الإعلام السوري قبل أن ينتقل، أخيرا، إلى السويد. له مساهمات أدبيّة نشرها في عدد من الصحف والمجلات المحليّة والعربيّة. :: اقرأ أيضاً قد تقول الصورة ما لا يقوله الكلام سيرة ذاتية لشاعر مغربي يطارد الأمل بذاكرة مجنحة إدانة روائية للوصاية الذكورية على المرأة شعر يحتفي بتناقضات الإنسان في همومه وأفراحه
مشاركة :