تأخر سن الزواج في العراق.. اضطرار ام اختيار؟

  • 12/31/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يعتبر العراق من اكثر الشعوب عزوفاً عن الزواج على مستوى الوطن العربي بسبب تدهور الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والامنية. وتحول العزوف عن الزواج الى ظاهرة مؤرقة. ويضطر اغلب العراقيين الى الزهد في اكمال نصف دينهم بسبب قلة المال وضيق العيش وتدهور الاوضاع الامنية الراهنة وكثرة العمليات الارهابية والتفجيرات الانتحارية مما يجعل حياة الواحد منهم في خطر دائم فيتحول الارتباط لديه وتكوين عائلة الى كابوس مزعج. ورغم ان بعض العراقيين ينعمون برواتب جيدة، الا انهم يفضلون الحرية والاستقلالية والبقاء خارج "القفص الذهبي" وفرحة العمر. وتقول ص.غ البالغه من العمر 41 عاماً ان الحروب أحد الاسباب الرئيسية في انتشار العنوسة وذلك لكثرة الوفيات من الرجال، الى جانب عزوف البنات عن الزواج بسبب المشاكل الأسرية بين الوالدين. وتضيف "تعود سبب عنوستي الى كثرة المتقدمين لطلب يدي للزواج عندما كان عمري ثلاثة وعشرين عاما فلقد تقدم لخطبتي شاب ادعى انه من عائلة محترمة وقد ثبت العكس تماما، ومن ثم تقدم لخطبتي رجل كان عمره اربعة وخمسين عاما وحينها كانت في السادسة والعشرين عاما وتم رفضه من قبل العائلة للفرق الكبير بالعمر بيننا وبقي الحال على ماهو عليه الى هذه اللحظة". وقال س.ت البالغ من العمر السادسة والثلاثين عاما "سبب تأخري عن الزواج هو انني عندما تقدمت لخطبة فتاة احببتها بالغت عائلتها في طلب قيمة المهر والتجهيز ولم تكترث لضعف مرتبي". ع .ا حاصل على ماجستير عمره في الخمس والثلاثين قال: "نرى الشباب اليوم أما بلا عمل أو يشكون من ضعف الراتب الذي بالكاد يلبي احتياجاتهم اضافة الى صعوبة الظروف الاقتصادية والارتفاع المتزايد والصاروخي لتكاليف الزواج على غرار أسعار الذهب والاثاث، الى جانب اشتراط اهل العروسة ضرورة وجود بيت مستقل للحياة الجديدة وهذا بحد ذاته عبئا لايشجع على الاقدام على الزواج". واضاف "هناك فتيات يتاثرن بما تبثه بعض وسائل الاعلام من ومضات اعلانية عن اثاث فاخر ومغر فتراها ترفض الزوج من الشاب الفقير الغير متمكن وتظل تنتظر حتى يمضي قطار العمر". ويحث خاتم الانبياء محمد على الزواج بقوله "من بلغ الباءة منكم فليتزوج" وفي حديث اخر "صلاة المتزوج تعادل صلاة العازب اربعين مرة". وقال الشيخ محمد الجبوري"لقد شرع الله الزواج لمقاصد شريفة وغايات نبيلة منها اعفاف النفس وطلب النسل والتالف بين المسلمين فردا واسراً وجماعات، فإذا تعثر الزواج وانحسر عن المد الاجتماعي، ضعفت فاعليته وقل النسل وانعدمت جدواه الاجتماعية والنفسية". واضاف ان المجتمعات تنهض على مبدأ الزواج وتترابط فيها الافراد والأسر، ويكون الاستقرار الاسري علامة على التمدن والتحضر وضرورة لبناء الحضارة. ويوفر الارتباط راحة نفسية وجسدية ترسخ مكارم الأخلاق عند الزوجين. واعتبر الشيخ ان الانسان بفطرته ميّال الى اشباع غرائزه ورغباته ونزاعاته التي توظف في العادة اذا افتقد الى من يشاركه حياته في فعل الفاحشة، ويستوي في ذلك الرجال والنساء. وقال "اجمع العلماء على ان تاخر سن الزواج يؤدي إلي انحرافات سلوكية ونفسية بسبب الحرمان والشعور بالوحدة". واضاف ان الزواج الشرعي في إطاره الأخلاقي والسعيد يمكن من اشباع غرائز الانسان كما يحقق له العفاف ويؤدي الى شعوره بالاستقرار والسكينة والهدوء وراحة البال. واعتبر خبراء في مجال الاجتماع ان المجتمعات التي تعاني من ارتفاع نسبة العنوسة تنتشر فيها الجرائم غير الاخلاقية. وبينت دراسات سابقة ان المجتمع الذي تنخفض فيه نسبة العنوسة اوفر اقتصادا واكثر أمنا. وافادت الدكتوره في علم النفس نبراس عماد ان المجتمع العراقي يلتزم بالتقاليد الاجتماعية، وإن ظاهرة الابتعاد عن الزواج تخل بالمجتمع وترجع بالاساس الى عدم التزام البعض بالشريعة الاسلامية والاخلاق والخروج عن التقاليد لكثرة التاثر بالفضائيات التي تطبع صورة سيئة في مخيلة الناس. ويتأثر الكثير من الشباب بما تبثه الفضائيات من كليبات وافلام مثيرة للغرائز وينجر عنها تعلقهم بصور نجوم ونجمات على غاية من الاناقة والجمال والاثارة والفتنة مما يؤدي بهم الى عدم التفكير في الزواج. وتمكن المفكرون والمحللون والباحثون في مجال علم النفس وعلم الاجتماع من وضع حلول كثير لمشاكل العنوسة. ونصحوا أهل الفتاة بالبحث عن رجل مناسب يستطيع أن يسعد ابنتهم وعدم النظر إلى غلاء المهر وإنما البحث عن زوج مسلم رشيد وصاحب أخلاق طيبة يحافظ عليها ويصونها ويسعدها. واعتبروا ان على الفتاة ألاّ تعتذر عن الزواج بحجة مواصلة التعليم فيضيع عمرها وتصل إلى مرحلة العنوسة. واعتبر خبراء ان الزواج لا يمثل عائقاً امام التحصيل العلمي، وثبت بالتجربة أن الارتباط الموفق يعين على تفرغ الذهن وصفاء النفس وراحة الفكر وأنس الضمير والخاطر، والله عز وجل يقول: (وَأَنكِحُواْ الأيَمَى مِنكُم وَالصَّلِحِينَ مِن عِبَادِكُم وَإمَآئِكُم إن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغنِهِمُ اللهُ مِن فَضلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمُـُ) . كما يحث العلماء على تيسير سبل الزواج وترسيخ المعايير الشرعية لاختيار الزوجين ومجانبة الأعراف والعادات والتقاليد الدخيلة التي لا تتناسب مع قيم ديننا الحنيف. وتزايدت أعباء الشباب المقبلين على الزواج على اعتبار أن شراء الذهب للعروس يعد من التقاليد الأساسية المعمول بها في مراسيم إتمام الزواج . ويقول محمد مرزه صاحب محل صياغة المجوهرات: ان نسبة عزوف المشترين عن الذهب في أسواقنا المحلية وصلت إلى أكثر من النصف تقريبا كون الطقم الخاص بالعروس وبحسب الأوزان ارتفع بصورة صاروخية . و يضيف مرزه أن الشباب لا يستطيع توفير مبلغ المصوغ في الوقت الراهن لقلة فرص العمل. واعتبر ان بعض المتزوجين من الأقرباء وبالاتفاق مع عائلة العروس يكتفي بشراء خاتم الزواج لأجل إتمام الارتباط ويستغني عن اقتناء بقية المصوغ، على الجانب الاخر ترفض الكثير من النساء القبول بهذه الحالة وتطالبن بشراء طقم كامل من الذهب لاتمام عقد الزواج. واعتبر اصحاب محال بيع المصوغات الذهبية في محافظات العراق ان ارتفاع أسعار الذهب في السوق المحلية أدى إلى تراجع نسب البيع لأكثر من النصف. ويبدي البعض خشيته من تدهور البنية المجتمعية في البلاد إذا استمرت أسعار الذهب في الارتفاع، واصرت الأسر على الحفاظ على تقاليد تقضي بفرض مهور عالية على الزوج .

مشاركة :