يقفل العام 2016 فلسطينياً في مخيمات لبنان، على جملةٍ من التطورات السياسية والأمنية، من اغتيالات واشتباكاتٍ تحديداً في «عين الحلوة» (صيدا - الجنوب)، أثارتْ قلقاً بالغاً لدى المسؤولين الفلسطينيين كما اللبنانيين حيال ما سيكون عليه وضْع هذه المخيمات في 2017. ويمكن الحديث عن 5 تطورات ميّزت واقع المخيّمات في 2016: الاوّل، العملية النوعية التي نفّذتها قوات النخبة في مديرية مخابرات الجيش اللبناني في «حيّ الطوارئ» داخل عين الحلوة في 22 سبتمبر الماضي، والقبض على أمير «داعش» عماد ياسين (47 عاماً)، الذي كلّفه التنظيم الإعداد لعمليات أمنية في الداخل اللبناني ضدّ مراكز الجيش ومرافق حيوية وسياحية وأسواق تجارية وتجمعات شعبية وأماكن سكنية في أكثر من منطقة لبنانية. وكانت هذه العملية الاولى من نوعها ضد المخيمات الفلسطينية وشكّلت رسالة حاسمة الى «القوى الاسلامية» المتشدّدة بأن يد الجيش اللبناني قادرة على ان تطالهم في أي مكان في الوقت الذي كان يُخشى من توتير أمني في بعض المناطق اللبنانية امتداداً لما يجري في سورية. الثاني، بناء الجيش اللبناني جداراً اسمنتياً حول عين الحلوة في اكتوبر الماضي وتحديداً من الجهة الغربية الجنوبية لتأمين الحماية لقوافل قوة «اليونيفيل» الدولية على الطريق الساحلية الجنوبية المحاذية للمخيم ومستقبلاً لشركات النفط التي ستحضر الى لبنان للتنقيب عنه. وأثار هذا الجدار ضجة بوصفه «جداراً للفصل»، وادت الاعتراضات لوقفه على وقع توضيحات من قيادة الجيش بأنه «سور» وليس «جداراً»، واتفاق على ان تقوم الفصائل الفلسطينية بإعداد «خطة أمنية» لتحصين إستقرار المخيم والجوار اللبناني كبديل عنه. وفيما تَمحور التطور الثالث حول الاغتيالات والاشتباكات التي ظهرتْ معها القوى الفلسطينية عاجزة عن ضبْط الوضع، جاء التطور الرابع على شكل بدء عمليات تسليم المطلوبين لأنفسهم طوعاً في المخيمات الفلسطينية، بدءاً من «عين الحلوة» مروراً بمخيم المية ومية وصولاً الى مخيم الرشيدية لأنهاء ملفاتهم الأمنية، علماً ان هؤلاء مطلوبون بموجب مذكرات توقيف او بلاغات بحث وتحرٍّ او تقارير أمنية أو تهم الانتماء لتنظيمات أصولية او محظورة والى جماعة احمد الاسير الموقوف منذ عام تقريباً في السجون اللبنانية والذي يحاكم بجريمة الاعتداء على الجيش اللبناني في عبرا صيف 2013. اما التطور الخامس، فكان الانتفاضة السياسية والشعبية الفلسطينية ضد وكالة «الاونروا» بعد قرارات تقليص خدماتها منذ مطلع 2016، والقيام بسلسلة تحركات كبيرة في مختلف المخيمات ومنع كبار موظفي المؤسسة الدولية من دخولها، وصولاً الى قرار نقل المدير العام ماتياس شمالي الى سورية وتعيين مدير جديد بالانابة هو حكم شهوان، العربي من اصل فلسطيني. والى جانب هذه التطورات، تؤكد مصادر فلسطينية لـ «الراي» ان عمليات الاغتيال التي شهدها «عين الحلوة» منذ ايام، حملتْ رسائل سياسية اضافة الى بُعدها الأمني في الانتقام والثأر بين حركة «فتح» وناشطين اسلاميين متشددين من بقايا «فتح الاسلام» و«جند الشام»، وهي جولة جديدة من الاقتتال الداخلي الذي لم يؤد الى أي تغيير في المعادلة، اذ بقي كل طرف في مكانه من دون تسجيل اي هجوم ضد الآخر لمحاولة القضاء عليه او انهائه. وبدت الاشتباكات المسلحة عقب كل جريمة اغتيال، محاولة لتنفيس الاحتقان وإثبات قوة كل طرف وحضوره. وقد سجل 2016 ستّ عمليات اغتيال، بدأت باغتيال عبد الله قبلاوي في مارس (جرى قتل محمود الناطور انتقاما بعد اتهام شقيق عمر الناطور بتنفيذ العملية)، ثم علي رضا عوض المعروف بـ «البحثي» شقيق مرافق اللواء منير المقدح في يوليو الماضي، ثم سيمون طه في سبتمبر، وبعدها مقتل محمد الكوتا في اكتوبر بظروف غامضة، ثم سامر حميد الملقب «نجمة» ومحمود صالح في ديسمبر وابراهيم منصور في نهاية العام. حصيلة الاغتيالات والاشتباكات، كشفت الوضع الامني الهش في «عين الحلوة» وقابليّته للاشتعال عند اي حادث وحتى سوء تفاهم، وتكريس معادلة «الامن بالتراضي» و«المربعات الامنية»، والاتجاه الى الامن الذاتي في الحارات والأحياء مع تعاظُم نفوذ لجان الحماية مقابل ضعف فلسطيني فصائلي وعجز القوة الأمنية المشتركة عن التدخل الفوري لتطويق اي شتباك او إلقاء القبض على متهمين. كما ان هذا الواقع حمل رسائل باتجاهات مختلفة، منها إضعاف حركة «فتح» برئاسة الرئيس محمود عباس ومنعها من اقامة احتفالات بحريّة في ذكرى انطلاقتها السنوية، ومحاولة توريط «عصبة الانصار الاسلامية» بمعركة لا تريدها، والإيحاء ان القوى الاسلامية المتشددة باتت تتحكم بمعادلة المخيم العسكرية وبفتح معركة متى تشاء وقطع الطريق على اي تمدد لـ «التيار الاصلاحي الديموقراطي» في حركة «فتح» الذي يقوده في لبنان العميد محمود عبد الحميد عيسى «اللينو» الموالي للعميد المفصول من حركة فتح محمد دحلان، بعد تحركات احتجاجاً ضد الحركة ورئيسها «ابو مازن» على خلفية انعقاد المؤتمر السابع واستبعاد أنصاره من المشاركة فيه والتأثير في قراراته، وقطع الطريق على عزم الامين العام لحركة «انصار الله» جمال سليمان العودة الى عين الحلوة ما يُضعف نفوذ بعض القوى الموجودة فيه اسلاميةً او وطنية. وفي المقابل، نجحتْ القوى الفلسطينية رغم «الفشل الأمني»، في المحافظة على وحدتها السياسية وعلى الأطر المشتركة لجهة «القيادة السياسية الموحدة»، «اللجنة الأمنية الفلسطينية العليا» في لبنان و«القوة الامنية المشتركة»، اضافة الى الدور الجامع للسفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور. وكل هذه العناصر شكلت مظلة حماية لحسم الكثير من الملفات الشائكة ليس اقلّها الموقف من بناء الجدار حول عين الحلوة واستيعاب تداعيات اعتقال ياسين، واليوم الاغتيالات والاشتباكات في المخيم وحصْرها في بقعة جغرافية واحدة كي لا تتمدد الى باقي أرجائه وتتحوّل... بقعة زيت.
مشاركة :