الاقتصاد العالمي يودّع سنة «المفاجآت».. ويدخل عام «التبعات»

  • 1/1/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

إعداد: عبير أبو شمالة لا جدال أن عام 2016 كان عاماً استثنائياً في مفاجآته السياسية والاقتصادية، فما من أحد كان ليتوقع أن تصوت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي، ما قد يهدد بتفكك الاتحاد الأوروبي وانهيار العملة الموحدة. كما أن أحداً لم يكن ليتصور فوز دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية، الأمر الذي يصعب التكهن بانعكاساته على اقتصاد الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي في 2017. وكما يقول خبراء السياسة والاقتصاد الأمر الوحيد الذي يمكن أن نتوقعه ونجزم به حول ترامب هو كونه غير متوقع. واجه العالم عدداً من التحديات في العام الماضي ليس أقلها التصويت بالرفض على استفتاء الإصلاح في إيطاليا، والمخاوف من انهيار العملاق المصرفي دويتشه بنك بعد أن غرمته السلطات الأمريكية بمبلغ 14 مليار دولار. كما واجهت الدول المنتجة للنفط مشكلة تواصل تراجع أسعار البترول الخام العالمية لتصل في فبراير/شباط 2016 إلى 27 دولاراً للبرميل، لكن نهاية العام حملت مفاجأة سارة للقطاع مع اتفاق الدول المنتجة للنفط ضمن منظمة أوبك وخارجها على خفض الإنتاج ما دفع المحللين إلى التفاؤل بتحسن أسعار النفط في 2017. اتفاق خفض الإنتاج شهدت أسعار النفط تقلبات حادة في 2016، حيث وصل متوسط سعر البرميل إلى 30 دولاراً في يناير/كانون الثاني، والتركيز كان وقتها على تأثيرات رفع العقوبات عن إيران، ثم تراجع إلى حدود 27 دولاراً للبرميل في فبراير، قبل أن يصعد إلى حدود 55 دولاراً في الوقت الحالي مع التحسن في أساسيات السوق، ويتوقع أن تواصل الأسعار ارتفاعها في 2017 مع دخول قرار الدول الأعضاء ضمن منظمة الدول المنتجة للنفط (أوبك) والدول المنتجة خارج الأوبك بخفض الإنتاج حيز التنفيذ مع بداية العام الجاري، وهو القرار الأول لخفض الإنتاج منذ عام 2008. وكانت أسعار النفط ارتفعت بنحو 13% بعدما أعلنت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) أول قرار لتخفيض إنتاجها منذ عام 2008، وذلك بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً، كما وافقت روسيا على خفض إنتاجها بنحو ثلاثمئة ألف برميل يومياً. واتفقت أوبك في اجتماعها بفيينا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على أن تخفض إنتاجها إلى نحو 32.5 مليون برميل يومياً بدءاً من اليوم، الأول من يناير/ كانون الثاني 2017 لمدة ستة أشهر. ومن المقرر عقد الاجتماع المقبل للمنظمة في 25 مايو/أيار 2017 لتمديد الاتفاق ستة أشهر أخرى. ووافقت روسيا - أكبر منتج للنفط خارج أوبك- على خفض إنتاجها بمقدار ثلاثمئة ألف برميل يومياً إذا سمحت قدراتها التقنية. وتحملت السعودية أكبر تخفيض داخل أوبك، إذ وافقت على تقليص إنتاجها بمقدار 486 ألف برميل يومياً.وسمحت المنظمة لإيران بالإنتاج عند سقف 3.8 مليون برميل يومياً تقريباً، وهو ما يعني أن بإمكان طهران زيادة إنتاجها نحو مئة ألف برميل يومياً فوق معدل أكتوبر/ تشرين الأول الماضي البالغ نحو 3.7 مليون برميل يومياً. وأعفت أوبك ليبيا ونيجيريا من التخفيضات، في حين طلبت إندونيسيا تعليق عضويتها في المنظمة حتى تتجنب التخفيض. ووافقت 11 دولة من منتجي النفط من خارج منظمة الدول المصدرة للنفط في اجتماعها الأخير في ديسمبر 2016 على خفض إنتاجها من النفط بمعدل 558 ألف برميل يومياً، وذلك اعتباراً من الأول من يناير/ كانون الثاني المقبل. وأشاع اتفاق خفض الإنتاج حالة من التفاؤل بين خبراء الاقتصاد حيث رفعت العديد من المؤسسات الدولية توقعاتها لأسعار النفط لعام 2017 إلى أكثر من 50 دولاراً للبرميل في المتوسط، وتتوقع وكالة معلومات الطاقة الأمريكية أن يصل متوسط سعر النفط إلى 52 دولاراً للبرميل في 2017، مقابل متوسط 43 دولاراً للبرميل في 2016. وقرر البنك الدولي رفع توقعاته لسعر برميل النفط من 53 دولاراً إلى 55 دولاراً للبرميل في 2017، وقال في تقرير أسعار السلع العالمي إن أسعار الطاقة بصفة عامة، بما يشمل النفط والغاز الطبيعي والفحم، سوف تقفز بنحو 25% على مدى 2017. ولفت جون بافيس كبير الاقتصاديين لدى البنك الدولي إلى أن الأمر يعتمد على تفاصيل اتفاقية خفض الإنتاج وآلية تنفيذها. ورفع بنك جولدمان ساكس توقعاته لمتوسط سعر خام برنت في الربع الثاني من 2017 من 55 دولاراً للبرميل في السابق إلى 57.5 دولار للبرميل. ومن جانبه توقع بنك أوف أمريكا ميريل لينش أن يصل سعر خام برنت إلى 69 دولاراً للبرميل بحلول يونيو 2017، قائلاً إن توقعاته هذه نتيجة إمكانية رفع الولايات المتحدة لإنتاجها من النفط بنحو 500 ألف برميل يومياً مع بداية العام المقبل، ما سيرفع إجمالي الإنتاج العالمي من البترول الخام إلى 9.2 مليون برميل في اليوم في نهاية 2017. وترجع توقعات البنك المرتفعة لسعر برميل برنت إلى تراجع الاستثمارات في قطاع النصف والغاز بنحو 300 مليار دولار أو ما يعادل 41% عن أعلى مستوياتها في 2014، ما يتوقع أن يؤثر سلباً في المعروض العالمي من البترول الخام، ما سيؤدي بحسب البنك إلى أكبر فجوة بين العرض والطلب تشهدها الأسواق العالمية منذ 5 سنوات. ورفعت وكالة الطاقة الدولية من جانبها توقعاتها للنمو في الطلب على النفط في 2017 إلى 1.3 مليون برميل إضافي في اليوم مع تغير معطيات الطلب على البترول من قبل الصين. تواصل مسلسل العقوبات على البنوك واجهت البنوك العالمية في 2016 المزيد من الغرامات المالية الضخمة، وعانى القطاع مخاوف إمكانية أن يواجه النظام المالي العالمي الزلزال الأعنف منذ ليمان براذرز في حال انهار العملاق المصرفي الألماني دويتشه بنك بعد أن فرضت عليه وزارة العدل الأمريكية غرامة تصل إلى 14 مليار دولار في سبتمبر/ أيلول 2016. وأعلن مركز دويتشه بنك يوم 23 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أنه تم التوصل إلى اتفاق من حيث المبدأ، حيث وافق على سداد غرامة للسلطات الأمريكية بقيمة 7.2 مليار دولار، بعد إعلان نتيجة تحقيقات في عملية طرح سندات عقارية كان البنك الألماني يتولى تنظيمها. كما أعلن بنك كريديه سويس التوصل إلى اتفاق مماثل حيث وافق على سداد غرامة بقيمة 5.28 مليار دولار لتسوية نزاعه مع السلطات الأمريكية حول السندات العقارية. ومن المقرر أن يسدد البنك السويسري 2.48 مليار دولار للسلطات للأمريكية، مع سداد 2.8 مليار دولار في شكل تعويضاتٍ للعملاء، وذلك على مدار السنوات الخمسة المقبلة. وأعلنت وزارة العدل الأمريكية أنها تقاضي بنك باركليز لاتهامه بالتورط في التلاعب بالسندات عقارية. وتخضع عدة بنوك عاملة في الولايات المتحدة لتحقيقاتٍ في مزاعمٍ تشير إلى إعطاء الرهون العقارية لمقترضين غير مؤهلين للسداد، ثم تصنيفها على أنها استثماراتٌ آمنةٌ، وبيعها لمستثمرين آخرين بحيث تنتقل المخاطرة إليهم. وأُجريت التعاملات محل التحقيق في الفترة بين 2005 و2007. وتطالب السلطات الأمريكية بنوكاً أخرى بسداد غرامات، من بينها مجموعة سيتي المصرفية التي أعلنت أن الغرامة المطلوبة منها خُفضت إلى سبعة مليارات دولار، من أصل 12 مليار دولار. وتوصل بنك غولدمان ساكس لتسوية بخصوص ممارسات مشابهة بقيمة 5.1 مليار دولار في يناير/كانون الثاني الماضي. من جهة أخرى غرمت السلطات التنظيمية في الاتحاد الأوروبي بنوك جيه بي مورجان واتش.اس.بي.سي وكريدي أجريكول مجتمعة مبلغ 520 مليون دولار، بزعم تواطئها للتلاعب في أسعار منتجات مالية مرتبطة بأسعار الفائدة. وفرض الاتحاد الأوروبي غرامة 337 مليون يورو على جي بي مورجان تشيس، و114 مليون يورو على كريدى أجريكول الفرنسي، و33 مليون يورو على إتش إس بي سي، ومقره لندن. البريكست..... هل يواجه اقتصاد بريطانيا الركود في 2017؟ تفاجأ العالم في 23 يونيو 2016 بالتصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي استبعدته استطلاعات الرأي حتى اللحظات الأخيرة السابقة للاستفتاء وشكل الخبر هزة موجعة للأسواق العالمية حيث تكبدت الأسواق الأوروبية والآسيوية خسائر كبيرة، كما تعرض الجنيه الإسترليني لهزة مع تراجعه إلى أدنى مستوى له في 31 عاماً، منذ عام 1985. وهبط مؤشر فايننشال تايمز 100 البريطاني أكثر من 8% فور إعلان نتيجة الاستفتاء، بما قلص القيمة السوقية للأسهم القيادية الكبرى في بريطانيا بأكثر من 100 مليار جنيه إسترليني (136.7 مليار دولار)، مسجلاً أكبر خسارة يومية بالنسبة المئوية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2008. وأعلن البنك المركزي البريطاني استعداده لضخ 250 مليار جنيه إسترليني (326 مليار يورو) من الأموال الإضافية لتأمين السيولة الكافية لعمل الأسواق، كما أكد البنك المركزي الأوروبي استعداده لضخ سيولة إضافية باليورو والعملات الأجنبية إذا اقتضت الضرورة ذلك. وبالنسبة لأسواق المال الآسيوية، تراجعت بورصة طوكيو بنحو 8% عند الإغلاق، كما خسر عملاقا تصنيع السيارات اليابانيّان تويوتا ونيسان، اللذان لديهما مقار في بريطانيا، أكثر من 8%، وتراجعت بورصة هونغ كونغ بأكثر من 5% في النصف الثاني من جلسة التداول، وكان مصرفا اتش اس بي سي وستاندرد تشارترد الأكثر تضرراً مع تراجع بأكثر من 10% و11% على التوالي، كما تراجعت بورصتا سيدني وسيول بأكثر من 3%، وشنغهاي بأكثر من 1%. ومن المنتظر أن يتضرر الاتحاد الأوروبي اقتصادياً وسياسياً مع رحيل دولة لم تكن فقط أقوى مناصر لاقتصاد السوق الحر، لكنها أيضاً تتمتع بعضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي وبجيش قوي، وسيخسر الاتحاد نحو سدس ناتجه الاقتصادي دفعة واحدة. وما من شك هناك في أن تأثيرات الخروج لن تكون أبداً بالسهلة بالنسبة لاقتصاد المملكة المتحدة خاصة أنه يأتي في وقت يمر فيه الاقتصاد بمرحلة صعبة مع تباطؤ النمو وارتفاع نسبة البطالة، وحذرت المؤسسات الكبرى مثل صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية قبل التصويت. وبحسب صندوق النقد الدولي، فالتصويت لمصلحة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيتسبب في تراجع الاقتصاد البريطاني بنسبة 5% بحلول 2019، مقارنة بالتصويت لمصلحة البقاء داخل الاتحاد. ويتوقع خبراء بنك باركليز أن اقتصاد بريطانيا على حافة الركود مع تقديرات تشير إلى تراجع النمو الاقتصادي بنحو 0.1% في 2016، وقالوا إن تراجع ثقة قطاعات الأعمال من شأنه أن يؤدي إلى خفض الإنفاق ليزيد الضغوطات على النمو، وهم يرجحون أن تتراجع الثقة بصورة أكبر في العامين المقبلين مع تنامي الشكوك حيال تبعات الخروج بمعالمه غير الواضحة. كما يرى خبراء البنك أن مستويات الإنفاق الاستهلاكي في بريطانيا ستتراجع بدورها وبحدة، وأن الإنفاق على شراء العقارات والسيارات سوف ينخفض إلى أدنى مستوياته منذ عامين. وقالت وكالة التصنيف الائتماني (ستاندرد آند بورز) إن التصنيف الائتماني البريطاني الممتاز (AAA) لم يعد يمكن الحفاظ عليه بعد أن قرر الناخبون الخروج من الاتحاد الأوروبي، وجردت وكالتا فيتش وموديز للتصنيف الائتماني بريطانيا بالفعل من تصنيفها (AAA) قبل فترة طويلة من بدء حملة الاستفتاء. وفي النهاية، سيكون لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، من منظور طويل الأجل، أثر سلبي في النمو الاقتصادي للبلاد حيث سيؤدي إلى انخفاض التجارة والاستثمار وكذا تدفق السياح من أوروبا. ويعتقد معهد بيترسون للدراسات الاقتصادية الدولية وهو مركز بحثي مقره واشنطن أن خروج بريطانيا سيكون حجر عثرة في طريق النمو الاقتصادي للاتحاد الأوروبي. مخاوف الحمائية أكبر المخاطر المحتملة من ترامب اعتباراً من نهاية يناير 2017 سيتولى ترامب منصبه رئيساً للولايات المتحدة، وبدعم من الكونجرس الجمهوري الموحد، سيكون مؤهلاً للقيام بتغييرات جذرية دائمة. وعلى الرغم من أن تأثير ترامب قصير الأجل على الاقتصاد ليس هو ما يدعو إلى القلق بالنسبة للأقليات في الولايات المتحدة، إلا إنه بدون شك سيكون صعباً ومكلفاً. بداية سيكون التركيز بالدرجة الأولى على ردة فعل الأسواق التي سيكون عليها في الأسابيع الثلاثة المقبلة أن تتوقع طبيعة التغييرات السياسية في الولايات المتحدة وتحتسب تبعاتها. الجدير بالذكر أن أسواق الأسهم العالمية تداركت سريعاً صدمة انتخاب ترامب بصورة فاقت كل التوقعات، حيث شهدت الأسواق تحركات متطرفة بعد صدور نتائج الانتخابات، فبعد ارتفاع أولي للين إلى 101.19 واليورو إلى أعلى مستوى له عند 1.1300 مقابل الدولار، وبيع أولي لأسواق الأسهم العالمية، أقبل المتداولون على المخاطر وانتعشت الأسواق والأسهم بقوة مع اقتراب الين من مستوى 107.00 مقابل الدولار. وكانت الأسواق المالية قد شهدت في البداية عزوفاً عن المخاطرة بعد أن اتجه المستثمرون للتخلص من الدولار والبيزو المكسيكي وشراء عملات تعتبر ملاذا آمنا مثل الين الياباني الذي قفز نحو أربعة بالمئة مسجلا أعلى مستوى في ستة أسابيع. وفتحت أسواق المال الأوروبية على انخفاض عقب فوز ترامب وهبط مؤشر ستوكس 600 الأوروبي 2.2 في المئة، بينما هبط مؤشر داكس الألماني بنسبة 2.9 في المئة. وارتفع سعر صرف اليورو مقابل الدولار الأمريكي بنسبة 0.6 في المئة عند سعر 1.1092 دولار مقابل اليورو. وفي اليابان انخفض مؤشر نيكاي 225 أكثر من 6.1 في المئة لفترة وجيزة في رد فعل مع المستثمرين على فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية. كما تراجعت العقود الآجلة لمؤشر داو بنسبة 3.5 في المئة أو 643 نقطة ليصل إلى 17647 نقطة، فضلاً عن تراجع العقود الآجلة لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 4.1 في المئة أو 86.50 نقطة مسجلاً 2049 نقطة. وحافظت الأسواق الروسية على مستوياتها مقاومة التراجع العالمي للأسواق المالية يوم الأربعاء وسجل مؤشر أر تي إس، الذي يهيمن عليه الدولار، تراجعا بنسبة 0.6 في المئة. واستقر تداول الروبل عند 63.91 مقابل الدولار، في حين سجل 71.55 أمام اليورو، على تراجع طفيف. وعلى صعيد الخزينة، انخفضت أسعار سندات الخزينة من فئة العشر سنوات والثلاثين سنة، لتدفع بالعوائد إلى أعلى مستوياتها في 10 شهور، مع بيع المستثمرين بكم هائل لأصول تنطوي على مخاطر ولجوئهم لملاذ السندات الآمن بعد انتخاب ترامب. وإضافة لذلك، أفاد ترامب خلال حملته بأنه سينفق أكثر على تطوير البنية التحتية الأمريكية، ما قد يرفع العجز في الميزانية الأمريكية وعرض سندات الخزينة. ويرى بعضهم أن سياسة ترامب قد تكون تحفيزية على المدى المتوسط، فعلى الرغم من أن ملامح خططه الاقتصادية لم تتضح بتفاصيلها الكاملة، إلا أن هناك بعض الأمور شبه المؤكدة ومن بينها إمكانية مبادرته إلى خفض الضرائب بحدة، الخفض الذي سيصب بدرجة أكبر في مصلحة الأغنياء، ما يعني أن تأثير خفض الضرائب في تحفيز مستوى الطلب لن يكون بالقدر المرجو. كما أن ترامب على الأرجح سيبادر في الوقت نفسه إلى زيادة الإنفاق على الدفاع والبنية التحتية، ما يعني ارتفاع الإنفاق والائتمان الحكومي كنسبة إلى إجمالي الناتج المحلي بعد تراجعهما بصورة لافتة في فترة حكم أوباما. من جهة من الممكن أن يواجه دور مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في حركة الاقتصاد تهديداً في المرحلة المقبلة، فترامب وجه الكثير من الانتقادات لخيارات المجلس وسياساته النقدية، وليس من المستبعد أن نرى تدخلاً من قبله على هذا المستوى فمجلس أقل استقلالية من شأنه أن يدعم فرص إعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية. من جهة أخرى ربما يواجه الاقتصاد الأمريكي أزمة أخرى في حال قرر ترامب إلغاء برنامج أوباما للرعاية الصحية، ما سيؤدي إلى فقدان ملايين المواطنين للتأمين الصحي ويعرض أمريكا لأزمة حقيقية في حال لم تطرح الحكومة برنامجاً بديلاً فعالاً. ومن المخاطر الأكثر إلحاحاً بحسب خبراء الاقتصاد هي تهديدات فرض الحمائية على حركة التجارة الأمريكية والتي ينتظر أن تتبعها ردود أفعال موازية عالمياً لتتراجع بذلك دورة النمو التي شهدتها حركة التجارة العالمية بفضل العولمة في العقدين الماضيين. الدولار القوي خطر محدق بالاقتصاد العالمي ارتفعت قيمة الدولار الأمريكي بقوة في 2016، ليتداول اليوم عند سعر أعلى بنحو 40% عن أدنى مستوياته في 2011 مقابل العديد من العملات الرئيسية في العالم. وشهد الدولار ارتفاعاً ملحوظاً خلال الأسابيع التي تلت انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، حيث يراهن المستثمرون على أن ترامب سوف يتبنى سياسات جديدة منها خفض الضرائب وزيادة الإنفاق العام. وزادت العملة الأمريكية قوة أمام عملات الأسواق الناشئة، مع تراجع اليوان الصيني إلى أدنى مستوى له أمام الدولار منذ 2008. وكذلك تراجعت قيمة الروبية الهندية إلى أدنى مستوياتها أمام الدولار الأمريكي، كما تراجعت عملات آسيوية أخرى إلى أدنى مستوياتها منذ الأزمة المالية الآسيوية 1997-1998. وترى الايكونوميست إن الدولار القوي يشكل تهديداً للاقتصاد العالمي واقتصاد الولايات المتحدة نفسها. فعلى الرغم من التراجع المستمر في القوة التجارية للولايات المتحدة، حيث قل عدد الدول التي تعتبر أمريكا أكبر سوق تصدير بالنسبة لها من 44 دولة عام 1994 إلى 32 دولة فقط خلال عقدين من الزمان، إلا إن الدولار مازال يعد العملة الرئيسية لتسوية التبادل التجاري ولحفظ القيمة عالمياً. وتشير أحدث التقديرات عام 2014 إلى أن الدولار يمثل المعاملات الخاصة بنحو 60% من سكان العالم ومن إجمالي الناتج المحلي له. كما نمت أنشطة التمويل بالدولار خارج الولايات المتحدة بقوة في السنوات الماضية، ووصل إجمالي هذا النوع من الدين إلى ما يزيد على 10 تريليونات دولار في نهاية 2015، بحسب تقييمات بنك التسويات الدولي. ومع ارتفاع الدولار من الطبيعي أن تزيد تكلفة تمويل هذا الدين، كما ستعكس دورة الاستدانة بالدولار في هذه الأسواق، ما سيخفض أسعار الأصول في هذه الدول ومن بين أكبر الخاسرين من قوة الدولار البرازيل وتشيلي وتركيا. وبالمثل هناك مخاوف من الدولار القوي على الولايات المتحدة نفسها، حيث سيقلص الطلب على المنتجات الأمريكية لمصلحة المنافسين ليؤدي ذلك إلى ارتفاع العجز التجاري، ما يهدد بتكرار حالة الحمائية التي نمت في عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريغان كنتيجة للارتفاع في مستوى العجز التجاري، خاصة في ظل تسييس العجز التجاري من جانب أطراف عدة بينهم ترامب نفسه الذي قال إن قوانين التجارة الدولية تصب في مصلحة دول أخرى. وذهب بعضهم إلى حد القول إن من شأن الدولار الأمريكي أن يجر العالم إلى أزمة اقتصادية جديدة وأن يهدد المستقبل السياسي لترامب مع تنامي مخاطر التضخم وتقليص فرص التعافي الاقتصادي في الولايات المتحدة، خاصة مع رفع أسعار الفائدة والذي من المتوقع أن يتبعه المزيد من الرفع في الفترة المقبلة. ويخشى الخبراء من إمكانية أن يفجر الدولار القوي فقاعة أسواق العقارات، حيث ارتفع العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات من 1.7% في يوم الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2016 إلى 2.3% يوم 3 ديسمبر الماضي. كما ارتفع متوسط سعر الفائدة على الرهونات العقارية في الولايات المتحدة نقطتين من 3.51% إلى 4.04% في الفترة نفسها.ومن الطبيعي أن يؤثر ارتفاع أسعار الفائدة سلباً في أنشطة الإنشاءات، كما سيشكل تهديداً بالنسبة لأسواق العقارات في الولايات المتحدة الذي بدأ مؤخراً الانتعاش. كما أن مدناً أمريكية عدة منها سياتل وسان فرانسيسكو تواجه بالفعل فقاعة عقارية، وفي حال واصلت أسعار الفائدة ارتفاعها سوف تنفجر الفقاعة مخلفة آثاراً كارثية، فلا يجب أن ننسى أن أزمة العقارات في الولايات المتحدة هي من جرت الاقتصاد العالمي إلى أزمة 2008. ويخشى كذلك من انفجار فقاعة العقار في أستراليا، والتي من الممكن أن تكون أسوأ حتى من انفجار فقاعة الولايات المتحدة، نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة. ومن شأن الدولار القوي أن يؤثر في تنافسية القطاع الصناعي في أمريكا، ووعود ترامب الانتخابية ركزت على خلق فرص العمل في هذا القطاع تحديداً، ما سيؤثر سلباً في موقفه لدى توليه الرئاسة، أي إن الدولار القوي سيشكل تهديداً حقيقياً لمصداقية الرئيس الأمريكي المنتخب في الفترة المقبلة. ويرى خبراء اقتصاد أن أسوأ السيناريوهات التي يمكن أن نتوقعها من الدولار القوي يتمثل في انهيار التجارة الدولية كما حدث في بداية ثلاثينات القرن الماضي، حيث لن تتمكن الدول من إتمام المعاملات التجارية مع الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن هذا السيناريو مستبعد اليوم، إلا أن إمكانية أن نشهد ركوداً اقتصادياً تبقى قائمة خاصة في الصين. استفتاء إيطاليا.. مخاوف من أزمة تنتشر عدواها في أوروبا واجهت أوروبا في نهاية هذا العام تحدياً جديداً تمثل في الاستفتاء حول الإصلاحات في أوروبا، وأجري الاستفتاء للتصويت على قرار تعديل الدستور الإيطالي الصادر عام 1948، ورأى مؤيدو الاستفتاء أن الهدف من هذه التعديلات هو تسهيل مهمة الحكم في إيطاليا، وانتعاش الاقتصاد الذي يمر بعدة أزمات منذ سنوات. فيما احتج معارضوها بأنها ستؤدي إلى خلل كبير في توازن السلطات. وخسر رينزي الاستفتاء بنسبة تقارب 60% من الناخبين الذين رفضوا هذه التعديلات، مقابل موافقة 40% فقط، وذلك برغم أن عدد المشاركين في الاستفتاء كان كبيرًا، وقارب نسبة 70% من المسموح لهم بالمشاركة، وأعلن رينزي استقالته إلا أنه وافق على طلب الرئيس بتأجيل تقديم الاستقالة، والبقاء في الحكم لحين الموافقة على الموازنة خلال الأيام القادمة. وتلقى سعر اليورو ضربة قوية مع الإعلان عن نتائج الاستفتاء الذي نظم في إيطاليا. وبلغ سعره أدنى مستوياته منذ آذار/مارس 2015. وساد نوع من القلق أسواق المال، خاصة في آسيا، بعد التصويت لكون إيطاليا تشكل القوة الاقتصادية الثالثة في منطقة اليورو. الجدير بالذكر أن الاقتصاد الإيطالي يواجه اليوم العديد من التحديات، بمعدل بطالة أعلى من 11%، ومع ضعف القطاع المصرفي، ووسط عدد من السياسات المالية المتخبطة التي أدت إلى وصول نسبة الدين العام بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 133%، لتصبح بذلك في المركز الثاني كأكثر الدول التي تعاني اقتصاديًا في منطقة اليورو بعد اليونان. وتحتاج البنوك الإيطالية إلى ضخ مبالغ كبيرة من الأموال من أجل انتعاش الاقتصاد مرة أخرى. ما أثار مخاوف من امتداد تداعيات الأزمة إلى مصارف أوروبية أخرى، خاصة المصارف الأوروبية المستثمرة في الديون الإيطالية، في ظل غموض الموقف حول خطة إنقاذ 8 مصارف إيطالية كبرى مهدّدة بالإفلاس. ويعد مصدر القلق الأكثر إلحاحاً هو احتمال وقوع أزمة مصرفية، وخطر انتشار العدوى في جميع أنحاء أوروبا، في حال غرقت بنوك إيطالية في الديون المعدومة. ويعتبر بنك مونتي دي باشي، هو الحلقة الأضعف، إذ يحتاج البنك الإيطالي الأقدم إلى خمسة مليارات يورو، بعد فشله في اختبار للصحة المالية في وقت سابق من هذا العام. ما أدى إلى انخفاض أسهمه بأكثر من 80% هذا العام.

مشاركة :