جَمَعَ البرنامج التلفزيوني «مُسلمون مثلنا» الذي انتهت القناة الثانية لـ «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) من عرضه أخيراً، عشرة مسلمين بريطانيين تحت سقف واحد ولفترة أسبوع في تجربة متعددة الغاية، إذ يفتح البرنامج في جانب منه نافذة جديدة للمشاهد البريطاني على عوالم وحيوات المسلمين الذين يعيشون في البلد، والذين أثرت الأحداث العنيفة العالمية في العقد الأخير والإرهاب المحلي في بريطانيا سلباً في صورتهم وسمعتهم. كما يبرز البرنامج التنوع بين المسلمين أنفسهم، ويتحدى بذلك الصور الإعلامية النمطية، التي تضعهم جميعهم في سلة واحدة، وتحاسبهم أحياناً على أفعال مسلمين آخرين لا تربطهم بهم رابطة، سوى الانتماء إلى الدين. اجتهد البرنامج البريطاني في العثور على شخصيات متنوعة تعكس الفسيفساء الاجتماعية والعرقية في مجتمع المسلمين في بريطانيا، فهناك في المجموعة رجال ونساء من أُصول آسيوية، والذين يمثلون السواد الأعظم من مسلمي بريطانيا، كما ضمت القائمة مسلمات منهن محجبات فيما اختارت الباقيات عدم ارتداء الحجاب. وهناك بريطاني اعتنق الدين الإسلامي قبل عشر سنوات، وسوري يعيش في بريطانيا منذ سنوات قليلة فقط، ليمثل اللاجئين الجدد إلى الجزيرة البريطانية، وما يحملونه من أفكار ورؤى خاصة حول البلد الذي لجأوا إليه هرباً من بلدانهم. يحدث التصادم سريعاً بين شخصيات البرنامج، ذلك أن «أبو حق» (المسلم الجديد في المجموعة وأكثرهم تشدداً في مواقفه) سيرفض الجلوس مع النساء على طاولة واحدة ويصر على عدم الاختلاط بزميلاته في البرنامج طوال زمن التجربة التلفزيونية. سيضيف «أبو الحق» بمواقفه المتصلبة وتفسيراته المتشددة للنصوص المقدسة الوقود على النقاشات الجدلية بين مسلمي المجموعة، وسيكون وراء معظم الشجارات والتصادمات، وسينضم إليه في الحلقة الثانية من البرنامج، مسلم من أُصول أفريقية، اشتكى من العنصرية المزدوجة التي يواجهها بسبب لون بشرته ودينه في بريطانيا، كما كشف أن الإهانات العنصرية الأكبر التي تلقاها كانت من مسلمين آسيويين، وبعد أن تزوج مسلمة من أُصول هؤلاء. يحظى كل فرد من المجموعة بحصته من الاهتمام التلفزيوني، فالنساء سينقلن هواجسهن ومعاناتهن من الأحكام المسبقة التي تصدر من المجتمع البريطاني ومن محيطهن المسلم على حد سواء. كما ستوضع قضايا الطوائف الإسلامية على طاولة النقاش، بخاصة بعد تطور النقاش الذي بدأ هادئاً بين «أبو الحق» وبريطانية آسيوية شيعية إلى زوبعة من الغضب، بعدما تبين أن «أبو الحق» يؤيد العمليات الإرهابية بحق الشيعة الباكستانيين في باكستان، وهو الأمر الذي أبكى البريطانية وجعلها تتربص بـ «أبو الحق» في كل الجدالات العامة اللاحقة. وسيفجر أحد المشاركين في التجربة التلفزيونية مفاجأة في بداية الحلقة الأولى عندما يعلن عن مثليته، وهذا سيفتح الأبواب لنقاشات حامية عن أحكام الدين في هذه القضية. وحده السوري مرَّ حضوره في البرنامج بلا أثر كبير، بل تضاربت مواقفه من يوم إلى آخر، فهو الوحيد الذي انضم إلى «أبو الحق»، عندما قرر هذا الأخير «الدعوة» إلى الإسلام في شوارع المدينة الإنكليزية الصغيرة، لكننا سنراه بعد يوم يرقص مع بعض المشتركين في البرنامج في أحد مقاهي المدينة، ثم يعلن ندمه في يوم آخر للمتشددين في المجموعة لأنه كان لطيفاً مع عضو من جماعة عنصرية إنكليزية قابله مصادفة في الشارع. اختار البرنامج أن يضع المشاركين في بيت تقليدي بمدينة إنكليزية صغيرة، وهذا سيُثير أسئلة عن الهوية البريطانية والانتماء بين المشتركين. كما فسّر البرنامج (من طريق نصوص صغيرة توضع على الشاشة) بعض المصطلحات في سياقات النقاشات الفقهية والفكرية. ولم يتهرب من الأسئلة الحرجة، وتخلى المشاركون فيه عن الكياسة الاجتماعية السائدة، وسموا الأشياء بأسمائها، وهذا سيقود إلى دقائق تلفزيونية شديدة الإثارة، فاسحاً المجال لهواء صحي في جدالات عن قضايا مُعقدة جداً.
مشاركة :