هذا ما حدث معي عندما تحدثت اللغة العربية في الولايات المتحدة

  • 1/1/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

"لا تتحدثي العربية هنا". كانت هذه هي النصيحة الأولى التي أتلقاها عندما عُدتُ إلى الولايات المتحدة الأميركية بعد قضاء عدة أعوام في الشرق الأوسط، وهي نصيحةٌ مازالت تتردد بداخل رأسي في كثيرٍ من الأحيان. لم تأتيني تلك النصيحة من أحد المارة الغاضبين محاولاً تقليد خطاب بعض السياسيين المشهورين. ولم أسمعها من نادل المقهى الذي اعتدتُ ارتياده. ولكنها أتتني من شخصٍ لغته الثانية هي اللغة العربية، وسأكون كاذبةً إن قلتُ لك إنَّ هذه الكلمات لم تجعلني أتردد بشأن حمل الروايات العربية وقراءتها في العلن. وسأكون كاذبةً أيضاً لو قلتُ لك إنَّ هذه النصيحة لم تجعلني أتلفَّت حولي لأرى ما إن كان هناك أي شخص ينظر لي بريبةٍ عندما أتحدث العربية جهاراً. ولكنِّي شعرتُ أيضاً أن هناك شخصٌ ما يحاول أن يحبس جزءاً من هويتي. شعرتُ أن الشخص الذي حذرني من التحدث باللغة العربية في أميركا كان يطلب مني خيانة لساني العربي، وكل من علمني التحدث بالعربية. أجد نفسي أحياناً أفكر وأقول: لا تتحدثي العربية هنا؟ هل وصلت الأمور إلى هذا الحد؟ حلَّت الذكرى الرابعة الذي أقرَّته منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة في 18 ديسمبر/كانون الأول هذا العام. وفي صباح يوم 21 ديسمبر/كانون الأول، سجَّل نجم موقع "يوتيوب"، آدم صالح، ، وذلك بسبب تحدثه باللغة العربية على متن الطائرة قبل إقلاعها. ورغم أن بعض الأشخاص سرعان ما وصفوا المقطع بالخدعة، وهو الشيء المعروف عن المقاطع التي ينشرها صالح على قناته، إلا أنه لا يمكن تجاهل حقيقة حدوث مثل هذه الحوادث. فمبكراً هذا العام، في شهر إبريل/نيسان، رافق أفراد الأمنة، بعد أن اشتكت إحدى النساء على متن الطائرة بسبب شعورها بالقلق تجاهه بعد سماعه يتحدث العربية على هاتفه. وفي مارس/آذار 2015، تلقت مدرسة "باين بوش" الثانوية انتقاداتٍ عديدة، واضطرت لنشر اعتذار، بعد تلاوة أحد طلابها للقَسَم باللغة العربية، خلال الاحتفال بالأسبوع القومي للغات الأجنبية. وعام 2009، استجوبت السلطات الأميركية طالباً بعد القبض عليه في إحدى المطارات وهو يحمل بطاقاتٍ تعليمية مكتوبٌ عليها باللغة العربية، وذلك لأنه، بحسب ما قيل له: "العربية هي لغة أسامة بن لادن". هل هذا هو السبب الذي يجعل اللغة العربية، لغتي ولغة الملايين حول العالم، تُخِيف الكثير من الناس؟ يُرجِع العديد من الأشخاص الارتفاع الأخير في عدد حوادث التمييز وجرائم الكراهية ضد العرب والمسلمين إلى "أميركا ترامب" على وجه التحديد. ولكن، بوجود منظماتٍ عديدة منذ ثمانينات القرن الماضي، كمنظمة (الإنجليزية أولاً)، التي تضغط من أجل أن تصبح اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية للولايات المتحدة الأميركية، ومن أجل خفض تكاليف الرعاية الصحية من خلال استخدام الإنجليزية فقط وحذف البنود الخاصة بتوفير المترجمين لمن لا يتحدثون الإنجليزية، فإنه من الواضح أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب ليس هو السبب الأصلي للمشكلة. ولكنه ببساطة جزءٌ من المعادلة التي مهدت الطريق لعودة هذا التمييز الفظ والمرعب إلى الظهور مرةً أخرى. في إحدى الليالي منذ عدة أشهر، كنتُ أسير أنا وأخي في وسط مدينة نيو أورليانز، وكنا نتحدث العربية أثناء سيرنا. وكانت هناك مجموعة من النساء يسرن خلفنا، ويحملن بعض المشروبات. بدا عليهن أنهن يقضين وقتاً ممتعاً. كن يضحكن ويتحدثن بصوتٍ مرتفع، ثم نادت إحداهن علينا أنا وأخي، وقالت لنا: "ما هذه اللغة التي تتحدثونها؟"، فالتفتنا أنا وأخي، وقلنا: "العربية". استمرت المرأة في أسئلتها قائلةً: "وماذا تقولون؟". كنتُ أقول لأخي حينها إنَّه يبدو أن السماء ستمطر، فأخبرتها ما كنت أقول، لترد عليّ قائلةً: "تحدثي الإنجليزية يا فتاة، تحدثي الإنجليزية"، ثم تركتنا ورحلت هي وصديقاتها. الغريب في الأمر، وربما المفهوم أيضاً، أن سؤالها "ماذا تقولون" هو سؤالٌ وددت لو أن الناس الذين يخافون اللغة العربية، ويرونها لغةً للإرهاب، كانوا يسألونه أكثر. فإن سألوني، سأتحدث عن جمال اللغة العربية. وسأذكر المرات العديدة التي بحثتُ فيها عن مقابل كلمة "سلامتك" باللغة الإنجليزية، لأرد به عندما يخبرني أحد الأشخاص الذين لا يتحدثون العربية أنه مريض، أو المرات التي بحثت فيها عن كلماتٍ باللغة الإنجليزية تحمل نفس معنى "يعطيك العافية"، لأقولها لسائق الترام، الذي أركبه عادةً، حينما أصل إلى وجهتي ويتوقف لأترجل من الترام. بالطبع كلمة "سلامتك" تعني بالإنجليزية "May God give you peace"، وجملة "يعطيك العافية" تعني بالإنجليزية "May God give you wellness"، ولكن الصدق الذي تحمله الكلمات حين تُقال باللغة العربية يضيع في الترجمة. وددت لو كان بإمكاني أن أُحَيِّي الناس وأودعهم بإحدى أجمل التحيات في اللغة العربية: "السلام عليكم". في عام 2015 فقط، حصل أكثر منعلى إقامةٍ قانونيةٍ دائمة في الولايات المتحدة الأميركية. وهذا يشير فقط إلى حقيقة أن عدداً أكبر من الناس يأتون إلى أميركا ويستقرون فيها، أناسٌ يتحدثون لغاتٍ مختلفة، منها العربية. وليس من حق أي شخص أن يطلب من الآخر ترك لغته في موطنه قبل المجيء إلى أميركا دون مخالفة تعديلات الدستور وقوانين الحقوق المدنية، والتي يقتبس نصوصها الكثيرون، ولكن قليلون من يعملون بها. كتبت صديقتي منار محمد، الفلسطينية - الأميركية، اليوم الثلاثاء، 27 ديسمبر/كانون الأول 2016، على حسابها على إحدى الشبكات الإجتماعية: "التحدث بلغةٍ مختلفة كان سابقاً يُعَد مهارةً مبهرةً وفريدة. أتذكر أنني كوَّنتُ بعض الصداقات في المدرسة الابتدائية بسبب اهتمام أصدقائي بكيفية كتابة أسمائهم باللغة العربية. والآن، أُبهَت عندما أفكر أن الناس أصبحوا يرون متحدثي العربية كأناسٍ آخرين مختلفين عنهم بسبب هذه المهارة والسمة الفريدة التي يمتلكونها". هذا ما كانت تعنيه أميركا بالنسبة للأشخاص مثل منار ومثلي. كنا نشعر بالسعادة ونحن نخبر أصدقائنا الأميركيين عن البلاد التي أتينا منها، وعن لغتنا التي نتحدثها. وكنا نُريهم كيف تُكتَب أسماؤهم باللغة العربية. لن أتردد بشأن وضع اللغة العربية في قسم المهارات التي أتقنها في سيرتي الذاتية. وسأظل أتحدث العربية، وأدعو أي شخصٍ يشعر بالانزعاج من ذلك أن يسألني: "ماذا تقولين؟"، وسأكون ممتنةً بشدة للإجابة على سؤاله. - هذا الموضوع مترجم عن النسخة الأميركية لهافينغتون بوست. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط . ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :