إن وظيفة كتابة الشعر عند الدكتور الشاعر والناقد علاء عبد الهادي، ذات أبعاد فلسفية فكرية، فالأثر الأدبي لديه يأخذ شكل أطروحات يمكن ترجمتها بطريقة إبداعية من خلال عملية القبض على اللحظة الشعرية ويتجسدها من خلال منتجها الشعري، اي كما يقول باختين: «إن المنتج الادبي لا يحمل طابعا جماليا فقط بل طابع معرفي»، فـربما «قيل من الشعر لحكمة»، وقد ارتبط الأدب والفن بكثير من القضايا الإنسانية والاجتماعية والسياسية على اعتبار ان الأدب والفن إنتاج فكري إنساني خالص، فالأديب أوالفنان واحد من الناس. يقول الشاعر علاء عبد الهادي في احد نصوصه: البَابُ يَدُقُّ/ فَمَنْ سَيَفْتَحُ سَاعَتَهُ لِلْفَرَاغ!/ فِي وَهَنِ الهَوَاءِ.../ سَتُسَلِّمُ الحُجْرَةُ حِيطَانَهَا لِضُيُوفٍ.../ يَتْرُكُونَ عَلَيْهَا.../ ظِلالاً/ حَمِيمَة./ الغَبُوقُ/ الأَرْنَبُ.../ حَيَوَانٌ خَائِفٌ. بدراما شعرية يحاول من خلالها الشاعر إيصال الحدث كاملا للمتلقي، الذي ينتهي اليه الخطاب، على اعتبار انه الشريك الثاني في العمل، كما ان آليات كتابة النص عند عبد الهادي حداثوية يعتمد فيها بناء صورة متعددة في تسلسل، وهذا اللون كان سائدا عند جيل شعراء الثمانينات قبل هيمنة قصيدة النثر كمشروع شعري لا يخضع لبنية في كتابته، وقد أغنى الدكتور الموضوع وكوّن لدينا فكرة عن حالة ترجمها شعراء، ففي تعبيره «فَمَنْ سَيَفْتَحُ سَاعَتَهُ لِلْفَرَاغ والأرنب حيوان خائف» هناك تصورات للفضاء الخارجي على شكل إطار إبداعي فيه مفاهيم معرفية: الحُرِّيَّةُ... حَيَوَانٌ... أَيْضَاً./ الأَرْنَبُ سَأَلَتْ صَاحِبَهَا،/ أسَمِعَ الذّئْبَ فَخَاف؟/ أمْ خَافَ فَسَمِِعَ الذّئْب؟/ الأرنَبُ ذَهَبَتْ!/ تَشرَبُ... وَكَأنَّ النَّهرَ... صَدِيقٌ!/ لمْ تَعْلَمْ هَذِي الأرْنَبُ/ أنَّ الحُرِّيَّةَ تَشْرَبُ أيْضَاً!/ «الغَيْدَاقُ». تحيلنا الدلالة في هذا الجزء من النص الى البعد الفكري والإفصاح عن أيدلوجيا فالشعر عملية تحول من خاصية يعيشه المبدع الى خطاب مفتوح وجهة للذائقة العامة، مستخدم كلمات متشابكة يسوق من خلالها فكرة نضجت عنده فتجرعها شعرا، وكان اهتمامه ان يضع علاقة بين نصه والقارئ المعني بالخطاب، فعمد الى الانزياح وتعدد الصور ليكون هناك تفاعل أكثر بطريقة «ترميزية» ولكي يترك للمتلقي فرصة التأمل والاشتباك مع النص لفك شفرته وفهم سؤاله، ففي كل مادة أدبية سؤال كما قال الكاتب الكبير نجيب محفوظ: «ان لم يكن لديك سؤال فلا تكتب» الغُدْوَةُ البَشَرُ يَقْفِِلُونَ العُيُونَ الجَائِعَةَ كَي تَنَامَ، وَحِينَ يَنْهَضُونَ... يَمْنَحُونَ الليْلَ فَرِيسَةً سََهْلَةً للضِّيَاءِ الخَبِيث. أمَّا أنَا فَلَمْ أََزَلْ... أمْسَحُ شُرْفَتِي، فِي كُلِّ صُبْحٍ، مِنْ بُقْعَةِ الضَّوْءِ... في صورة شعرية يطرح الشاعر نصه ومن خلال مخزون أفكاره وتصوراته، تحدد اتجاه تجربة الحياتية، إنها رؤية فنية حيث يمسح بُقْعَة الضَّوْء، والدلالة هنا انه يجد نفسه في مفارقة، فهو يمسح شيئا لا يمكن مسحه، انها استعارات إبداعية تلك التي قال عنها مليا كرانسو: «ان الشعر الحديث لا يعتمد على الاستعارات السهلة بل على صناعة الخيال الشاق».
مشاركة :