كنت سأكتب في هذه المقالة عن أهم الأحداث التي وسمت سنة 2016 على الساحة الدولية، والسيناريوهات المستقبلية في النظام الدولي الجديد، لكن وأنا أهم بالكتابة فإذا بصور مفزعة ومبكية رأيتها في قناة «أورونيوز» الإخبارية عن المهاجرين جعلتني أغير مسار قلمي. نقلت لنا القناة صوراً لسنة 2016 عن المهاجرين السوريين وغيرهم من العالقين على الحدود في الدول الأوروبية وفي محطات القطارات، أو أولئك القابعين في مخيمات لا إنسانية.. لا أظن من رأى تلك الصور أنه يستطيع إخفاء مشاعره تحت جلده وأن لا تدفق من عينيه الدموع.. نساء وأطفال ورضع وعجزة وشباب ومرضى وآخرون.. يأخذون طرق الهجرة في ظروف صعبة قد يصلون إلى مبتغاهم وقد لا يصلون.. إذا استمعت لأحد منهم ستجد نفسك أمام سيل من الدموع، ودفق من الحسرة والأسى، وحبائل مقطوعة من الوصال والهجر، ونزف جراح من الحروب المستمرة.. لماذا؟ لأتفه الأسباب ولمصالح لها علاقة بكراسي الرئاسة الفانية! وصلتنا طيلة سنة 2016 يومياً صور لا سابق لها منذ الحرب العالمية الثانية، وهي صور معبرة عن معاناة اللاجئين والمهاجرين في دول أوروبية وغير أوروبية، شكلت عناوين نشرات الأخبار على مدار العام 2016، خصوصاً في مخيم إيدوميني عند الحدود اليونانية المجرية، حيث تعرض المهاجرون لصنوف من المعاناة، وكذلك غرق الآلاف منهم، وانتشال جثثهم من عرض البحر خلال رحلات اللجوء بحثاً عن حياة آمنة، وفراراً من جحيم الحروب الأهلية والفقر. تقول تقارير المفوضية العليا للاجئين في الأمم المتحدة، إن عدد المهاجرين الذين ماتوا غرقاً خلال محاولتهم عبور البحر المتوسط في عام 2016 وصل إلى 3800 شخص، وهو رقم قياسي مقارنة بالعام الماضي الذي سجل 3771 قتيلاً. وكانت أخطر الطرق هي التي بين ليبيا وإيطاليا حيث سجلت الأمم المتحدة مقتل شخص واحد مقابل كل 47 وصلوا إلى شواطئنا هذا العام. السؤال الذي أتوقع أن يطرحه أي إنسان له مشاعر: أين هي المنظومة الدولية؟ أين هي الأمم المتحدة التي ما أنشئت إلا لتثبيت الأمن والاستقرار في العالم؟ وهذا سؤال منطقي.. والجواب عنه صعب لأننا نعيش أزمة حقيقية داخل المنظومة الدولية، والدول العظمى المسيرة لها تمارس نفاقاً لا متناهياً وتبتغي مصالح استراتيجية وضيقة وأنانية بل ولا إنسانية، فهي لا تهمها أن تمحي مدن بأكملها من الخريطة الجغرافية، بل وأن تتقسم دول ويتشرد أهلها، فلو شاءت أن لا يصل بشار الأسد بشعبه إلى هذه الحالة لمنعته منذ سنوات ولما تفاقمت الأوضاع. أتذكر أنه في حرب يوغوسلافيا في تسعينيات القرن الماضي، تم إيقاف الحرب بعد تدخل حلف «الناتو» في 48 ساعة. لنقل الحقيقة من دون استعارة وبدون أية تورية: الإنسان الآخر خاصة إذا كان مسلماً لم يعد يهم عند القوى العظمى في النظام الدولي الجديد، لذا فالمنطقة العربية تعيش على وقع محاولات تغيير الأنظمة وتقسيم الدول، كما هو الشأن في سوريا والعراق وليبيا مع ما يواكب ذلك من قتل وتشريد وتهجير لأبناء الوطن العربي.. فها نحن نرى شريطاً مستمراً من القتل والتدمير تصيب دولا عربية كثيرة، فالعراق في شبه حرب طائفية وقومية قد تذهب به إلى تقسيم سريع محكم البنيان، ومجهز من الخارج والداخل لتقويض دعائم بلد يعج بالخيرات الطبيعية، كما أن التقسيم في ليبيا مسألة مريرة قد تصل إليها الأمور في ثلاثية جغرافية يتصارع عليها جميع الفاعلين إن لن تُتَدارك الأوضاع سريعاً، أما سوريا التي هجر منها ملايين البشر وشرد أهلها وقتلوا وأصبحت قبلة للمتدخلين من الدول والمنظمات والجماعات الإرهابية والقوى الدولية، فلن تعود موحدة البتة. آخر الكلام: وأنا أكتب هذه المقالة جاءتني دعوة هاتفية من رئيس الجامعة الأورومتوسطية الدكتور مصطفى بوسمينة، وهو أحد كبار علماء الفيزياء في العالم الذين يفتخر بهم الوطن العربي، لحضور أمسية نظمتها جامعته، ساعات قبل نهاية سنة 2016 للمشاركة في وجبة عشاء وتوزيع المؤن والملابس وبعض المال على مآت المهاجرين الأفارقة الذين أتوا بطريقة غير شرعية إلى المغرب ووجدوا في هذا البلد خيراً واستقراراً. لو رأيت كيف أدخلت الأمسية الابتسامة قلوبهم، وهم يأكلون ويرقصون على نغمات الطرب الأندلسي الأصيل، لذرفت عيناك من الدمع. فهم أناس مثلنا، لهم قلوب يفقهون بها ولهم أحاسيس ومشاعر إنسانية مثل الأحاسيس التي عندي وعندك، إلا أن الأقدار وضعتهم في ظروف ليست هي من قبيل ظرفي وظرفك، ولله الأمر من قبل ومن بعد. *أكاديمي مغربي
مشاركة :