تحاليل مخبرية تثبت استعمال السارين المركّب في حلب

  • 4/2/2014
  • 00:00
  • 18
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - دولي أجمعت شهادات الضحايا والجيران ورواية الطبيب، وأعراض الجرحى على واقعة القصف بغاز السارين السام ليلة 13- 14 نيسان (أبريل) 2013 في حلب، وإصابة ياسر يونس، العامل الميكانيكي (27 سنة) بالقصف ووفاة زوجته وطفليهما، يحيى (5 اشهر) وصادق (18 شهراً)، لكن تشخيص السارين المخبري كان ينقص الملف. وغداة القصف حمل مراسل صحيفة «ليبراسيون» اليومية الفرنسية معه حجارة من منطقة القصف الى باريس، وأودعها، في 4 ايار (مايو) 2013، مختبر الادارة العامة للجيوش (الفرنسية) في مدينة بوشيه في محافظة الإيسون الذي تولى تحليلها الكيماوي. وشخّصت التحاليل الكيماوية بما لا يقبل الشك «توقيع» غاز السارين، وحصلت على نتاج ترسبه، وهو حامض إيزوبروبيل ميتيلفوسفونِك، وعلى عَكَر يشوب مركبه هو ديزوبروبيل ميتيلفوسفونات. ورصدت التحاليل كذلك نتاج ترسب عضويات فوسفورية، السارين جزء منها. وتقضي قواعد الإجراء بتحليل المادة مرتين، بواسطة تقنيتين، وقال مصدر فرنسي قريب من الملف إن تركيز العناصر المتفرقة التي تدخل في المركب كثيف، وأن العيِّنة هي القرينة الوحيدة على واقعة قصف حلب. وأصاب القصف منزل ياسر يونس في الحي الكردي، الشيخ مقصود، بحلب في 14 نيسان، الساعة الثالثة فجراً، وأغفلته لوائح القصف الكيماوي التي نشرتها الأمم المتحدة في كانون الاول (ديسمبر) 2013. ويلاحظ التقرير ان الولايات المتحدة أشارت الى الحادثة، لكن تحقيقاً أُجري انطلاقاً من «بلد مجاور» (تركيا) لم يؤدِّ الى إثبات استعمال عوامل كيماوية. ويشرح أحد اختصاصيي اسلحة الدمار الشامل الحال قائلاً: المحققون الأميركيون سألوا مَنْ لم يقتلوا في القصف، وتحروا رأي الاطباء، وقرأوا التقارير الطبية. لكن الشهادات لم تحمل إيك سيلستروم، رئيس بعثة تحقيق الأمم المتحدة، على إدراج الحادثة في لائحته، فهو اشترط فحص المفتشين عيّنات من المواضع أو الضحايا. ووحدها هذه العيّنات تكفل الإحاطة بمصدر القصف من غير شبهة تلاعب. لكن خبراء الأمم المتحدة لم يحصلوا على إذن من دمشق بزيارة حلب والقيام بالتحقيق فيها، ونفى المسؤولون علمهم بحصول قصف هناك. أما الطبيب السوري حسن الكوى فلم يكف عن القول إن قصفاً بالسلاح الكيماوي أصاب حي الشيخ مقصود صباح 14 نيسان. والطبيب كان مدير مستشفى عفرين، في كردستان سورية، حين استقبل مستشفاه الخامسة فجراً من ذلك اليوم، الضحايا الأوائل. فرأى، وصوَّر بواسطة جهازه، حدقة الضحايا الثابتة والضيقة، وانتفاضهم، والزبد الأبيض السائل من الأفواه والأنوف. وشاهد بعض الممرضين يُغمى عليهم بعد معالجتهم المصابين. ولاحظ ان الحقن بمادة الاتروبين، وهي مضاد للسارين، وأقنعة الأوكسيجين، سمحت بإنقاذ 17 مصاباً، لكن تجهيز المستشفى كان قاصراً عن تحليل عينات الدم والبول التي جمعها. وفي أيار 2013، حاولت «ليبراسيون» اجراء تحاليل على 6000 غرام من الحجارة جُمعت من منزل ياسر يونس. وكان عامل الميكانيك الحلبي أخذها، بعد أيام قليلة على القصف، من سطح المنزل ودرجه، ووضعها في كيس ورشة ليتخلص منها. هذه الحجارة هي آخر مخلفات القصف، تلك الليلة التي انتشر فيها دخان ابيض وخانق بعد الانفجار مباشرة، وجعل الهواء «جافاً وقاطعاً كالسكين». وخشي ياسر عدوى الآثار المتخلفة عن القصف، فغسل الحوش أمام المنزل وغرف الطبقة الأرضية بالماء. وغريزته كانت سديدة، فالسارين يتبدد ويفقد مفعوله السام والقاتل حين يُغسل الموقع الذي انفجر السلاح فيه. ونُقِلت العينات الى باريس في كيس من البلاستيك، وعُرضت على 15 من المختبرات المستقلة، الخاصة أو الجامعية. فرفض معظم المسؤولين عنها فحصها لافتقار مختبراتهم الى التجهيزات الآمنة الضرورية، وتذرّع بعضهم بأن المسألة «سياسية خالصة»، وأبدى آخرون اهتماماً. وعزم أحدهم على جمع فريق يتولى الفحص، ويعدّ لإجراءٍ تحليلي مناسب، لكنه اضطر الى التخلي عن العمل بعد ان رفض مسؤول المختبر الاستشفائي والجامعي الذي يعمل فيه رعاية الإجراء. وفي سويسرا، تعهد المركز الجامعي للطب الشرعي في لوزان تولي العمل، لكنه رهن الإنجاز بالحصول على أجهزة ومواد لا يملكها، وهذا يرجئ تحديد النتائج أسابيع كثيرة. وعلى رغم هذه الشروط والمعوقات بدأ المختبر العمل. واقترح على وزارة الدفاع (الفرنسية) ان تتولى فحص العينات، من ناحيتها وعلى حدة من المرفق السويسري. ومركز بوشيه يعمل بإشراف الوزارة، ووحده تقر منظمة حظر الاسلحة الكيماوية بأهليته وجدارته. لكن مسؤولة في المركز رفضت توليه المهمة. ويعلل الاستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس، جان – بيار فيليو، تنصل معظم المختبرات من فحص العينات السورية بتصديق «الخط الأحمر» الذي رسمه اوباما في آب (اغسطس) 2012 حين قال ان استعمال بشار الأسد السلاح الكيماوي يستدعي رداً غربياً عسكرياً، فلم يشأ أحد أن يكون البادئ باستدراج الرد الأكيد. وكانت اجهزة الاستخبارات الغربية على علم بأن النظام السوري استعمل اسلحة كيماوية، قبل أشهر من آب، في قصفه بلدة البياضة بمحافظة حمص في كانون الأول (ديسمبر) 2012 وفي شباط (فبراير) 2013. والاستخبارات البريطانية كانت تملك أدلة موثّقة على الاستعمال. وفي فرنسا، شكك عدد من الضباط بحقيقة هذا الاستعمال. فهم رأوا ان قصفاً بهذا السلاح لا ينفع إلا إذا كان على نطاق واسع، ومثاله قصف صدام حسين أكراد حلبجة في 1988، فلا معنى لـ «تجديد» الاسد أو «بدعته» ، والاقتصار على عمل عسكري محظور في مقابل عدد قليل من الضحايا. ولم تلبث أشرطة صور الضحايا المختنقين بعد القصف ان عرضت على الشبكة العنكبوتية. وفي 18 أيار 2013، عاد صحافيان من «لوموند» بعيّنات ملوثة من ضاحية دمشق، وقبلت وزارة الخارجية الفرنسية فحصها. وفي 5 حزيران (يونيو) طرق درّاج من وزارة الدفاع باب «ليبراسيون»، وتسلّم العينات وأخذها الى المختبر. وعشية ذلك اليوم، اعلن لوران فابيوس، وزير الخارجية، ان لدى فرنسا ادلة قاطعة على استعمال السلاح المحظور. ومستند الوزير هو عيّنات صحافيي «لوموند»، وأخرى جمعتها الاستخبارات الفرنسية من موضع قصفه الجيش النظامي السوري في سراقب، بمحافظة ادلب، في 29 نيسان 2013. وفي القصفين، اظهر الفحص استعمال السارين من غير لبس. وثبت انتهاك النظام «الخط الأحمر» الذي رسمه أوباما، ولم يعاقب المنتهك بالرد الأكيد الموعود. وقصف الغوطة في 21 آب لم يغير شيئاً، على رغم انه لم يقتصر على الصفة التكتيكية الجزئية وأوقع مئات من الضحايا (بين 281 و1400). وعرقل مجلس العموم (البرلمان) البريطاني الذي اقترع ضد الخيار العسكري خطة الرد على استخدام قوات الأسد السلاح الكيماوي. وعمد اوباما الى الإرجاء، واشترط موافقة الكونغرس. فبادر الروس الى اقتراح خطة مفاجئة نصّت على تدمير المخزون الكيماوي السوري ومراقبة الوكالة الدولية عملية التدمير. وقَبِل الأسد بالخطة، وخرج منتصراً من الامتحان. ولم تنقص الأدلة على تورط نظامه اجهزة الاستخبارات الغربية. ففي 2 ايلول (سبتمبر) 2013 نشرت المديرية العامة (الفرنسية) للأمن الخارجي وثائق تثبت ان في مستطاع النظام وحده القيام بقصف على هذا المقدار من القوة. وفي 13 من الشهر ذاته، وجّه بان كي مون الى الرئيس السوري تهمة ارتكاب «جرائم في حق الانسانية». وذكّرت دوائر أممية بقصف مدفعية الجيش المناطق الموبوءة لـ «غسل» آثار السلاح الكيماوي. وأظهر تحليل السارين من عيّنات منزل ياسر يونس ان المركب المستعمل في القصف جمع عاملين كيماويين مختلفين ومزجهما. وهذا المزيج لا يمكن إعداده في مطبخ منزل، كما يقول احد الخبراء، ساخراً، بل يفترض مختبراً دقيق التجهيز لا يملكه غير الجيش النظامي في سورية. ويحسِب جيران ياسر يونس في حلب ان القصف بالكيماوي هو جزاء انحياز الحي الكردي الى المعارضة المسلحة. والقذيفة التي اصابت منزل ياسر هي من الصنف الذي قصفت به قوات النظام مدينة سراقب من طائرات هليكوبتر، بعد 15 يوماً على قصفها حي الشيخ مقصود.     * مراسل الصحيفة في حلب، عن «ليبراسيون» الفرنسية، 27/3/2014، إعداد منال نحاس

مشاركة :