تحرك الأزهر باتجاه الأزمة في بورما يرجع إلى عقيدة راسخة تشدد على أن تعرض أي شخص للإيذاء والقتل والتشريد يمثل مساسا بالإنسانية كلها. العربأحمد جمال [نُشرفي2017/01/04، العدد: 10502، ص(13)] لا أمل إلا في العيش المشترك، والبوذية مطالبة بإظهار عمقها التسامحي القاهرة – فتح مجلس حكماء المسلمين الباب أمام مؤسسة الأزهر للقيام بأدوار عالمية لنشر السلم ومواجهة التطرف في العديد من البؤر الملتهبة في العالم، وأطلق المجلس بالقاهرة، أولى جلسات الحوار بين الأطراف المعنية بالصراع في ميانمار (بورما) بمشاركة شيخ الأزهر أحمد الطيب وعدد من شباب المجتمع البورمي من جميع الديانات (البوذية والإسلامية والمسيحية والهندوسية). وتهدف الجولة الأولى من الحوار إلى التباحث مع الشباب حول الوقوف على أسباب الخلاف في ميانمار، ومحاولة وضع حلول جذريَّة لإنهائه وترسيخ أسس المواطنة والعيش المشترك بين المواطنين، في وقت تعاني فيه أقلية “الروهينغا” المسلمة والتي تمثل حوالي 10 بالمئة من سكان المدينة الواقعة جنوب شرقي آسيا، مشكلات عرقية وطائفية كبيرة. ولفت الطيب إلى استعداد الأزهر ومجلس حكماء المسلمين التام لدعم السلام في ميانمار، بغض النظر عن الأعراق والأديان، معربا عن تقديره للدور البناء للحكومة الجديدة في دعم السلام والاستقرار، وعلى رأسها أونج سان سو تشي الحاصلة على نوبل للسلام. وأضاف في كلمته الافتتاحية للمؤتمر، أن مهمة إحياء السلام في المجتمع لم تعد ترفا أو خيارا ممكنا، بل هي أشبه بطوق النجاة الآن، وأنه لا توجد فتنة على الناس أكثر جرما من القتل باسم الدين. وبدت استراتيجية مجلس الحكماء في التعامل مع المشكلات العرقية والطائفية واضحة من خلال كلمات شيخ الأزهر، الذي ركز على المشتركات بين الأديان المختلفة، مشددا على أن الأزمة في ميانمار تفقد كل مبررات بواعثها الدينية والإنسانية والحضارية، كما عول على الحوار مع شباب المجتمع البورمي بكل طوائفه، باعتباره أفضل السبل لبدء التطبيق الحاسم لمبدأ المواطنة الكاملة والمساواة بين الشعب الواحد. وفيما قال شوى وين، ممثل الوفد البوذي بدولة ميانمار، إن جميع مؤسسي الأديان نشروا رسالة السلام والتسامح وهو ما نسعى إلى نشره بين جميع الطوائف، وإن البوذية تهتم بالناس في الأرض ومن مبادئها تجنب قتل أي شخص، إلا أن هناك مشكلات عديدة تتعلق بتنفيذ تلك المبادئ على أرض الواقع. ميانمار دولة متعددة الأديان ونضمن حقوق حرية ممارسة الأديان، وعلى الرغم من أن البوذية تمثل دين الأغلبية، إلا أنها لا تمثل الديانة الرسمية ودافع مينت لوين، سفير جمهورية اتحاد ميانمار في القاهرة عن بلاده قائلا، إن “ميانمار دولة متعددة الأديان ونضمن حقوق حرية ممارسة الأديان، وعلى الرغم من أن البوذية تمثل دين الأغلبية، إلا أنها لا تمثل الديانة الرسمية”. وجاء حوار مجلس الحكماء بعد أسبوع من عقد نشطاء الروهينغا في كل أنحاء أوروبا مؤتمرا موسعا شددوا خلاله على رغبتهم في العيش بسلام مع الغالبية البوذية مواطنين متساوين لهم الحق في الاحترام والحقوق الأساسية، إضافة إلى إدانة الحكومة التي ارتكبت جرائم ضد الإنسانية تحت ذريعة تنفيذ عمليات ضد المتشددين أو مكافحة التمرد في شمال ولاية راخين. واتفق المشاركون على رفض النتائج التي توصلت إليها لجنة التحقيق في ولاية راخين، والتي استندت إلى شهادات شفهية من القرويين الروهينغا تحت الإكراه على حد قولهم، والتأكيد على الحاجة الملحة لرفع القيود الشديدة المفروضة على القرويين الروهينغا خصوصا أن التقديرات تشير إلى أن ما يزيد على 120 ألفا على حافة المجاعة والموت نتيجة عدم الحصول على الخدمات الطبية الطارئة، ويعانون من أمراض قابلة للعلاج. وطالب المشاركون بوقف كل أعمال الإبادة الجماعية ضد الروهينغا والوارد تعريفها بشكل واضح في اتفاقية 1948 للأمم المتحدة بشأن منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية والسماح بإجراء تحقيق مستقل في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وتطهير عرقي، داعين الاتحاد الأوروبي إلى وضع المسؤولية بهذه القضية قبل المصالح التجارية. وقال الشيخ محمد زكي، الأمين العام للجنة العليا للدعوة بالأزهر، إن تحرك الأزهر باتجاه الأزمة في بورما يرجع إلى عقيدة راسخة تشدد على أن تعرض أي شخص للإيذاء والقتل والتشريد يمثل مساسا بالإنسانية كلها. وأضاف في تصريحات لـ“العرب”، أن مواجهة التطرف بجميع أشكاله تستلزم تحركات دينية سلمية بعيدا عن السياسية وتقوم بالأساس على الحوار بدلا من التكفير، وهو ما تسعى مؤسسة الأزهر إليه من خلال تعاونها مع مجلس الحكماء المسلمين والذي يرى ضرورة أن يعالج الناس كل قضاياهم من منظور جديد بالحكمة والعقل الرشيد بعيدا عن النزاعات العرقية والطائفية والحزبية. وأوضح أن الأزهر يعيش في تلك الأيام ثورة استنهاض لإنتاج خطاب ديني يسع الإنسانية جميعا من خلال مجالين رئيسيين، الأول يتعلق بالدعوة التي نعمل على تطويرها لكي تتماشى مع العصر الحالي، والثاني يهتم بمجالات البحث والتعليم التي تجري مراجعتها خلال الفترة الحالية. وبحسب بعض المراقبين، فإن مؤسسة الأزهر تسعى إلى إيجاد رأي عام دولي مؤيد لإنتاج خطاب ديني جديد، بمشاركة العديد من العلماء على مستوى العالم ليمثل وثيقة دولية في مواجهة الإرهاب والتطرف ويكون الهدف منه أيضا توضيح الصورة السليمة عن الإسلام. وأكد إسلام النواوي، عضو لجنة تجديد الخطاب الديني لـ“العرب”، أن تحركات الأزهر الدولية تساهم في حلحلة تجديد الخطاب الديني بالداخل، وأن الحوار مع الأطراف المعنية داخل دولة ميانمار سيفتح الباب أمام وضع أسس دولية لمواجهة الإرهاب والتطرف. :: اقرأ أيضاً الأزهر يدير ظهره لرواد التجديد الديني والتطوير السياسي
مشاركة :