"إنا أرسلناك شاهداً ومبشرا ونذيراً * لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرةً وأصيلاً" (الفتح: 8 - 9). كم من مؤمن ومؤمنة لو سألت أياً منهما ما هي أمنيتك في الحياة؟ لقال نظرة لوجه النبي صلى الله عليه وسلم أو سماع صوته الجميل أو ملامسة بشرته الشريفة. كيفَ لا وهو سيد الخلق أجمعين وهو حبيب الله تبارك وتعالى؟! وقد أمرنا الله تعالى بالمبالغة في توقيره واحترامه وحبه أكثر من آبائنا وأولادنا والنَّاس أجمعين. وفي صلح الحديبية، روي عن عروة بن مسعود، سفير المشركين، أخذ يحدّث النبي صلى الله عليه وسلم، ويشير بيده إليه، حتى تمسَّ لحيته، والصحابي العملاق المغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله صلى عليه وسلم بيده السيف، فقال له: "اقبض يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن لا ترجع إليك!" فقبض عروةُ يده. وأخذ عروة يرمق أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعينيه، قال "فوالله، ما تنخم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وَضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحِدُّون إليه النظر تعظيماً له"، فرجع عروة إلى أصحابه، فقال: "أي قوم، والله، لقد وفدت على الملوك، وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله، إن رأيت ملِكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً". وأنا أتأمل هذا الحب الفريد من نوعه، تأملت أيضاً كيف نال المشركون المحاددون، والكفرة المردة والمنافقون الجهلة شرف رؤية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسماع صوته الشريف؛ بل وسمعوا تلاوته العطرة للقرآن الكريم وتودده ترغيباً لهم في الإسلام! سبحان الله! أي قلوب وعقول وأبصار تلك التي يحملها هؤلاء؟ كيف طاقوا مقاومة حبه وعشقه والشوق إلى لقائه وهو السراج المنير؟ وكيف أطاعوا الشيطان في عصيانه وهو بين ظهرانَيهم ونور وجهه ينعكس كل يوم في وجوههم؟ كيف يا ترى قابلوا بريق عينيه الجميلتين، بجفاء وغيظ وسوء أدب؟! فالمشركون والكافرون ومن نحا نحوهم كانت صفاتهم معه كما وصفهم الله تبارك وتعالى: 1- "ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون" (يونس: 42). 2- "نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً" (الإسراء: 47). 3- "وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزواً أهذا الذي بعث الله رسولا" (الفرقان: 41). 4- "وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون" (القلم: 51). والمنافقون المتعبون المعاندون جُفاة القلوب ومن نحا نحوهم، أنصفهم القرآن وصفاً فقال: 1- "أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا" (الأحزاب: 19). 2- "ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم" (محمد: 20). 3- "إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون" (المنافقون: 1). أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يكرمنا جميعاً برؤيته في الدنيا، وبصحبته في الآخرة. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :