تسعى روسيا وإيران وباكستان الى مساعدة طالبان على عرقلة جهود الولايات المتحدة في أفغانستان وجنوب آسيا. واليوم، شاغل أميركا هو الشرق الأوسط، وشرق أوروبا، ودول البلطيق، والدول الاسكندينافية. فهي ترمي الى عزل روسيا. كما ترغب واشنطن في احتواء الصين في آسيا والمحيط الهادئ. وأنهت أميركا وحلف الناتو العمليات القتالية في أفغانستان، وسحبا قواتهما من أجل حماية الشرق الأوسط وأوروبا وبحر الصين الجنوبي. فخسرت وحلفاؤها التفوق الجوي والبري في جنوب آسيا ووسطها، بخاصة في أفغانستان حيث كانت الهيمنة معقودة لأميركا طوال أكثر من عقد. ووفق مصادر استخباراتية، سافرت مروحية روسية الصنع، وركابها من عملاء الاستخبارات الروسية والحرس الرئاسي والاستخبارات الخارجية وعدد من مسؤولي الاستخبارات الباكستانية واستخبارات الجيش، من باكستان الى روسيا عبر أفغانستان، وحطّت الرحال في مناطق سيطرة طالبان في ولاية لوغر جنوب كابول. وسلمت طالبان ركاب هذه المروحية إلى باكستان بعد أن ذاع خبرها. وتشير معلومات إلى أن رجال الاستخبارات الباكستانية والروسية يناقشون إمكان التعاون الاستخباراتي والعسكري بين بلديهما بواسطة من يقاتل نيابة عنهم في أفغانستان لوضع حدّ للهجمة الأميركية على المنطقة. وقبل قرار الولايات المتحدة تقليص جنودها في المنطقة، لجأت إلى الخطة «ب» التي ترمي الى الهيمنة على المنطقة، وتطويق الصين من طريق تقليص اعتماد حلفاء واشنطن، مثل الهند وغيرها، على مصادر الطاقة الإيرانية. ولجأت واشنطن إلى استراتيجية مد الجسور بين دول وسط آسيا وجنوبها، وأوروبا، انطلاقاً من أفغانستان. لذا بادرت الإدارة الأميركية الى عدد من المشاريع: - خط أنابيب غاز يعرف بـ «تابي» (تركمانستان وأفغانستان وباكستان والهند) لإيصال الغاز التركماني عبر أفغانستان إلى الهند. - خط «كاسا 1000» لتصدير الكهرباء من دول وسط آسيا إلى جنوبها. - مشروع طريق الحرير الجديد لرفع القيود عن حركة السلع في المنطقة ووصلها والإقليم بأوروبا. وتحسِب الاستراتيجية الأميركية أن مثل هذه السياسة تربط وسط آسيا وجنوبها بمشاريع اقتصادية واستراتيجية تطبق طوق العزلة على إيران وروسيا والصين. وترى أن دول المنطقة التي تحتاج الى الطاقة وتحفيز الاقتصاد، يمكن أن تنحي جانباً الخلافات الجغرافية والسياسية وتتعاون. لذا، نأت الولايات المتحدة بنفسها عن الأرياف الأفغانية والمقاطعات والولايات. وانتهجت وحلف الأطلسي وحلفاؤها الإقليميون اســـتراتيجية جديدة للهيمنة على الطرق الرئيسية وممرات الترانزيت الموقتة والمدن الكبرى. لذا، دعمت واشنطن الجيش الوطني الأفغاني لتأمين خط «تابي» و»كاسا 1000» وطريق الحرير الجديد. وإثر استبعادهما من المشاريع الإقليمية الكبرى، بدأت روسيا وإيران خطط العرقلة والإزعاج. وبدأت الاستخبارات الروسية والإيرانية تجميع قادة طالبان. وعلى سبيل المثل، ورد في الأخبار قبل أشهر، أن «زعيم طالبان ملا أختر منصور لقي مصرعه بغارة أميركية بطائرة من دون طيار بعد عودته إلى باكستان من زيارة إلى إيران». وكان منصور أختر يستلم خطط السيطرة على المدن الرئيسية والطرق الدولية وإعاقة استراتيجية الولايات المتحدة وتقييد أهدافها السياسية والجغرافية في المنطقة. واليوم، ووفق معلومات ستراتفور، وهي مؤسسة معلومات أميركية خاصة، غيّرت طالبان أسلوبها. وبعد أن كانت الحركة تركّز على المناطق النائية، بدأت تشن هجمات واسعة تحت اسم العمليات العمرية (نسبة إلى مؤسس الحركة ملا محمد عمر) على وقع التشاور مع الاستخبارات الروسية والإيرانية. وشنّت طالبان هجمات على عدد من المدن الرئيسية وطرق الإمداد، وسيطرت على ولاية قندوز شمال كابول، وقطعت طريق الإمدادات من كابول الى الشمال الأفغاني. وفي الوقت نفسه، هاجمت ولاية هلمند كما قطعت الطريق إلى ولاية قندهار. وبدأت الحركة هذه عمليات في ولايات ميدان وردك وغزني، من أجل السيطرة عليها واقتلاع سلطة كابول في جنوب أفغانستان. كما أنها قامت بعمليات في ولاية لغمان من أجل قطع كابول عن شرق أفغانستان. وأطلقت هجوماً واسعاً على ولاية لوغر لعزلها عن العاصمة. وفي جعبة طالبان خطة للسيطرة على مناطق محيطة بالعاصمة لإطاحة الحكومة وعرقلة الخطط الأميركية. لذا، حري بالإدارة الأميركية الجديدة تجديد سياستها في جنوب آسيا ووسطها قبل أن تضيع جهود خمسة عشر عاماً ضد طالبان وغيرها من أعداء الولايات المتحدة. ويشعر أعداء أميركا وحلف الأطلسي بنشوة النصر. ولا يرغبون في التعاون في خطة موسعة مع واشنطن وحلفائها. وإذا لم تلتزم أميركا نهجاً قوياً، فإن الشعب الأفغاني سيعاني كثيراً: فهو لن يعرف التقدم ولن تتطور أحواله، والعائلات الأفغانية ستلقى في دوامة النزاع والدمار. وإذا لم تحفز أميركا استراتيجيتها في المنطقة، سيسقط النظام الذي أقامته في كابول، وستكون سياسة أميركا في نسج علاقات استراتيجية على المحك. ويبدو أن الولايات المتحدة ليست لديها خطة «ج» لمعالجة الموقف. * زعيم الحزب الليبرالي الأفغاني، محلل، عن موقع «كلاريون بروجيكت» الأميركي، 1/1/2017، إعداد جمال اسماعيل
مشاركة :