هنريك أبسن فيلسوف المسرح

  • 4/2/2014
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

اقتضت الضرورة في تجديد الدراما وفق قوالبها المستحدثة، أن يلجأ كتاب المسرح إلى الأخذ بأنماط مختلفة عن البنية التقليدية التي يقوم عليها فن المسرح، ولم تسلم تلك الأساليب من نقد المسرحيين والنقاد، باعتبارها تجارب تحول الدراما السينمائية والمسرحية إلى نصوص مفككة وغير منسجمة تتداخل عناصر بنائها، التراجيدية منها والكوميدية والميلودرامية، إلا أن البعض يرى في الممازجة بـين القديم والحديث مـع الحفاظ على القواعد الأصولية للنصوص، يُبقي على ترابطها الدرامي كنسيج متكامل راسخ البناء مع الأخذ بحتمية التغيير والتجديد. ذلك ما يراه الأب الروحي للمسرح الحديث الكاتب النرويجي هنريك أبسن صاحب مذهب الواقعية في الدراما المسرحية الذي بلغ به التأثر بالفيلسوف الألماني كيركجارد، إلى الحد الذي جعله يتبنى فلسفته ويجسد تطبيقها عملياً مع مقولات شخصياته المسرحية، وهو ما جعل أعماله، بلا استثناء ذات بُعد فكري وفلسفي. اعتاد أبسن على إحاطة شخصياته بشيء من الخصوصية في تركيباتها السيكولوجية والاجتماعية وهذا ما جعله يبرع في رسـم شخصياته بشكل دقيق وبحرفية ومهارة عالية. خلال إعدادي للبرنامج الإذاعي المسرح العالمي لمدة خمس سنوات، تعاملت مع أشهر النصوص المسرحية العالمية، فتشكلت لدي ذائقة فنية في انتقاء النص وقراءته ومعالجته درامياً، ومن بين تلك النصوص التي استفزتني، مسرحيات أبسن (بيت الدمية)، (دعائم المجتمع) و(كوميديا الحب)، وقتها أدركت أن لمسرح هنريك أبسن تشكيل بنيوي مختلف، لا أبالغ إن قلت إنه تفوق به على شيكسبير، بريخت، موليير وتشومسكي، وهو ما مكنه من تبوء مكانة مرموقة بين الكُتّاب المسرحيين العالميين رواد القرن التاسع عشر، ويعد من أهم رواد المسرح الذين أولوا القضايا الإنسانية اهتمامهم وأثروا الأدب العالمي بإبداعهم، حتى أنه قيل إن الأوروبيين أغلبهم لا يعرفون النرويج كما يعرفون هنريك أبسن. مسرحيته (بيت الدمية) حققت انتشاراً وشهرة على المسارح في عواصم العالم، كما لم تحققه مسرحيات وليام شيكسبير التي تعد الأكثر شهرة في تاريخ المسرح العالمي، ذلك لأن تلك المسرحية ترجمت إلى أكثر من لغة، وتناولها أكثر من مترجم برؤى مختلفة، من وجوهها الفلسفية المختلفة التي يُقرأ من خلالها النص، حتى الكاتب نفسه كتب لمسرحيته أكثر من نهاية. وما من مهتم بنصوص المسرح المتميزة، إلا وتأثر بها، ونادراً ما نجد من لا يتذكر نهايتها التي كتبها أبسن في المرة الأولى، ويردد الحوار الذي دار بين بطلة المسرحية نورا والزوج المحامي تورفولد هيلمر، حيث يصل أبسن في الحوار إلى ذروة الانفعال والتجاذب، وقد أبدع في مضمونها الاجتماعي، وقوة حبكتها الدرامية. النص أي نص حين تسكتمل عناصر بنائه، تتعدد الرؤية في قراءته. يعترف هنريك أبسن أنه لم يأخذ مفاهيم منهجه المسرحي وتعلم قواعده، من الألماني كيركجارد والشاعر الألماني تشيلر فقط، بل هو أيضاً تأثر برائدي المسرح الفرنسي في القرنين الثامن والتاسع عشر «سكريب» و«ساردو».

مشاركة :