نجحتْ الحكومة اللبنانية أمس في تمرير «أوّل اختبار» لها منذ نيْلها ثقة البرلمان، مكرِّسة الانطباع بأن البلاد أمام «طبعة» جديدة من العمل المؤسساتي ومن استعادة الدولة زمام المبادرة والقرار في القضايا ذات الصلة بـ «محليات لبنان» بعد التسليم بأن القضايا الخلافية «الموْصولة» بـ «الصواعق» الاقليمية لا يمكن مقاربتها الا بعد ان تنطفئ «النيران» في الساحات «اللاهبة» في المنطقة. وشكّلت الجلسة الأولى التي عقدها مجلس الوزراء امس، في القصر الجمهوري برئاسة الرئيس ميشال عون امتداداً للمناخ الذي ساد البلاد في أعقاب فاجعة اسطنبول التي أصابت لبنان بسقوط 3 من أبنائه فيها حيث أظهرت الدولة حضوراً فاعلاً بعد غياب طويل، بمواكبتها الحدَث المفجع في بيروت كما اسطنبول وسط أداءٍ مشهود ترك ارتياحاً عارماً في نفوس اللبنانيين الذين لمسوا أنهم أمام «نسخة» جديدة من الأداء الرسمي. ولم تخيّب الحكومة امس التوقّعات، فـ «اقتنصت» الزخم المتواصل منذ انتخاب العماد عون رئيساً ثم تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة وصولاً الى التأليف ونيل الثقة، للخروج في «أوّل دخولها» بإنجازٍ على طولها شكّله إقرار المرسوميْن المتعلقين بملف النفط وتحديداً تقسيم المياه البحرية الخاضعة للولاية القضائية للدولة اللبنانية الى «بلوكات» ودفتر الشروط الخاص بدورات التراخيص في المياه البحرية، وإن كان إرجاء بتّ بنود أخرى مثل مشروع قانون الأحكام الضريبية المتعلقة بالنشاطات البترولية، جاء بمثابة إشارة الى ان «الأمتار» الأخيرة في السباق نحو إنهاء «البنية التحتية» القانونية لهذا الملف العالق من نحو اربعة اعوام ما زالت تحتاج الى مزيد من النقاشات التي لن تطول بطبيعة الحال. وجرت مناقشة موضوع النفط في مجلس الوزراء على وقع الانتقاد اللاذع الذي وجّهه رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط عشية الجلسة لطريقة توزيع بند النفط والغاز على عجل «وكأن كل الامور محلولة للمصادقة على المراسيم»، معتبراً الأمر «أشبه بوليمة جُهزت مسبقاً في الكواليس كي يجري أكلها غداً (امس)»، مضيفاً: «ليست هناك شركة وطنية ولا صندوق سيادي ولا قيمة أساساً للهيئة الوطنية، وجلسة الغد أشبه بفيلم العرّاب وقوله الشهير بأنه عرْض لا تستطيع رفضه». وسأل: «يا ترى كم من عرّاب هناك؟ وهل بهذه الطريقة سنضم الثروة الوطنية؟ وماذا عن مستقبل الشباب اللبناني؟ أم لبنان سيصبح دولة مارقة نفطياً كالعراق أو نيجيريا مثلاً؟». وختم: «أوقفوا هذه المهزلة، هذه المسرحية المفضوحة، هذه اللعبة الرديئة». واستدعى «صراخ» جنبلاط اتصالات تولاها الحريري الذي تواصل مع رئيس «اللقاء الديموقراطي» مؤكداً ان «الصندوق السيادي» (توضع فيه الأموال المحصلة من الدولة من قطاع النفط) والشركة الوطنية تُقرّ بقانون في مجلس النواب» موحياً بتفاهُم مع رئيس البرلمان نبيه بري على الأمر. وفي حين شخصتْ الأنظار أيضاً في جلسة الحكومة على تعيين رئيس مجلس ادارة مدير عام جديد لهيئة «أوجيرو» هو عماد كريدية بدلاً من عبد المنعم يوسف ،وباسل الايوبي مديراً عاماً للصيانة والاستثمار في وزارة الاتصالات (بدل يوسف ايضاً) باعتبار ان هذا الأمر يعطي مؤشراً الى مرحلة جديدة ستُفتح على صعيد تفعيل قطاع الاتصالات والانترنت في لبنان، لم يغب عن المداولات موضوع الزيارة التي سيقوم بها عون للرياض في 9 و10 الجاري على ان ينتقل منها في 11 و12 منه الى الدوحة. وفيما وضع رئيس الجمهورية مجلس الوزراء في أجواء الزيارة للسعودية التي ستشكّل الإطلالة الخارجية الاولى له منذ انتخابه، تواصلتْ التحضيرات لهذه المحطة التي تفتح الباب امام تأكيد عودة لبنان الى الحضن العربي وطيّ صفحة التوتر مع دول الخليج، وسط ترقُّب ان يُعقد اجتماع يضمّ الوزراء الذين سيرافقون رئيس الجمهورية لوضع اللمسات الأخيرة على جدول الأعمال. وفيما لفت ان السفارة السعودية في بيروت تواكب الزيارة بنشاطٍ لافت وهي التي أعلنت «ان زيارة الرئيس عون للرياض الإثنين المقبل يعلق عليها الجميع آمالاً كبيرة، كونها تخلق مناخاً جديداً يساعد على استئناف حركة سفر المواطنين السعوديين إلى لبنان وعودتها إلى وضعها الطبيعي»، توقّع الحريري ان يكون لهذه المحطة «دور كبير، وخصوصاً أنّ المملكة مهتمة بهذه الزيارة بمقدار كبير». ولم تحجب الوقائع السياسية الاهتمام بالملف الأمني الذي كان قفز الى الواجهة مع كشف خلية تم توقيفها في طرابلس مؤلفة من 11 شخصاً ومرتبطة بالقيادي في جبهة النصرة الإرهابي الفار إلى مخيم عين الحلوة شادي المولوي، حيث «خطّطت هذه الخلية بأمر من الأخير لإرسال سيارات مفخخة إلى ضواحي مدينة بيروت واغتيال مدنيين وضباط حاليين ومتقاعدين في الجيش اللبناني كما جاء في بيان الجيش اللبناني». وكان بارزاً ما رافق ادعاء مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر امس، على هذه الخلية من كشْفِ ان لبنان نجا من «اسطنبول ثانية» في بيروت حيث أشارت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية الى ان أفراد الشبكة «كانوا يخطّطون لأعمال ارهابية ليلة رأس السنة وتفجير سيارات مفخخة في بيروت وطرابلس والضاحية واغتيال ضباط حاليين ومتقاعدين واستهداف مدنيين في التجمعات».
مشاركة :