الصومال تشق طريقها الصعب نحو السلام

  • 1/5/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

د. أيمن شبانة بعد مخاض شاق وطويل، أسدل الستار على الفصل الأول من العملية الانتخابية في الصومال، بانتخاب أعضاء البرلمان الاتحادي الجديد، حيث أدى الأعضاء اليمين الدستورية في الثامن العشرين من ديسمبر/كانون الأول الماضي، واختاروا الرئاسة المؤقتة للبرلمان، ليسطروا بذلك صفحة جديدة في تاريخ البلاد، التي تدور في حلقة مفرغة من الصراع منذ عام 1991، حيث ينتظر أن ينتخب البرلمان رئيس البلاد، فضلاً عن صياغة الدستور. يعتبر تكوين البرلمان استحقاقاً دستورياً تم إقراره بموجب الدستور الصومالي المؤقت الصادر عام 2012، والذي نص في مادته الثانية والسبعين على انتخاب البرلمان عن طريق الاقتراع الشعبي المباشر، بخلاف البرلمان السابق، الذي تكّون عام 2012، والذي اختير من جانب هيئة مصغرة من زعماء القبائل والأعيان. لكن التعقيدات السياسية والأمنية والقيود المالية حالت دون إجراء الاقتراع الشعبي المباشر. لذا طالب البعض بإرجاء إنشاء البرلمان حتى عام 2020. واستمر الجدل حتى تم التوافق على إجراء الانتخابات بشكل غير مباشر، مع توسيع القاعدة الانتخابية لتصل إلى نحو 14 ألف مندوب، يمثلون كل شرائح المجتمع والقوى السياسية، بما فيها النساء والشباب، ليقوموا بانتخاب أعضاء البرلمان، الذي سينتخب بدوره الرئيس القادم للبلاد، وذلك تحت إشراف هيئة وطنية، عرفت باسم مجلس القيادة الوطني. يتشكل البرلمان الجديد من غرفتين، هما مجلس الشيوخ (الغرفة الأعلى) ومجلس النواب (الغرفة الأدنى). وتستمر ولايته حتى عام 2020. ويبلغ عدد أعضاء مجلس الشيوخ، اثنين وسبعين عضواً، بينما يضم مجلس النواب مئتين وخمسة وسبعين عضواً، ليصل إجمالي الأعضاء إلى 347 عضواً، مقابل 135 عضواً فقط للبرلمان السابق. هنا تجدر الإشارة إلى دور العوامل القبلية والإقليمية في اختيار أعضاء البرلمان الجديد، حيث تم اختيارهم جميعاً على أساس المحاصصة القبلية والمناطقية، وليس على أساس الانتماء الحزبي، وذلك بتقسيم مقاعد البرلمان بغرفتيه بين الأقاليم الفيدرالية الستة المعمول بها داخل البلاد، بخلاف العاصمة مقديشيو، التي لم يحسم وضعها المستقبلي في النظام الفيدرالي الجديد في الصومال. وفي ذات الاتجاه أقر مجلس القيادة الوطني، بمباركة الرئيس الصومالي، زيادة عدد أعضاء مجلس الشيوخ من 54 عضواً إلى 72 عضواً، وذلك في إجراء غير دستوري، لترضية بعض الولايات التي تمسكت بزيادة تمثيلها في المجلس، ولاعتبارات مصلحية تتعلق بالانتخابات الرئاسية، لذا يمكن توصيف هذا البرلمان بأنه برلمان زعماء القبائل وحكام الأقاليم. لكن الطابع القبلي والإقليمي للبرلمان لا ينفي وجود تكتلات سياسية وفكرية أساسية داخلة. وهنا يمكن التمييز بين ثلاثة تيارات هي: التيار الموالي لزعماء القبائل والولايات، والذي يتمتع بالأغلبية داخل البرلمان. والتيار الإسلامي، الذي يشمل ثلاث جماعات فرعية متنافسة هي: الإخوان المسلمون، وجماعة الاعتصام بالكتاب والسنة، وجماعة آل الشيخ. والتيار المستقل، الذي يضم عناصر من الأكاديميين المؤهلين علمياً، ويسعون للخلاص من سيطرة القبلية على الحياة السياسية في الصومال، والاعتماد على معايير الكفاءة والنزاهة. على أي حال، تبقى هناك الكثير من القضايا التي يتعين على البرلمان حسمها لتحقيق الاستقرار في الصومال، يأتي على قمتها انتخاب الرئيس الجديد للبلاد، التي تفتقر إلى سلطة مركزية قوية منذ سقوط نظام سياد بري، حيث أخفق الصوماليون في إجراء الانتخابات الرئاسية، واضطروا لتأجيلها عدة مرات، رغم انتهاء ولاية الرئيس الحالي حسن شيخ محمود في العاشر من سبتمبر/أيلول 2016. ومن المرجح أن تحدث هذه القضية جدلاً واسعاً داخل البرلمان، الذي سينتخب الرئيس، عبر اقتراع سرى داخلي، تحدد موعده بنهاية يناير/كانون الثاني الجاري، ما لم يتم تأجيله، لدواعٍ إدارية ومالية في الظاهر، واعتبارات مصلحية في الواقع، حتى يتم الانتهاء من تكوين التحالفات الانتخابية اللازمة. وهنا، يتوقع أن تكون كفة التيار الموالي للزعامات الإقليمية والقبلية، هي الأقوى تأثيراً في تحديد اسم الرئيس القادم، خاصة الأعضاء الذين ينتمون لأقاليم جنوب غرب الصومال وبونت لاند وجوبا لاند، الذين يهيمنون على مقاعد البرلمان، وذلك في مواجهة التيار الإسلامي، الذي ساند الرئيس المنتهية ولايته في الانتخابات الماضية، والذي يضعف من موقفه عدم وفاء الرئيس بمعظم وعوده الانتخابية، فيما يراهن التيار المستقل صغير الحجم على الدخول في تحالف ظرفي مؤقت لفرض مرشح رئاسي معين، حيث يرى البعض أن التغيير قادم، وأن الانتخابات المقبلة ستتأتى برئيس جديد للبلاد. على البرلمان أيضاً أن يسارع بإصدار التشريعات المتعلقة بإقرار الأمن ومحاربة الإرهاب في البلاد، وهي قضية في غاية الأهمية، في ظل تعاظم المخاوف الأمنية، التي تحول دون إعادة توطين اللاجئين والنازحين في الصومال، وتجبر نصف مليون لاجئ صومالي على البقاء في الشتات، خاصة في كينيا وإثيوبيا، مثلما أجبرت أعضاء البرلمان على أداء اليمين الدستورية في أحد مراكز تدريب قوات الأمن، خشية استهدافهم من جانب عناصر الشباب المجاهدين. وربما يزداد الأمر سوءاً إذا ما أقدمت الدول المشاركة في بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال أميصوم على تنفيذ تهديداتها بالانسحاب الفعلي من البلاد، احتجاجاً على تأخر المستحقات المالية لعناصرها، ونقص الدعم التسليحي الذي تعهد به المجتمع الدولي، خاصة الاتحاد الأوروبي. وفي ذات الاتجاه تبدو الحاجة إلى إعادة هيكلة الجيش والشرطة الوطنية، بما يؤهل الصوماليين لإدارة الملف الأمني بأنفسهم بعد اكتمال انسحاب بعثة الاتحاد الإفريقي بحلول العام 2020. وهناك أيضاً قضية محاربة الفساد الذي تحول إلى واقع معاش في البلاد، والذي ازداد تغولاً في عهد الرئيس حسن شيخ محمود، وهو ما أدى لتردي مستوى معيشة معظم المواطنين، وصولاً إلى حد المجاعة، وبطء تنفيذ مشروعات إعادة الإعمار، واستمرار الاعتماد على المعونات الخارجية، التي أضحت تقل تدريجياً، بعدما ضاق المانحون ذرعاً بأعباء الصراع في الصومال. وختاماً، يمكن القول إن تكوين البرلمان، رغم أنه يعتبر خطوة مهمة على طريق الاستقرار في الصومال، لكنه لا يمثل ضمانة كافية لتحقيق المصالحة الوطنية وإحلال السلم المستدام في البلاد. فالصوماليون يتمتعون بقدر من التجانس الإثني يندر وجوده في إفريقيا جنوب الصحراء، حيث يشتركون جميعاً في الأصل السلالي، واللغة الصومالية، والدين الإسلامي، وحتى المذهب الشافعي، ولكنهم يتمسكون بالانتماءات التحتية القبلية والإقليمية على حساب الولاء الأسمى للوطن. وهذا في تقديري هو العامل الأهم الذي يرجح استمرار حالة الانقسام في البلاد، ويعوق القدرة على ضبط العلاقة بين المركز والأقاليم، واستعادة حلم الصومال الكبير، بأقاليمه الخمسة، التي يرمز لها بنجوم خمسة تزين علم البلاد، ولا نجد لها أثراً على أرض الواقع. *مدرس العلوم السياسية في معهد البحوث والدراسات الإفريقية جامعة القاهرة.

مشاركة :