انتهاء منظومة «عيالي وأنا حر فيهم»

  • 1/5/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

مع كل قفزة تؤشّر إلى انتقال العدد من واحد إلى إثنين إلى ثلاثة تصدح جنبات مستشفى هنا أو مستوصف هناك أو بيت هنا وهناك بـ «وأوأة» قادم جديد إلى «المحروسة» المتخمة بسكانها المثقلة بهمومها المعانية الأمرّين من نظام تعليمي هرم ومنظومة صحية وهنة وشوارع وخدمات تحتية رازحة تحت وطأة العداد القابع في شارع صلاح سلام والذي يبشر مع دقة كل ثانية أن مصر تسير بخطى ثابتة نحو المئة مليون. المئة مليون مصري الذين سيجدون طريقهم إلى ربوع البلاد قبل أن تننتهي السنة الجديدة، تواجههم الحكومة بخطة سكانية مجتمعية صحية تلوّح حتى اللحظة بذراع التوعية ومحفّزات تحسين المعيشة. فالزيادة «غير المنضبطة للسكان» تبتلع الأخضر واليابس، وتأتي على الاقتصاد المتهالك أصلاً بفعل أعوام من الفوضى أعقبت رياح الربيع وشابها الكثير من جهود المتطرفين لتحريم خطط الدولة لتنظيم النسل وإجهاضها، حيث العزف على أوتار «العيال عزوة» تارة وتفجير خطاب ديني يضع من ينظّم أسرته ويحدد نسله تحت بند «العاصي المرتد». والنتيجة عداد جنّ جنونه وأسر متفجرة تراها في الشوارع والميادين أشبه بتكتلات سكانية يمسك الصغير في جلباب الكبير ويتسلّق الرضيع ما تيسّر من ملابس الأم طلباً لتحمله بديلاً عن أخوته الأحدث في عالم الرضاعة. وقد تحوّل واقع الحال إلى خطر متفجّر لا يمكن إتباع مبدأ مزيد من «الطبطبة» معه، أو تجاهل استمرار توغّل التيارات الدينية المتشددة أكثر من ذلك، أو ترك المواطن الرافع شعار «عيالي وأنا حر فيهم» بعدما ثبت بالحجة والبرهان أن حرية هؤلاء تخنق الجميع. مسؤولو المجلس القومي للسكان وكوادره وموظفوه مستنفرون هذه الأيام. فقد بدأ أخيراً تفعيل «الخطة القومية لرفع الوعي الصحي والمجتمعي»، التي يمكن اعتبارها خطة إنقاذ جريئة تتبع السبل السلمية لإقناع المصريين بأن للعزوة حدوداً وللصبر على حرية الإنجاب من دون ضابط أو رابط أيضاً حدوداً. حدود تنظيم الأسرة التي انهارت خلال الأعوام الستة الماضية يعاد تدشينها عبر مبادارات وخطط تعتمد غالبيته على كوادر من الناس وإليهم. تمكين طلاب الجامعات من تفهّم التحديات السكانية الهائلة التي تواجهها البلاد، وتجهيزهم ليكونوا نواة التغيير في فكر المصريين في ما يتعلّق بالتركيبة السكانية تحت اسم «مبادرة الرائد الجامعي»، هي إحدى المبادرات التي أطلقت قبل أيام بالتعاون بين وزارة الصحة والسكان والمجلس القومي للسكان ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، وتعدّ ضمن الخطة القومية الجديدة لرفع الوعي الصحي والمجتمعي. وتقوم على مشاركة طلاب الجامعات المصرية، لا سيما الطب والتمريض والصيدلة، لتحريك المجتمع نحو الأفضل من خلال التثقيف الصحي. المدير التنفيذي للمبادرة الدكتور شيماء باهر تقول إن أربع حقائب تدريبية موحّدة تحمل اسم «دليل الأسرة المصرية» قد أنجزت. وتهدف محتوياتها إلى ترسيخ ثقافة الأسرة الصغيرة والصحة الإنجابية وصحة الأسرة والوقاية من الأمراض، إضافة إلى نشر ثقافة التغذية السليمة لمختلف الفئات العمرية. ووفق المنسق العام للمبادرة الدكتور خالد سليمان، يشارك 12 جامعة مصرية وأساتذة جامعيون في المرحلة الأولى من المبادرة التي تبدأ هذا الشهر. كما يحتوي تدريب طلاب الجامعات على مكوّن مفهوم التربية الإيجابية الهادف إلى تعزيز العلاقات الصحية بين الآباء والأطفال، ومشاركتهم الإيجابية في التربية. كما تضرب هذه المبادرة «عصفورين بحجر واحد»، إذ فضلاً عن الاستفادة من طاقات الطالبات والطلاب في مهمات التوعية، فإنهم عبر عملهم التطوعي يكتسبون فكر الأسرة الصغيرة والارتقاء بالتركيبة السكانية التي أضرتها غلبة العدد على المحتوى. وتتضمّن الخطة القومية كذلك مكوّناً خاصاً بتدريب الفتيات والسيدات الريفيات من أجل الغرض عينه. وفي أولى الدورات التدريبية قبل أيام، قال مقرر المجلس القومي للسكان الدكتور طارق توفيق إن الرائدات الريفيات يتميّزن بالقدرة على الوصول إلى الفئات المستهدفة في المناطق التي يعملن فيها، لا سيما مع معرفتهن بخصائص المجتمع الذي يعشن فيه. ولفت إلى أنهن الأقدر على توعية الأسر في الريف بالآثار السلبية للزيادة السكانية الرهيبة وغير المدروسة أو المخططة، التي تنعكس في صور عدة، منها التسرّب المدرسي والعنف الأسري وعمالة الأطفال وعدم تمكين المرأة، إضافة إلى تدني مستوى المعيشة. ومن المقرر أن تشهد الأسابيع القليلة المقبلة دورات مماثلة في مناطق محرومة، لا سيما في صعيد مصر والقرى الأكثر حاجة. عموماً تبدو الحاجة إلى كسر دائرة الجهل والمرض والفقر المغلقة ضرورة قومية، وهو ما تشير إليه الدكتور باهر بقولها إن تحسين الخصائص السكانية سيصب في مصلحة المواطنين أنفسهم بعد ما أضرت بهم الآثار السلبية الكثيرة الناجمة عن الزيادة العشوائية الرهيبة. وعلى رغم أن الخطة القومية لرفع الوعي الصحي والمجتمعي تستهدف الأسرة المصرية من دون تمييز، إلا إن محورها سيكون البسطاء والأكثر حاجة اقتصادياً وتعليمياً وصحياً، وهم العدد الأكبر والأكثر مشاركة في القنبلة السكانية. نائب وزير الصحة والسكان الدكتور مايسة شوقي اعتمدت لغة الأرقام، حيث كل جنيه يُنفق على الوقاية من الأمراض يوفّر 45 جنيهاً للعلاج، وكل جنيه ينفق في تنظيم الأسرة يوفّر 566 جنيهاً للعلاج. وأشارت إلى أنه في حال استمرت الزيادة السكانية على المنوال عينه، فإن الـ 30 مليون مصري المصنّفين «عاطلين» حالياً سيقفزون إلى 45 مليوناً، وسيضرب الفقر 35 في المئة من السكان، وسيقل نصيب الفرد من الدخل العام والماء والغذاء. وتحتوي وصفة تحسين التركيبة السكانية على عناصر علاجية عدة، أبرزها الاكتفاء بطفلين، والمباعدة بين الولادات بما لا يقل عن ثلاث سنوات. يذكر أن عدد المتزوجات اللاتي يستخدمن وسائل تنظيم الأسرة انخفض من 60 في المئة عام 2015 إلى 58.5 في المئة في عام 2016، بسبب عوامل عدة أهمها ضعف خدمات تنظيم الأسرة في سنوات ما بعد ثورة يناير 2011، وانتشار الفقر والجهل وسطوة الجماعات الدينية المتشددة وغياب حملات التوعية تحت وطأة المشكلات السياسية والاقتصادية.

مشاركة :