تباينت الروايات التاريخية حول أصل شجرة الميلاد، التى ارتبطت فى القرون الأخيرة بميلاد السيد المسيح، ويستخدمها المسيحيون فى جميع أنحاء العالم فى تزيين منازلهم والشوارع فى الفترة من 25 ديسمبر- عيد الميلاد الغربى- حتى 19 يناير الذى يوافق عيد الغطاس، أو عيد الظهور الإلهى، وهو عيد سنوى للمسيحيين، ويمثل ذكرى عماد السيد المسيح فى نهر الأردن. بعض الروايات تقول إن مهد شجرة الميلاد بدأت من أوروبا، بالتحديد فى بريطانيا فى القرون الميلادية الأولى، بينما يرى علماء المصريات إنها بدأت مع مهد الحضارة المصرية القديمة والتى جعلت من الشجرة رمزا للبعث والخلود والميلاد فى هذه الحياة والحياة الأخرى. ففى الحضارة المصرية القديمة، رسم المصرى القديم الشجرة وهى تنمو فى مدينة هيليوبوليس، وأطلق عليها اسم «أيشد» وكتب على أوراقها أسماء الملوك المخلدين، كما كتب اسم الإله جحوتى «رب الحكمة والمعرفة» الذى اختار بنفسه أسماء المخلدين. ويقول الباحث الأثرى فرنسيس أمين، لـ«المصري لايت» إن شروق الشمس يعتبر فى الحضارة المصرية القديمة رمزاً للولادة، وفى معبد إدفو ظهر جبلا الأفق حيث تشرق الشمس محاطين بشجرة الإيشت- أى شجرة الخلود والميلاد. وبعث أوزوريس- إله البعث والخلود- ذاته إلى الحياة مرة أخرى بعد أن نمت شجرة الخلود على جثته فى مدينة جبيل اللبنانية. ويفسر «أمين» هذه الأسطورة بأنها كانت سبباً فى شهرة شجرة الأرز اللبنانية مخروطية الشكل، والتى صارت فيما بعد الشكل المميز لشجرة عيد الميلاد. وتعتبر شجرة «الجميز» من أحب الأشجار للمصرى القديم، فهى ترمز للميلاد، وقد مثلت فى مقابر الأفراد وبداخلها الإلهة الأم «نوت» وهى ترضع صاحب المقبرة، ما يعنى ولادته مرة أخرى فى العالم الآخر. ويؤكد «أمين» أن المصرى القديم لاحظ عند قطف ثمارها أنها تفرز سائلاً أبيض اللون اعتبره اللبن الواهب للحياة، لافتاً إلى أن للجميزة ظلالا وافرة يستظل فيها من حرارة الشمس. وأوضح أن المصرى القديم ذكر فى أشعاره شجرة الميلاد بأنها ملتقى العشاق، ويوجه العاشقان حديثهما للشجرة باللغة المصرية القديمة: «نرجوك ألا تفشى سر التقائنا.. على فروعكِ أنا وحبيبتى لأهالينا»، وفى مقطوعة أخرى يقول: «إن النسيم حين يهب يتجه صوب الجميزة، وحين تأتين يا حبيبتى فإنك تتجهى صوبى». وأطلق المصرى القديم على الجميزة اسم «نهت»، والذى حُرّف فى العربية إلى نهى، كما يعنى اسم «سنوحى» الشهير أنه ابن شجرة الحياة. وتؤكد الدكتورة عزة سليمان، الباحثة فى علم المصريات، لـ«المصري لايت» أن طقوس احتفالات الكريسماس بدأت فى الحضارة المصرية القديمة، وكان الاحتفال بعيد ميلاد الإله أوزوريس يوم 25 من ديسمبر فى نفس التوقيت الذى يحتفل فيه المسيحيون بعيد ميلاد السيد المسيح، موضحة أن شجرة الميلاد كانت تمثل العمود الفقرى لأوزوريس والذى أطلق عليه اسم الجد. وتواصل حديثها: «فى سنة 275 ميلادية، غيّر الإمبراطور الرومانى هادريان شجرة أوزوريس مطلقا عليها اسم «شجرة هادريان» تخليداً له، كما فعل الأمر ذاته الإمبراطور دقلديانوس بكتابة اسمه على «شجرة الحياة». وفى الحضارة السومرية والبابلية، اعتبرت شجرة الحياة رمزاً للولادة والمعرفة، وقد بحث عنها كثيراً «جالجاميش» فى أسطورته الشهيرة، وغاص بحثاً عنها فى بحار العالم، لأن من يجدها يخلد ولا يموت وفقا لنصوص الملحمة. وبعد اعتراف قسطنطين بالمسيحية بدأت تتحول دلالات الشجرة لتصبح رمزاً لميلاد المسيح، وظلت بعض القبائل الوثنية فى ألمانيا فى القرون الوسطى فى عبادة إله الغابات والرعد، وكانوا يزينون الأشجار ويقدّم على إحداها ضحية بشرية. تنوعت الروايات حول الشجرة، ففى أوروبا تقول إحدى الروايات إن إضاءة الشجرة تعود إلى مارتن لوثر فى القرن السادس عشر، بينما تشير روايات أخرى إلى أن الشجرة لم تصبح حدثًا شائعًا، إلا مع إدخال الملكة شارلوت زوجة الملك جورج الثالث تزيين الشجرة إلى إنجلترا، ومنها انتشرت فى الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، وتحولت معها إلى صبغة مميزة لعيد الميلاد منتشرة فى جميع أنحاء العالم. ويؤكد مدير المركز الثقافى الإيطالى فى القاهرة باولو ساباتينى، لـ«المصري لايت» أنه رغم تنوع الروايات فى أوروبا حول أصل شجرة الميلاد إلا أن الجميع اتفق على أنها رمز للحياة، فالجميع كان ينظر إلى أن الخالق وهب العالم أجمل هدية وهى شجرة الحياة. ويشير إلى أن ربط أسطورة شجرة الميلاد بالحياة لها العديد من الدلالات، خاصة أن اللون الأخضر يشير إلى البعث، فهو مقترن بأسطورة منتصف الشتاء، والتى تقول إن باب الحياة يفتح فى هذا التوقيت الذى تظهر فيه الشجرة، ويغلق مرة أخرى فى فصل الصيف. ويتابع: «فى عصر النهضة انتشرت شجرة الميلاد فى الدول الإسكندنافية، وهى الدول التى تحوى التربة المناسبة لزراعتها، وانتشرت وقتها ترنيمة (شجرة الميلاد)- والتى تم تلحينها فى النمسا- فى جميع أنحاء أوروبا منذ ذلك التوقيت، وتقول كلماتها: (أيتها الشجرة.. أيتها الشجرة دائمة الخضرة.. أنتى رمز للحياة)». وعلى صعيد الاحتفالات، يلجأ أعداد كبيرة من المصريين منذ سنوات طويلة إلى التوجه نحو المتاجر المتخصصة فى بيع البضائع والمنتجات المتعلقة بيوم رأس السنة، حتى يزينوا بها منازلهم، وعلى رأسها شجرة عيد الميلاد، بدءا من شهر ديسمبر مرورًا بعيد الميلاد المجيد. ويتوافد المواطنون على شراء شجرة عيد الميلاد، التى أمست جزءا لا يتجزأ من احتفالات المسيحيين التى أصبح المسلمون يشاركونهم بها أيضًا سواء بوضعها فى منازلهم أو منحها كهدية للمسيحيين، مستخدمين إياها جميعًا كوسيلة للابتهاج بتزيين الشجرة والتقاط الصور بجوارها، ساعين إلى استقبال عام جديد مميز، وتظل التفاصيل المتعلقة بالسبب الحقيقى خلف الاتجاه نحو المتاجر وشراء الأشجار البلاستيكية مسألة محيرة. «لماذا نتجاهل شجرة عيد الميلاد الطبيعية ونوجه أعيننا نحو البلاستيكية؟».. يفسر المهندس جمال الخولى، المتخصص فى الأشجار بحديقة الأورمان، لـ«المصري لايت» ذلك الأمر بأن شجرة الكريسماس الطبيعية تلقى إقبالًا أقل من المباعة فى المحال، نظراً لأنها تحتاج إلى عناية خاصة وظروف مناخية ملائمة، مؤكدا أن هناك الطبقات الغنية التى تهتم بشراء «الطبيعية»، رغم أن المبالغ التى تباع بها هذه الأشجار ليست بالمرتفعة بل تماثل الأسعار ذاتها التى تباع بها الأشجار البلاستيكية. ويواصل: «الشجر البلاستيك يقبل عليه الناس نظراً لأنه لا يتضرر بالظروف المناخية ويمكث فى المنازل لأطول فترة ممكنة، والشجرة الطبيعية كان سعرها عام 2008 نحو 20 جنيها، وحاليا بـ100 جنيه أو أكثر قليلا». وتحتاج الأشجار الطبيعية إلى ظروف خاصة من أجل زراعتها، مع الاهتمام بالمناخ المحيط بها، بالإضافة إلى أنه على المشترى الاهتمام بثلاث أساسيات حتى تمتد حياتها لسنوات، وتتمثل فى: ضوء الشمس الموجه ناحيتها، والأسمدة متوسطة الأسعار، والمياه المتدفقة. ويتابع: «تزرع بذور شجرة الكريسماس فى ظروف ومعاملات خاصة، وتحتاج لأماكن رطبة فى مصر، مثل الإسماعيلية وبورسعيد والإسكندرية وأسوان، وتمر بمراحل عدة لكى تصل إلى مرحلة الاكتمال خاصة أن زراعتها تحتاج إلى 10 سنوات».
مشاركة :