منذ فترة شاهدت عرضاً كوميدياً من نوعية عروض stand up comedy، طرح خلاله الممثل نظرية لطيفة عن الفرق بين مخ الرجل ومخ المرأة. تتلخص النظرية في أن مخ الرجل يشبه حجرة مليئة بالصناديق المرتبة على أرفف، فهذا صندوق العمل، وذلك صندوق أصدقائه، بينما ذاك صندوق الأولاد، وهذا صندوق الزوجة، وأغرب الصناديق على الإطلاق هو صندوق "اللاشيء". وكلما أراد الرجل التعاطي مع موضوع أنزل صندوقه من على الرف وفتحه وانشغل به وبه فقط، بينما باقي الصناديق في مكانها البعيد المرتب على الأرفف. ويستطيع الرجل متى شاء إحضار صندوق "اللاشيء" وغمس رأسه فيه، وهنا يكون الرجل مرفوعاً من الخدمة تماماً. هذا عن مخ الرجل، أما مخ المرأة فهو أشبه بحجرة كابلات مقعدة، كلها توصل الإشارات لبعضها البعض، فنجدها عندما تشاهد المسلسل فهي تبكي على البطلة، بينما تنتقد فستانها، وتهتم بديكور المشهد، ولون الحوائط. حجرة الكابلات تلك تجعل المرأة تستطيع أن تقوم بعدة أعمال في ذات الوقت، فهي تكوي الملابس في نفس الوقت الذي تحل فيه واجب الحساب مع ابنتها، في نفس اللحظة التي تكون ترد فيها على التليفون، في نفس الوقت تراقب الفرن على صينية البطاطس، وترتب لخناقة مع زوجها عندما يعود؛ لأنه ترك كل الأضواء مضاءة قبل أن يخرج. هذه التركيبة المعقدة والمختلفة لمخ المرأة عن مخ الرجل غالباً ما تتسبب في الكثير من الصدامات الناتجة عن سوء الفهم، فمثلاً عندما يختلف الرجل والمرأة ويصلان لمرحلة الصدام، فإن مخ المرأة يرسل المئات من الإشارات من مختلف المناطق، وتستدعي عشرات وعشرات المواقف السابقة، ويكون منطقها هنا في النقاش بالجملة؛ حيث تحاسبه على هذه المئات من الخلافات السابقة، بينما الرجل قد استدعى صندوق الخلاف على الموقف الراهن ولا يناقش غيره، وهنا ترى المرأة الرجل كثير الأخطاء، وكائناً لا مبالٍ بعظم الموقف، بينما الرجل يقف أمامها حائراً لا يفهم سر المبالغة في ردة فعلها؛ بل ويستغرب شحنة الغضب والغيظ التي استحضرتها المرأة ولا يفهم لها سبباً. شاهدت العرض واستمتعت به كثيراً، وكنت أظن أني نسيته حتى قرأت مقالاً علمياً عن الفرق بين مخ الرجل ومخ المرأة وهالتني الحقائق. فبالرغم من أن الشكل الخارجي لمخ الرجل ومخ المرأة قد يتطابقان ظاهرياً، فإن التفاصيل تجعلهما مختلفين بالكلية، لدرجة أن سؤالاً مثل: (هل مخ الرجل أكفأ أم مخ المرأة؟) يشبه حينها لو سألنا: (هل القطار أسرع أم الفيل أثقل؟)، بمعنى أنه سؤال غير ذي مضمون. بداية مخ الرجل يزن بالتقريب 1700 غرام، أي بما يزيد عن مخ المرأة بـ100 غرام، والذي يزن بالمتوسط حوالي 1600 غرام، بزيادة حوالي 11 إلى 12%، بينما يزيد حجم الجمجمة في المتوسط بحوالي 2%. وقبل أن نسمع صيحات التهليل من القراء الرجال وتصدعنا عبارة أن الرجل أذكى، يجب أن نعلم أن المنطقة الرمادية في المخ والمسؤولة عن الذكاء والتفكير في المخين هي تقريباً واحدة. لكن طريقة عمل مخ الرجل تختلف تماماً عن طريقة عمل مخ المرأة، وفعلاً مخ الرجل أشبه بغرف منفصلة مخصصة لأعمال منفصلة، فهذه غرفة الأصحاب وغرفة العمل وغرفة المقهى، وإذا أراد الرجل عمل شيء دخل غرفته وانفصل عن باقي الغرف، بالتالي لا يبرع الرجال في أداء عملَين في نفس اللحظة، بل إنه يأخذ وقتاً حتى يستطيع الانتقال من عمل إلى آخر. بينما نجد أن التفريعات والتشابكات للخلايا العصبية داخل مخ المرأة أقوى، نتيجة لقربها، فيعمل مخ المرأة بطريقة الشبكة؛ حيث ترتبط الخلايا العصبية ببعضها بشكل أسرع، مما يؤهلها للقيام بأكثر من عمل في نفس الوقت. وبينما نجد أن المنطقة البيضاء في مخ الرجل أكبر منها في مخ المرأة، مما يمنح الرجل القدرة على معرفة الاتجاهات ومعرفة الشوارع والأماكن، وتجعله يبرع في الرياضيات. نجد أن منطقة "بروكا" و"فيرنيك" والموجودتين في الفصين الأمامي والجانبي لدى المرأة أكبر من الموجودة لدى الرجل، مما يمنح المرأة براعة في معرفة اللغات، ويفسر حبها لـ"الرغي". وكما نعرف، فإن المخ البشري يتكون من فصين أيمن وأيسر، يربط بينهما جسر "corpus callosum" هذا الجسر أعرض في مخ المرأة عن مخ الرجل، مما يعطيها كفاءة في نقل الإشارات بين الفصين، ويعزز قدرتها على ملاحظة التفاصيل، فالرجل بالطبع لن يأخذ باله من الشعرة الشقراء على كتف زوجته، ولن يلحظ نظرتها الجانبية لفلان أو علان، بينما مخ المرأة يلتقط التفاصيل ويربطها بالذاكرة بمنتهى السلاسة. ومن المهم هنا أن نشير لمنطقة Orbito frontal amygdale: تبين أن حجم منطقة القشرة المخية الموجودة في الفص الأمامي خلف تجويف العين له علاقة بالعواطف والانفعالات، والتحكم فيهما والسيطرة عليهما بالمقارنة بحجم لوزة المخ Amygdala، وقد تبين أن النساء لديهن هذه المنطقة أكبر منها في الرجال، وبالتالي استنتج العلماء من ذلك أن النساء (في الغالب) يستطِعن التحكم في انفعالاتهن وعواطفهن أكثر من الرجال، أما الرجل فبمجرد إعجابه بامرأة مثلاً، فإنه يكون أكثر اندفاعاً للتعبير عما يشعر به؛ لذا يطلق عليه «عينه زايغة». حجم الجهاز الحافي أو الوجداني Limbic system size: النساء بشكل عام لديهن جهاز وجداني أعمق من الرجال، مما يجعل النساء أكثر عاطفية وأكثر إخلاصاً لمن تحب سواء زوج أو أولاد، لكنه يجعلها أيضاً أكثر عرضة للاكتئاب، ولقد أشارت الدراسات إلى أن عدد النساء اللاتي يملن للانتحار يبلغ 3 أمثال عدد الرجال الذين يميلون للانتحار، لكن ويا لَلمفارقة فإن عدد الرجال الذين ينجحون بالانتحار يبلغ 3 أضعاف عدد النساء. نأتي أخيراً للمعضلة التي طالما لم تفهمها النساء من آدم عليه السلام وحتى يرث الله الأرض ومَن عليها، وهي غرفة "اللاشيء" التي يملكها الرجل. فقد أثبتت مجموعة من الدراسات التي أجريت في جامعة بنسلفانيا أن مخ المرأة لا يتوقف بتاتاً عن العمل وإرسال الإشارات، بينما للرجل القدرة على أن يقضي ساعات داخل غرفة "اللاشيء" الموجودة داخل مخه، وعندها يتوقف المخ عن إصدار الإشارات، ويكون الرجل صادقاً عندما تسأله زوجته: بتفكر في إيه؟ فيرد صادقاً: لا شيء. وحيث إن المرأة ذات مخ مختلف لا يعرف "الفصل"، فهي بالطبع لن تصدقه، وقد تعيد السؤال: لأ بجد.. بتفكر في إيه؟ وستظل تسأل السؤال إلى يوم القيامة، وستظل الإجابة واحدة (لا شيء)، وستظل لا تصدقه وتتهمه عشرات الاتهامات، بينما يرسل مخها ملايين الإشارات للبحث عن إجابة. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :