"لا أحد يعرف عن القطط الفارسية" يستكشف طهران أخرى

  • 1/6/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

مشاهدة فيلم إيراني بعد سنوات من إنتاجه لا يُفسد روعة متعة الفرجة، وتظل الدهشة حية وسنشعر بهذه العبارة ونحن نشاهد فيلم "القطط الفارسية" للمخرج بهمن قبادي، وهو مزيج بين الدرامي والوثائقي، حيث جازف المخرج في عام 2009 بتصويره سرا ودون ترخيص ولمدة 17 يوما تنتقل بناء كاميرا خائفة لتصوير الخوف. موضوع الفيلم يدور حول شاب وصديقته يخرجان من السجن بسبب حبهما للموسيقى ويقرران تكوين فرقة موسيقية والخروج من إيران للمشاركة بعدة عروض ومهرجان في بريطانيا وفرنسا وترك البلد إلى غير رجعة. في مزرعة بعيدة من طهران حيث الأبقار، يتقاسم الشباب هذه الحظيرة لممارسة هوايتهم الموسيقية، وفي السراديب والعمارات المهجورة، في جمهورية الملالي، يتفنن الشباب في التخفي لمواصلة الحياة الموسيقىية، كل الموسيقى الغربية ممنوعة ويصعب الحصول على ترخيص لتكوين فرقة أو اقامة عرض أو تسجيل أسطوانة، الشرطة لا ترحم والقضاء لا يتسامح مع هذا النوع من النشاطات التي تصنف في خانة الجرائم وتكون العقوبات غرامات مالية كبيرة وكذلك السجن والتعزير. الفيلم يرحب بكم في بلد يصنف الفن بأنه مؤامرة، فيلم "القطط الفارسية"، درامي وثائقي، الجميع في هذا الفيلم يلعب ويعيد تصوير حياته وعرضها وهو يرتعد من الخوف، ننتقل مع نيجار وأشكان، في دهاليز طهران وتحت الأرض وأماكن يصعب أن نتخيلها، يتم تغطية جدران غرفة على السطح بالبطانيات والكراتين لتخفيف ضجيج الصوت، ويتم مراقبة خروج الجار وتظل مشكلة الطفل الذي كلما شعر بالملل على الجانب الآخر من الجدار يسرع باستدعاء الشرطة في أي وقت. المرأة ليس لها الحق في الغناء وحدها، لأن هذا يصنف فتنةً وفسادا ورغم هذه القبضة الحديدية وقسوة السياط نكتشف وجود شباب يعشقون الفن وينتجون ألبوماتهم وأغانيهم سرا ويوزعونها ويقيمون عروضهم بسرية تامة، وقد يتم القبض عليهم ويساقون إلى السجون ثم يخرجون ويعودون لفنهم وهكذا تعيش هذه القطط في رعب لا ينتهي. نيجار، هذه الفتاة مقتنعة تماما أن الحياة الفنية مستحيلة في إيران ولا توجد حرية التعبير في هذا البلد لذلك تبدو متوترة، وتعمل مع رفيقها أشكان لتكوين فرقتهم وسرعة مغادرة البلد بأي وسيلة والباب الوحيد شراء جوازات سفر مزورة لتطير مع فرقتها إلى أي مكان آخر. تخوض مهمة محفوفة بالمخاطر مع العثور على أعضاء أشكان لاستكمال الفرقة. في الشوارع المزدحمة وأوكار سرية نستكشف تدريجيا، مدينة أخرى، كتحد للديكتاتورية تعلو موسيقى البوب وأغاني الراب، يزج بنا المخرج في مناخات يختلط فيها المزيج الشعري والتوتر الدرامي وهذه الحوارات السيريالية، في مشهد لم يُسمح فيها للكاميرا بالحضور نراها تتلصص من خلف الباب، وتنقل لنا ما يحدث بين ضابط شرطة ونادر بعد القبض عليه وبحوزته أفلام غربية وزجاجة ويسكي ويضطر المشتبه به للقسم وتقبيل يد الضابط ليخفف الغرامة المالية. بهمن قبادي يلتقط لحظات كثيرة كوميدية من هذه الحيل كأننا مع لعبة دائمة من الغميضة، "القطط الفارسية" ولدت من الغضب واليأس والخوف والبؤس، الفيلم يحتفل ويكرم هذا الجيل المفقود وهذه المواهب الفنية التي تجازف بحياتها، وهم لا يجهلون التهديدات والترهيب. يهتف مغني الراب من على سطح مبنى قيد الإنشاء ويغني ليعبر عن البؤساء في الشوارع والذين يحسون أنفسهم مجرد نفايات لا يشعر بها هذا النظام الأعمى، تهطل مئات اللقطات وتجري بنا لنلامس ونحسُّ بالبؤس والألم اليومي لفقراء وأطفال يفترشون المعاناة ويلتحفون بالجوع. وتقودنا هذه الصور للغوص في واقع لا تراه قنوات إعلام الدولة الإسلامية التي تطلق على نفسها وحكامها مئات الألقاب المقرونة بالحكمة والعدل والله. هذا الفيلم ليس مجرد رحلة مرعبة تصور واقع محبي وهواة الموسيقى والفن، يذهب أبعد من ذلك ليعرض الألم الإنساني عندما يتم كبت وحرمان الإنسان ومصادر فكره ومشاعره وفرض أنماط حياتية يحددها النظام ويدعي أنها من الدين، كذلك يلقننا المخرج السينمائي الإيراني بهمن قبادي، درسا بليغا لنكتشف سحر السينما وقوتها التعبيرية وبلاغتها الصادمة.

مشاركة :