صحراء مليحة.. «سفاري» عبر رمال التاريخ

  • 1/7/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

أمل سرور هنالك فقط على تلك البقعة الساحرة من الإمارة الباسمة تستطيع أن تتصفح كتاباً مملوءاً بالأسرار، يحمل بين أوراقه القديمة ثقافة منطقة مليحة التي تُعد من أهم المواقع الأثرية ليس في إمارة الشارقة فحسب بل في جنوب شرق شبه الجزيرة العربية. هناك على بُعد ‬20 كيلومتراً جنوبي مدينة الذيد، ومسافة ‬50 كيلومتراً شرقي مدينة الشارقة، تتجول بين الجبال بمنحدراتها المتنوعة وتستسلم لهدوئها وسكينتها، لتعلنها صراحة بأنك ركبت الصحراء وغزوت عالمها، لتحلق فوق كثبانها ومنخفضاتها الرملية، وتطلق العنان لقدميك للسير في وديانها الصغيرة الضيقة. تستطيع هناك أن تعيش في العصر الجليدي والبدائي وتتنقل عبر الحديدي والبرونزي وتغوص في أعماق ما قبل الإسلام، لترى بعينيك الوثائق المكتوبة على الطوب والفخار والنحاس والحجر، وربما تستطيع أن تفك شفرات الكتابة الآرامية. إلى صحراء مليحة ذهبت، وإلى كثبانها ومنحدراتها الرملية هرولت، لأنقل عبر السطور المقبلة تفاصيل مغامرة سفاري فريدة من نوعها.. 45 دقيقة هو الوقت الذي قطعته سيارتنا للوصول إلى مركز مليحة للآثار، مسافة زمنية كفيلة بأن تجعلني أشرد بذهني وأستسلم لطبيعة الشارقة الخلابة. ها هو طريق الذيد الذي يبدو ممتعاً لناظريه، نسمة هواء رقيقة تتسرب لوجهي من شباك النافذة، وسطور التاريخ تداعب مخيلتي لتعود بي إلى القرن الثالث قبل الميلاد، تلك الفترة التي ازدهرت فيها مملكة مليحة، والتي تعود إلى بداية تأسيسها والمعروفة بالهلنستية التي توسعت وازدهرت فيها حتى القرن الرابع الميلادي. مهمة وتاريخية وأسطورية أيضاً تلك المنطقة التي جرت فيها التنقيبات على قدم وساق منذ بداية السبعينات من القرن الماضي، التي كشفت عن وجود مدينة ضخمة تضم أبنية إدارية وحصوناً كبيرة، ومدافن تذكارية وحارات سكنية ومقابر دفنت فيها الجمال والخيول إلى جانب أصحابها وسُكّت عملتها المحلية فيها. أفقت من حالتي لأجد عيني تنظر بشغف للطبيعة الصحراوية التي أعلنت قرب الوصول إلى منطقة مليحة، أتأمل تلك الصلبة الشامخة التي استطاع الإنسان أن يروضها ويحول رمالها الملساء ذهباً يلمع عبر الدروب، لم يكن أحد يصدق أن تلك الموحشة تخفي وراءها كثيراً من المعجزات والأساطير، وأن جبالها وكثبانها تخفي تاريخاً تشرف به الإمارة الباسمة. رائحة التاريخ ها هي بوابة مركز مليحة للآثار تلوح لنا من بعيد معلنة وصولنا إلى هدفنا المنشود، وها هي الصحراء بأزيز رياحها تحتضن المركز الذي تستطيع أن تشم بسهولة رائحة التاريخ وأنت تقف على أعتابه. محمود راشد بن ديماس السويدي، المدير العام لمشروع السياحة الأثرية والبيئية في مليحة، استقبلنا بترحاب ومودة، وقبل أن ننطلق في رحلتنا عبر دروب الصحراء، كان لا بد أن نتجول سريعاً مع بعض من الأفواج السياحية التي جاءت خصيصاً لزيارة ذلك المشروع الأثري، والقيام برحلة السفاري في ختام الجولة. اصطحبنا السويدي في جولة سريعة داخل أروقة المركز لنشهد العديد من الآثار التي توثق لمرور مليحة بعصور مختلفة من البدائي للحديدي مروراً بالبرونزي وما قبل الإسلام، لنرى العديد من الفخاريات والبضائع من وادي الرافدين وشمال الجزيرة العربية واليمن وجزيرة رودس الإغريقية وكذلك من رومانية وأختام من مصر، وشهدنا الكثير من الصور المجسمة لأبنية مدنية ومقابر خصصت للبشر، ومدافن خصصت للجمال والخيول وهي أقدم من الناحية المعمارية من المقابر التي اكتشفت مدائن صالح وكذلك في موقع الفاو في المملكة العربية السعودية أو البتراء في الأردن. الجمال الأسطوري وها هي اللحظة حانت لننطلق عبر سيارات الدفع الرباعي إلى عالم الصحراء، لا يمكن للقلم أن يصف كل هذا الجمال الأسطوري الذي تتمتع به مليحة، إلى يمينك الجبال بصلادتها وشموخها، وإلى يسارك الكثبان الرملية بلونها الحاد الاصفرار ورمالها الناعمة التي تخطف العقول والأبصار. حالة من الصمت سادت الأجواء لم يقطعها سوى صوت العدسات التي راحت توثق لذرات الرمال، وآهات الإعجاب بذاك السكون، وبعض من أصوات الهلع نتاج ما يفعله السائق بنا فوق الكثبان الرملية التي نتدحرج مع حركتها. القلم يعجز عن وصف ذاك المشهد الخلاب لصخور تنافس الحُليّ في إبداعها، عندما تتأمل تلك الكثبان الرملية بتدرجاتها وباصفرارها، لا محالة ينتابك إحساس بأن شموخها وقوتها جعلا منها شاهداً على حكمة الصحراء التي لا تنتهي. رحلة عليك أن تضع قلبك في ثلاجة، كما يقولون، قبل خوضها، فبقدر المتعة في السير والجري بالسيارة فوق كثبان مليحة الصفراء، بقدر الرهبة التي يمكن أن تصيبك حين تشعر بأنك فوق الرمال بعدها تهبط بك السيارة بشكل مفاجئ إلى أسفل الكثبان. دانيال لومينو قرر أن يحط بقدميه على أرض الصخرة الأحفورية الكبرى التي توقفت عندها السيارة لنلتقط بعضاً من الأنفاس، اقتربت منه لأسأله عن انطباعه فقال على الفور: متعة لا توصف، إنها من الرحلات الأسطورية التي يمكن للإنسان القيام بها في حياته. قاطعنا السائق الذي سكب بعضاً من المياه على جزء من الصخرة الأحفورية لنفاجأ جميعاً بأنها تحمل أشكالاً بحرية متعددة. صوت ليليانا مورسيون، الهولندية الجنسية والمهتمة بعالم الآثار، جاء شارحاً لنا حين قالت: منذ ملايين السنوات اصطدمت الجبال ببعضها فما كان من هذا الاصطدام إلا خروج الأحفورية الكبرى من قاع البحر لتستقر في قلب الصحراء، هكذا فسرت لنا الحفريات البحرية والصدف الكثير المنتشر في الصخرة الكبرى لتختم حديثها بأنها ستكرر تلك الرحلة حين تزور الشارقة في عطلاتها السنوية لأنها ببساطة رحلة لا تنسى. صخرة الجمل نواصل مسيرة مغامراتنا مع السائق الذي راح يتلذذ بصرخات الإعجاب التي ملأت الأجواء، وراح يقود سيارته بشكل شديد الاحتراف على الكثبان الرملية، وها نحن نقف أمام صخرة الجمل التي حملت اسمها نظراً لعوامل التعرية التي جعلت من ينظر إليها يراها على هيئة جمل، وها هم الزائرون من كل صوب وحدب ينتشرون حولها، ليلتقطوا بعضاً من الصور التذكارية التي توثق لرحلاتهم عبر دروب الصحراء. رونالدو موجينتو يجلس فوق الكثبان الرملية في الهواء الطلق ويقول: صحراء مليحة لا تزال تخفي كثيراً من الأساطير، وأنا جئت خصيصاً لهذا المكان لأشهد تلك المنطقة التاريخية، ولم أتردد لحظة في القيام بتلك الرحلة خصوصاً حين سمعت من مرافقنا في الفندق أنها منطقة تضم الكثير من الآثار التي تنتمي إلى عصور ما قبل الميلاد، ولأنني مهتم كثيراً بهذا العالم، قررت أن أزورها، والحقيقة أن المكان أبهرني وأحسست أنني لا أريد أن أفارقه واستمتعت للغاية بزيارتي لمركز مليحة الذي أفادني كثيراً، وكانت المفاجأة المذهلة بالنسبة لي هي القيام برحلة سفاري وسط الكثبان الرملية، وهي بالفعل أسطورية ومميزة وشديدة التنظيم. كانت لحظة الغروب على وشك الوصول إلينا، عندما تحرك سائقنا بسرعة مذهلة لكي تلحق بها عدساتنا من أعلى مكان فوق كثبان مليحة، والحقيقة أن كل عبارات الوصف ترحل بعيداً مع رحيل ذلك القرص الذهبي الذي يودعنا غارقاً محتضناً الرمال الصفراء. محمود السويدي: ترسيخ لرؤية الشارقة السياحية محمود راشد السويدي، مدير مليحة للسياحة البيئية والأثرية، يقول: تمثل مليحة كنزاً تاريخياً وسياحياً لا يضاهى؛ فهي منطقة مليئة بالعناصر والمكونات التي تخوّلها لأن تكون محطّة أساسية لمحبي الحياة البرية، والمهتمّين بالسياحة البيئية، الذين يبحثون عن تجربة فريدة ضمن مكان أصيل، نقشت معالمه في صفحات التاريخ؛ إذ تلتقي المتعة والترفيه مع الإرث المحفور منذ آلاف السنين في تجربة لا تتكرر ضمن مكان ذي طبيعة نادرة. وعن أهمية مشروع مليحة الأثري والسياحي يوضح السويدي، قائلاً : يعتبر نقطة ارتكاز جديدة ضمن رؤية وإستراتيجية هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير لتعزيز التأثير الإيجابي للمشاريع التنموية على المجتمع والاقتصاد والبيئة في الإمارة عبر استقطاب الاستثمارات للمنطقتين الوسطى والشرقية وتوفير فرص العمل وإبراز المقومات السياحية والتاريخية لإمارة الشارقة ولدولة الإمارات من خلال التعريف بالتراث الأثري والثقافي الغني للمنطقة الذي سيعمل على جذب الزوار المحبين للحياة الطبيعية والمناطق الأثرية إليها، بل ويعزز مشروع مليحة للسياحة البيئية والأثرية خطط تنويع المنتج السياحي في إمارة الشارقة ويقدم للزوار وجهة سياحية جديدة وفريدة من نوعها، مما يساهم في ترسيخ مكانة الإمارة المتقدمة في مجال السياحة البيئية وسياحة المواقع الأثرية وسيساهم في تحقيق رؤية الشارقة السياحية 2021. ويؤكد قائلاً:نجح المشروع بالفعل في أن يكون وجهة سياحية ذات طبيعة خلابة تضم منشآت سياحية وترفيهية تجذب أعداداً متزايدة من الزوار خصوصاً عشاق السياحة البيئية.

مشاركة :