السيرة الذاتية للكاتب.. امرأة حاضرة وأخرى غائبة

  • 1/7/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

حينما كتبت ليلى الجهني في أربعون في معنى أن أكبر: (عندما أفكر في الأمر بطريقتي التي تعرفها، أشعر بغرابة تجاه فكرة أنني تزوجتك، لغرابتي وليس لغرابة الفكرة نفسها، ولا لغرابتك لكن الفكرة تغدو مقبولة ومبهجة عندما ألتفت فألمح وجهك. أفكر في أنك تنظر إلي فترى ما أنا عليه فلا تجهد نفسك كي تغيره) وعلى الرغم أن الجهني هنا لم تكتب عن زوجها في سيرة ذاتية بل في كتاب يشبهها إلا أنها كتبت عن زوجها في حين لا يفضل الكثير من الكتاب الكتابة عن زوجاتهم في سيرهم الذاتية كجزء من تلك السيرة الممتدة، وجزء أساسي في التجربة الإنسانية التي عاشوها بخلاف السير الذاتية الغربية منها خاصة الفرنسية والتي يكتب فيها الكاتب معلوماته الشخصية ولا ينسى أن يذكر اسم زوجته وماذا تعمل إن كانت تعمل وأموراً أخرى وكأن المرأة جزء أساسي من تلك السيرة الذاتية.. وبرغم أن الحديث هنا عن غياب المرأة في السير الذاتية للكتّاب العرب إلا أنه يبدو بأن الكاتب في مجتمعاتنا العربية لا يبعتد عن الحديث عن ذكر زوجته في سيرته الذاتية فقط بل إنه يفضل -أيضا- حينما يكتب رواية أن تكون تلك البطلة هي حبيبة فتغيب الزوجة وكأنه ليس للزوجة مكان في عالم عشقه.. وكأن الكاتب برغم انتسابه إلى منطقة الثقافة والفكر يبقى ابن مجتمعه الذي يترك المرأة خلف ظهر الرجل حتى إن كانت هي من أتت به إلى العالم.. فيبقى مثقفاً، متحرر الفكر، منطلقاً، مصنفاً نفسه من كائنات التذوق والجمال وحب الحرية واحترام المرأة.. في حين يختلف ذلك حينما تقترب تلك الثقافة من زوجته... فتضيع المرأة خلف تلك الهوجة.. ولا السيرة الذاتية للكاتب أنصفتها. ولا إيمان الكاتب بالوجود أوجدها بجواره.. فلماذا تغيب المرأة في كتابة السيرة الذاتية للكتاب الذكور؟ في حين تفضل دوماً المرأة الكاتبة أن تأتي بكل ما يتعلق بعالم الرجل الذي تتزوج منه؟ الكتابة عن المستحيل: يقول محمد العثيم -الكاتب والناقد المسرحي- بأن غياب ذكر المرأة في السيرة الذاتية للرجل يعود إلى الثقافة ذاتها الموجودة في المجتمع فالمرأة حكم عليها أن تبقى في الظل على الرغم من أن البعض من المثقفين أصبح يشكر زوجته وأبناءه بشكل علني خصوصاً في الكتب فيذكر بأن زوجته قدمت له الدعم ولكن مع الأسف الشديد لا يقدم المرأة بالشكل الحقيقي فتلك ثقافة متجذرة وهي مثل الحديث عن المستحيل، فحينما يرتبط الرجل بعلاقة جيدة مع زوجته فحتى مع تلك العلاقة الجيدة فإنه يفضل أن يغيّب زوجته في الحديث ومن خلال سيرته الذاتية، فهي ثقافة متجذرة وكأننا في قرون مضت فالمجتمعات الأخرى تقدمت بخلافنا، حتى إن ذلك دفع بالمرأة إلى محاولة الخروج من ذلك الضغط ومحاولة أن تكتسح الساحة بأعمالها الخاصة التي أصبحت تبدع فيها بعيداً عن الرجل، فالمرأة لم يكن وضعها في الزمن السابق كما هو وضعها في وقتنا الراهن من محاولة التغير. أما فيما يتعلق بالمثقف وبأنه لا يكتب عن زوجته في سيرته الذاتية فللأسف أن المثقف أسوأ التقليديين فيتمسك بالبشت، وبالبستريج ويضع لنفسه برجاً عالياً وهؤلاء كثر في الأندية الأدبية وغيرها يضعون لأنفسهم سوراً حتى لا يخترقوا، فحينما يكون هذا هو المثقف وثقافته لا تدفع إلى التنوير والانفتاح فتلك الثقافة لا قيمة لها، فالمثقف لدينا منفصل عن كل شيء في الحياة فهو لم يدخل حياته ولا ثقافته الحقيقية. أما عن الثقافات الغربية وخاصة الفرنسية فالتعامل مع المرأة يختلف كثيراً فالمرأة هناك تخرج مع زوجها وتحضر معه المناسبات العديدة والفعاليات والحفلات وذلك ما لا يحدث لدينا فالمثقف يضع الستار على زوجته حتى لا يفضل كثيراً أن ترافقه في تلك المحافل فيفضل أن تبقى بعيداً عن محيطه أما ما أصبح يحدث من مرافقة المثقف لزوجته في مناسبات مختلفة في جمعيات الثقافة والفنون فإن ذلك لم يحدث إلا مؤخراً ويحدث بشكل محدود جداً فالمثقف مكون للمجتمع ولا يمكن أن يكون غربياً في تصرفه بل إنه ابن هذا النتاج والمجتمع ومازال منقاداً له برغم تلك الثقافة وما يدل على ذلك أن الكثير من المثقفين والكتّاب حينما تُجرى معه مقابلة أو حوار فيطلب منه أن يتم اللقاء بزوجته للحديث عنه في محيط البيت والأسرة من خلال عادته فإنه يرفض، وكذلك ما يحدث في المقابلات التلفزيونية فالكاتب يخرج في تلك المقابلة في منزله وتشعر بأن البيت فارغ أو يجلس وخلفه ستارة وربما فضل أن يظهر حديقة منزله والجماليات الموجودة في المنزل إلا أنه ربما لا يفضل حتى أن يخرج مع أحد من أطفاله وذلك يدلل على خلفيته ونظرته تجاه مفهوم المرأة والأسرة. وأشار -العثيم- إلى أن المرأة أكثر إبرازاً للرجل في سيرها الذاتية من الرجل بخلاف الرجل الذي حينما يكتب رواية لا نعرف أين زوجته فإما أن يكتب عن حبيبته أو عشيقته في حين تغيب الزوجة في الرواية، بخلاف الكاتبات مثل ليلى الجهني التي تحدثت عن تجربة الرجل في حياتها، فالحالة الاجتماعية هي من وضعت الرجل في ذلك الموقف من المرأة فحينما يسير في الأسواق فالزوجة خلفه فتلك ثقافة اجتماعية ليس بالسهولة أن تنتهي، فالرجل اليوم أصبح يخرج بمفرده والمرأة تخرج بمفرها فهناك انفصال روحي ملحوظ في تلك العلاقة فيكف يكتب الرجل عن زوجته في سيرته الذاتية؟ فالمرأة ذاتها هي من تكرس تلك الثقافة من خلال تفرقتها في التربية بين الصبي والفتاة فتربي الصبي على أنه مقدم على الفتاة حتى إن كان أصغر سناً من أخته وتلك هي الثقافة المجتمعية. الخروج من الإطار: يقول الدكتور أبوبكر باقادر -أستاذ علم الاجتماع والانثروبولوجيا- بأن المرأة في الثقافة العربية تدخل ضمن الشؤون الداخلية الحميمة ويتردد العديد من الأشخاص في الحديث عنها باعتبارها شأناً خاصاً حميمياً وأسرياً، ومن الممكن أن يكون البعض بالغ في ذلك إلا أنه بشكل عام تميل الإناث للحديث عن الرجل الذي يوجد في حياتهن فيكتبن عنه في تلك السير بخلاف الرجل الذي يفضل أن تبقى هذه الحياة في إطار الحميمية الخاصة إلا أن ذلك لا يمنع من وجود طفرات فردية خاصة بأن المرأة بدأت تكتب عن سيرتها الذاتية منهم غادة السمان والتي نشرت عن حياتها الخاصة مع الرجل وما نلاحظه من ردود الفعل عبر قنوات التواصل والتي تؤكد على طبيعة المجتمع التي يضع ذلك ضمن الخروج عن الحياة الاجتماعية الخاصة ويمكن تفسير ذلك بأن من يكتب عن المرأة في سيرته الذاتية إنما هو خرج عن أعراف المجتمع التقليدية. ونعتقد أننا سنشهد خلال الأعوام القادمة تغيراً في وضع المرأة من خلال الحياة التي تعيشها لأن المرأة تغيرت بشكل عام في المجتمعات العربية والأمر هنا معكوس فكان هناك في الماضي القديم تبجيل للمرأة من خلال بعض المواقف التي كان لها دور كبير فيها فتوجد كتب عديدة تسجل سير الشخصيات الإسلامية وحينما نتأملها نجد في القرون الأولى كتب عن الصحابيات والتابعيات حتى إننا نعرف تلك الشخصيات القديمة من النساء أكثر من معرفتنا بالسيدات في الوقت الراهن إلا في مجالات محددة كالمجال السياسي وهي شخصيات نادرة، فذلك جزء من الثقافة التاريخية التي تعيشها مجتمعاتنا إن المجتمعات الغربية وتعاطيها مع المرأة باعتبارها جزءاً من السيرة الذاتية للكاتب يعود ذلك إلى اختلاف الثقافة فالمرأة هناك يقدر لها بأنها دعمت زوجها ووقفت بجواره أو نجحت معه فالرجل لا يشعر بالندية نحوها، في حين يختلف ذلك تماماً في عالمنا العربي فيبدو أننا بحاجة لمزيد من الوقت حتى يتعرف الرجل على الجهود التي تقوم بها المرأة بالشكل الحقيقي وذلك لن يأتي إلا بتغير الثقافة الاجتماعية التي تدفع الرجل للحديث عن المرأة في سيره الذاتية باعتبارها جزءاً من تلك السيرة، فحينما ننظر إلى تواريخ كتب المدن نجد ذكر عشرات الأشخاص الذكور ولكن يقل عدد الإناث ويصبح كأنه استثناء على الرغم بأنه في العصر القديم كان هناك فقيهات وعالمات وشخصيات عامة ولكن لم يأتِ الكتّاب على ذكرهن في كتب السير. أما فيما يتعلق بالمثقفين على اعتبارهم خارج دائرة التقليد وبأنهم من النخبة المثقفة فنحن نتمنى فيما لو كان ذلك حقيقة ولكن للأسف المثقف نتاج المجتمع وهو يعكس المجتمع وما نلاحظه هو تغير واضح جداً في الرسالة والوظيفة والأدوار التي يقومون بها ممن يحظون بقدر عالٍ من التعليم والثقافة والتجربة فأصبحوا ينتظرون الثناء على قدراتهم من الذكور والإناث. محمد العثيم:المثقف أسوأ التقليديين الذين يضعون حولهم سوراً لا يُخترق في علاقتهم بالمرأة ليلى الجهني

مشاركة :