وجه أيمن الظواهري، زعيم تنظيم «القاعدة» المتطرف، انتقادات شديدة لـ«أبو بكر البغدادي» زعيم «داعش» الإرهابي، على خلفية اتهام البغدادي للظواهري بمدح الرئيس المصري المعزول محمد مرسي والترحيب بالمسيحيين كشركاء في الحكم، وعدم تكفير الشيعة التي تهاجم المساجد. وقال تقرير مصري أمس، إن «رسالة الظواهري لـ(داعش) تؤكد استمرار صراعهما لإثبات الجدارة في سفك الدماء». وتتوتر العلاقة بشكل دائم بين «القاعدة» و«داعش»، منذ صعود الأخير لقمة هرم التنظيمات الإرهابية الأكثر تطرفا في العالم. واتهم زعيم تنظيم القاعدة في رسالة صوتية بثت على الإنترنت مساء أول من أمس، زعيم تنظيم داعش البغدادي بالكذب والافتراء على «القاعدة» لتشويه صورتها. وأكد الظواهري في رسالته أن الأولوية يجب أن تكون لضرب أميركا. ويرى مراقبون أن «رسالة الظواهري تهدف لجذب المتطرفين من منافسه الأقوى (داعش) التنظيم الأكثر انتشارا بين التنظيمات الإرهابية، بعد تراجع زعامة تنظيم القاعدة في السنوات الأخيرة». من جانبها، وفي تعليقها على رسالة الظواهري للبغدادي، قالت دار الإفتاء المصرية في تقرير لها أمس، إن «الرسالة تعكس تعطش وتسابق التنظيمين الإرهابيين «داعش والقاعدة» لحصد مزيد من إراقة وسفك الدماء، في إطار سعيهما الدءوب لنشر الدمار والخراب في كل مكان بالعالم، وصراعهما على نسبة العمليات الإجرامية لكل منهما». وتشكل هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001 في نيويورك وواشنطن، المحطة الأبرز في عُمر تنظيم «القاعدة». وعقب مقتل مؤسس «القاعدة» أسامة بن لادن، في عملية للقوات الخاصة الأميركية في باكستان في مايو (أيار) عام 2011، وجد تنظيم «القاعدة» نفسه مضطرا للتأقلم مع صعود نجم تنظيم داعش الذي بات يتصدر التهديد المتطرف في العالم. وقال الظواهري، في رسالته التي تم بثها عبر الإنترنت مساء الخميس، وعنوانها «رسالتنا لأمتنا... لغير الله لن نركع»، إنه «قامت على (المجاهدين) - ومنهم جماعة قاعدة الجهاد - حملة تشويه وتخويف وتنفير، وكان ممن شارك في هذه الحملة للأسف كذابو أبو بكر البغدادي»، مضيفا أن «من يكذب علينا زعم أننا لا نكفر بالطاغوت، ونلهث خلف الأكثرية، ونمدح الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، ونصفه بأنه أمل الأمة وبطل من أبطالها؛ بل وتمادوا (أي الدواعش) وزعموا أني أدعو لأن يكون المسيحيون شركاء في الحكم». وعُزل مرسي عن السلطة إثر انتفاضة شعبية ضد حكم جماعة «الإخوان» الإرهابية في يوليو (تموز) عام 2013. ومنذ ذلك الحين وتشهد مصر عمليات إرهابية من وقت لآخر ضد الشرطة والجيش والمدنيين، وتبنت تنظيمات مثل «داعش» و«أنصار بيت المقدس» وحركات أخرى مسؤوليتها عن هذه الاستهدافات. ويشار إلى أن نشاط «القاعدة» اقتصر خلال الأعوام الماضية على هجمات دولية محدودة وتعزيز نفوذه في بعض أرجاء اليمن وسوريا، في المقابل حقق «داعش» عدوه اللدود مكاسب ميدانية واسعة، وتبنى هجمات دامية في دول عدة، قبل أن يخسر كثيرا من الأراضي التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق في يونيو (حزيران) 2014. ونصب زعيمه أبو بكر البغدادي «أميرا للمؤمنين حينها». ودعت دار الإفتاء المصرية في تقريرها دول العالم كافة إلى وحدة الصف والتعاون والتكاتف التام على مستوى العالم، لاستئصال جذور الإرهاب والعنف، وأنه لا سبيل أمام العالم لمواجهة هذه التنظيمات الدامية؛ إلا من خلال وحدة الصف. وسبق أن قال الظواهري للبغدادي: «أنا أميرك»، ووصفه بـ«جندي القاعدة المتمرد»، وهاجم الظواهري في سبتمبر عام 2015 البغدادي قائلا: «نحن لا نرى البغدادي شخصا جديرا بالخلافة»، منتقدا قيامه بتنصيب نفسه خليفة بدعم من بعض الأشخاص «غير المعروفين» وأنه قام بإنشاء ما سماه «الدولة» من خلال «القوة والتفجيرات والسيارات المفخخة عوضا عن ترغيب الناس وتخييرهم». وتفجر في أبريل (نيسان) عام 2013 خلاف بين زعيم «داعش» وزعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني، وتحول إلى صراع شامل تدخل به زعيم «القاعدة» ووقف بكل ثقله إلى جانب «جبهة النصرة». في المقابل، دعا «داعش» الظواهري و«القاعدة» لمبايعة البغدادي، وقال «داعش» للظواهري: «أنت تنظيم ونحن دولة». كما هاجم «داعش» الظواهري في أبريل عام 2014 ووصفه بـ«السارق والمارق»، معتبرا أن عرشه «سقط» وشرعيته «تلاشت». وحذر التقرير المصري من سعي كل من التنظيمين الإرهابيين لتنفيذ عمليات إجرامية وإرهابية جديدة، ليثبت للآخر جدارته برفع «راية القتال» في إطار سباقهما الشديد لإراقة وسفك مزيد من دماء الأبرياء في مختلف دول العالم. في السياق، قال زعيم تنظيم القاعدة في رسالته أيضا، موجها كلامه لتنظيم داعش الإرهابي: «زعموا أننا لا نُكفر الشيعة، مع أننا أرسلنا لهم وثيقة (توجيهات عامة للعمل الجهادي) قبل نشرها بعام، فلم يعلقوا عليها بكلمة». وتابع الظواهري: «أرسلت لهم عدة مرات بترك التفجيرات في الأسواق والحسينيات والمساجد، والتركيز على قوات الجيش والأمن والشرطة والميليشيات الشيعية، فلم يعترضوا بكلمة». مضيفا: «لكن لما وقفنا في وجه أطماعهم وتجرئهم على الدماء، زعموا أننا لا نكفر الشيعة وننهى عن قتالهم، مع أني في أحد الخطابات نقلت لهم أقوال أئمة السنة في عوام الشيعة، وكتبت لهم الأمر بمهاجمة قوات الجيش والشرطة والأمن العراقية، الذين أغلبهم من الشيعة، وكذلك ميليشيات الشيعة، وجعلت هذا الأمر بلون داكن ووضعت تحته خطا، حتى لا يشتكي أحد من ضعف البصر، ولكن ما الحل في ضعف البصيرة؟». في غضون ذلك، قال مصدر مطلع، إن رسالة الظواهري مُحاولة لاسترجاع زعامته الموهومة في ظل تنافسه المحموم مع تنظيم داعش على سفك الدم، حيث يقدم «القاعدة» نفسه بوصفه «طليعة الجهاد الحق ضد أميركا وروسيا وبريطانيا، وأصحاب منهج صحيح»، على خلاف «داعش» التي يصفها تنظيم القاعدة بـ«الخوارج الغلاة والتكفيريين الجدد». وسبق أن هاجم الظواهري في رسالة صوتية منسوبة له نشرتها مؤسسة «السحاب»، الذراع الإعلامية لتنظيم القاعدة في مايو الماضي، تنظيم داعش وزعيمه البغدادي، واصفا التنظيم بـ«الخوارج الجُدد». وقال مراقبون، إن «القاعدة» يعتقد أن معادلة القوة تغيرت الآن عقب تعرض «داعش» لضربات قوية في الأراضي التي يسيطر عليها في العراق وسوريا وليبيا من قبل التحالف الدولي وقوات الدول، فأراد استعادة أمجاد التنظيم الذي كان في وقت سابق زعيم التنظيمات المتشددة في العالم. وأضاف خبراء ومراقبون أن «القاعدة» يلعب على تراجع تنظيم داعش في الأراضي التي يسيطر عليها، وتفوق التحالف الدولي عليه، فضلا عن انخفاض الروح المعنوية لعناصره وهروب كثير من أنصاره، بعدما اكتشفوا زيف «مزاعم أرض الخلافة»، وخسارته للمدن الكبرى التي يسيطر عليها في العراق وسوريا وليبيا.
مشاركة :