«جيمس بوند الخيري» يتبرع بآخر ما تبقى من ثروته

  • 1/8/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لم يكن دونالد ترامب الوحيد الذي أعلن عن عزمه إغلاق الجمعيات الخيرية الخاصة، أو لنقل المعروفة منها. وإليكم قصة رجل وعد وأوفى بهذا الوعد نفسه: منذ نحو خمس سنوات، كان تشارلز فيني يجلس في شقته التي تقع في الجانب الشرقي من مدينة نيويورك، وقد علق على جدران شقته من الداخل رسومات أحفاده. وصرح تشارلز حينها أنه بحلول عام 2016 سوف يكون قد وزع آخر ما تبقى من ثروته الضخمة التي جمعها من عمله طوال حياته. بدا الأمر وكأنه سباق، فقد كان الرجل حينها قد بلغ 81 عامًا من العمر، وكانت مؤسسة «أتلانتك فيلانثروبيس»، أو مؤسسة أتلانتك الخيرية، التي تضم عددًا من المؤسسات الخيرية الخاصة التي أسسها، لا تزال تحتفظ بنحو 1.5 مليار دولار أميركي لم تذهب لمستحقيها بعد. لكن نثر المال من النافذة، أو كتابة شيكات عشوائيًا لمن يستحق أو لا يستحق، لم يكن نهج فيني. الشهر الماضي، أنهى فيني ومؤسسته (أتلانتك) السباق بتقديم آخر منحة، وقدرها 7 ملايين دولار لجامعة كورنيل دعمًا للطلاب في أعمال الخدمة المجتمعية. رسميًا، أخرج فيني آخر ما في جيبه ليحقق أمنيته في «العطاء في أثناء حياته»، ليصل بذلك إجمالي ما تبرع به إلى نحو 8 مليارات دولار أميركي خصصت لمجالات التعليم العالي، والصحة العامة، وحقوق الإنسان، والبحث العلمي. وفي مقابلة جرت عبر الهاتف الأسبوع الماضي، صرح فيني (85 عامًا، الآن): «دائمًا ما يشعر الإنسان بالقلق عند التصرف في مثل هذا القدر من المال، لكننا أحسنا إدارتها». كل ما تبقي لدى فيني الآن من ثروته مبلغ يفوق المليوني دولار بقليل، يحتفظ به مدخرات شخصية، وهو بالفعل مبلغ متواضع لرجل كان حتى وقت قريب يمتلك آلاف أضعاف هذا المبلغ. ويعيش فيني وزوجته هيلغا حاليًا في شقة مؤجرة بولايه سان فرانسيسكو. وعند سؤاله عن سبب عدم احتفاظه بأكثر مما لديه الآن، كان رده: «أنت لا ترتدي أكثر من سروال واحد في كل مرة». وإلى أن بلغ الخامسة والسبعين من العمر، كان فيني يستخدم الحافلات العامة في التنقل، ويستخدم كيسًا بلاستيكيًا لحمل المطبوعات التي يقرأها في الطريق. ولسنوات طويلة، وعندما كان في نيويورك، لم يكن يتناول الغداء في المطاعم الفاخرة، بل في أماكن بسيطة، مثل «خيمة تومي ماكيم الآيرلندية» بشارع إيست 75، حيث اعتاد تناول الهمبرغر. ولم يحدث من قبل أن تبرع أي من محبي الأعمال الخيرية من الأميركيين بالحصة الأكبر من ثرواتهم، بيد أنه في حالة فيني، وبدءا من عام 1982، بدأ الرجل في تنفيذ ذلك في سرية تامة، مما جعل مجلة «فوربس» الأميركية الشهيرة تطلق عليه اسم «جيمس بوند الأعمال الخيرية». ولم يحدث مرة أن كُتب اسمه بحروف من ذهب، أو نُقش على الرخام، أو بأي شكل من الأشكال على نحو ألف مبني موزعة على 5 قارات ساهم بماله في نشاطاتها. ولسنوات طويلة، اشترطت مؤسسته «أتلانتك» على المستفيدين من دعمها عدم الإعلان عن اسمها. ولدى سؤاله عن سر تكتمه إزاء أعماله الخيرية، أفاد كريستوفر أوشسلي، الرئيس المدير التنفيذي لمؤسسة أتلانتك، بأن ذلك كان يتم «بهدف تشجيع المحيطين حوله، ومن يعلمون بطبيعة أعماله الخيرية، على اتخاذ خطوات مماثلة حتى لو كان ذلك بدافع الإعلان عن أسمائهم». في بداية فترة التسعينات، اجتمع فيني سرًا مع بعض القوى البرلمانية بمدينة بلفاست، بشمال آيرلندا، لحثهم على السعي لوضع نهاية للحرب الأهلية، ووعدهم بدعم مالي في حال توقف الصراع هناك، ودخلوا معترك السياسة والانتخابات بدلاً من الصراع المسلح. وكان من ضمن تبرعات مؤسسة «أتلانتك» المساهمة في تأسيس منظومة صحية عامة بدولة فيتنام، والمساعدة في توفير العلاج المضاد لفيروس الإيدز بجنوب أفريقيا. وقدمت «أتلانتك» في آخر جولات التبرع التي قامت بها نحو 600 مليون دولار، شملت تقديم الدعم لبرنامج «زملاء أتلانتك» التي تهدف إلى إعداد جيل جديد من القادة الشباب بمختلف دول العالم لخلق مجتمعات صحية وعادلة. نشأ فيني بمدينة إليزابيث، بولاية نيوجيرسي، وعمل موظف لاسلكي في سلاح الجو الأميركي، قبل أن يلتحق بجامعة كورنيل في إطار قانون «جي إي بيل» الذي منح بمقتضاه كل من شارك مع جيش بلاده في الحرب العالمية عددًا من الامتيازات. وفي عام 1960، أسس فيني وشريك آخر شركة لبيع الخمور والسيجار للمسافرين في الأسواق الحرة بالمطارات، وكانت تلك الخطوة بداية الانطلاق في طريق النجاح الذي دفعه بعد ذلك للاستثمار في شركات التكنولوجيا الناشئة. وفي عام 1984، قام سرًا بتحويل جميع أصوله، ومنها حصته في متاجر الأسواق الحرة التي بلغت 38.75 في المائة من الأسهم، إلى الجمعيات التابعة لمؤسسة «أتلانتك» الخيرية. ورفع فيني من قيمة استثمارات «أتلانتك» أيضًا بالدخول في استثمارات بموقع التواصل «فيسبوك»، ومواقع «برايسلاين» و«أيتريد» و«علي بابا» و«يجينت»، غير أن نزاعًا تجاريًا نشأ عام 1977 تسبب في إجبار فيني على التوقف عن تمويل «أتلانتك». لكن بالنسبة لترامب، إن أقدم بالفعل على إغلاق مؤسسته بعد أن اكتوى بالتساؤلات التي تلاحقه عن توظيف مالها لمصلحته الشخصية، أو لشراء قبعات تذكارية لمباريات كرة القدم، أو في عمل لوحات زيتية تحمل صوره الشخصية، فبالتأكيد لن يستطيع القول إنه سار على نهج فيني. النموذجان أشبه بصورة وانعكاسها في المرآة، كلاهما ثري لكن كلاً في اتجاه. فلسنوات طويلة، سعى ترامب بكل ما أوتي من قوة للوجود ضمن قوائم أثرى الأثرياء، مثل تلك التي تضم 400 اسم، والتي تعدها مجلة «فوربس» كل عام، فيما فضل فيني البقاء بعيدًا عن تلك القائمة. كانت جميع تبرعات مؤسسة فيني تأتي من مال فيني نفسه، في حين جاءت الأموال التي حصلت عليها مؤسسة ترامب في السنوات الأخيرة من خلال آخرين. كان من ضمن مقترحات أحد مشروعات مؤسسة «أتلانتك» إجراء إصلاحات على نظام الرعاية الصحية الأميركي، مما مهد الطريق لسن «قانون الرعاية الصحية للفقراء» الذي صدر لاحقًا، وكذلك إلغاء عقوبة الإعدام للقُصّر. لكن ترامب كان على الجانب الآخر تمامًا إزاء هذين الأمرين، بتعهده بإلغاء قانون «أوباما كير» للرعاية الصحية في اليوم الأول له بالرئاسة، وبدعوته التي أطلقها عام 1989 بإعادة تفعيل عقوبة الإعدام للقصر، عقب إقدام 5 مراهقين على اغتصاب فتاة بمتنزه «سنترال بارك» (أدين المراهقون الخمسة، غير أن التهم أسقطت عنهم لاحقًا). وفي الوقت الذي كان ترامب يفتتح فيه برج ترامب بشارع «فيفث أفينيو» في بداية الثمانينات، كان فيني يجلس بحانة «ماكيم» يفكر في أول شيك مصرفي بمبلغ كبير يوقعه لجمعية خيرية، شرط ألا يجرى الإعلان عن اسمه. لا عجب في ذلك، فالفكرة التي راودتني منذ نحو 20 عامًا هي أن فيني سيصل إلى ما وصل إليه ترامب لو أنه فعل عكس ما فعله طوال حياته.

مشاركة :