الشارقة: محمد ولد محمد سالم استهل مهرجان الشارقة للشعر العربي في دورته الخامسة عشرة أمسياته الشعرية بأمسية أحياها الشعراء محمد إبراهيم يعقوب من السعودية، وهزبر محمود من العراق، ومحمد عبد الباري من السودان، وقدمها الإعلامي أحمد ماجد. محمد إبراهيم يعقوب بدأ شاعراً متمكناً من لغته، تسكنه الحيرة الشديدة، حالة الاضطراب في الحياة التي نعيشها اليوم، وما يسودها من صراعات ومآس تجعل المرء محتاراً في المخرج من الدائرة المغلقة من القتام، يعيش غائباً على الوعي، فلا يخرج من غيبوبة إلا إلى أخرى، يسير على وجهه كأنه تائه، وفي طريقه يقترف الآثام من دون وعي منه. تلك هي حال العالم الذي نعيشه، كما يصوره محمد إبراهيم يعقوب في مقطوعة البين بين، التي استهل بها قراءته، حالة من الضياع تحيل كل شيء إلى ضبابية، لا يتبين معها الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الضوء، فتضاعف الخيبة إلى خيبتين، وتجعل محاولة الخروج منها عبثاًَ، ولا يبقى لصاحبها إلاّ أن يمد يديه إلى السماء متضرعاً، لعل الله يرفع عنه البلاء. في قصيدته الثانية يؤكد تلك النبرة اليائسة من الحياة، حين وجه قصيدة تعاطف مع أهل سوريا، راصداً أوجه معاناتهم، من قتل وتدمير وتهجير ومعاناة في العراء، وأسفار لا نهاية لها، وتيه قاس، يقول محمد إبراهيم من مقطوعة بين بين: أفقنا على سكرة ليلتين وسرنا بأرواحنا خطوتين ولم ننتبه.. أثمنا مرة.. صعدنا إلى إثمنا مرتين طرقنا المرايا.. ولم ننتبه.. فإذ بالمرايا.. ترى خيبتين أناشيدنا.. ما تبقى لنا.. من الحب والخبز والبين بين مددنا يدا للكلام العصي.. فلما تعبنا مددنا اليدين الشاعر هزبر محمود شاعر مجتهد في البحث عن صور طرية، وقد قرأ قصيدة للشارقة بعنوان الشارقة عراقيا استهلها بإعلان حبه للإمارات، لن يكون حباً خفياً لكنه يجاهر به، فهي تستحقه، ولأن بينها وبين العراق من الأواصر ما يوجب ذلك الحب، ويجعله صريحاً لا لبس فيه، فالتاريخ والدين والدم العربي الذي يجري في الشرايين، وهذا اللسان العربي الذي يسري في العقول حلاوة تنتشي لها الأنفس، فكل ذلك يبيح له أن يخاطب الإمارات بلسان الحب والشعر، وأن يحل فيها غمامة شعر صافية لا تشينها عجمة ولا يكدرها لحن، يقول هزبر: أنت أدرى بما يكون الخفي حين يودي به الشروق القوي ولهذا أغلقت باب الخفايا معلنا أني الهوى العلني والتقينا، إن الإمارات أحلى إن تغنى بها الفتى السومري بيننا ما يجيز ظفر القوافي سمرة العهد بيننا والنبي وشرايين رغم ضيق التمني ظل يسري بها الدم العربي ولسان تمسي العقول طلولا حين يغفو نبيذه الأبجدي فاشربيني، أنا الغمام الصفي لا يجاريه مُغبر أعجمي لي مع الأرض منبع ظَل طفلا ومع الحرف ملمس أبوي الشاعر محمد عبد الباري بارع في تضفير المعاني وجمع المتناقضات في نسق شعري مدهش، تبدو من خلال قراءاته ثقافته الصوفية العميقة، في مقطوعته التي استهل بها يناجي تلك الروح الخفية في الشاعر، أو ذلك الإلهام الذي لا يرى، فكأنه عدم، لكنه مع ذلك حقيقة، فهو الذي يعطي للوجود جماله، وللحياة معناها، هو كسر الضوء في الشمس، وسر العطر في الزهرة، لا يعرف من أين يأتيان ولا ما هي حقيقتهما، لكنهما موجودان، من هو الشاعر، أو بالأحرى ما هو الشعر، وجود جميل ينبثق من عدم قاتل، حارس للإبداع وروح الجمال، وحارس للغد والمستقبل الجميل الذي يبحث عنه كل إنسان. في قصيدته الثانية يصور عبد الباري سفر الصوفي الأبدي بحثاً عن الحقيقة، وأسئلته الدائمة متى وكيف وهل، لكن أسئلة الشاعر في راهنه ليست مجرد أسئلة صوفي ناسك في خلوته لعبادة ربه، بل هي أسئلة إنسان حولته الحياة التي يعيشها وما فيها من متاعب ومعاناة وشرور إلى صوفي ذاهل من شدة وطأة أسئلته، يقول عبد الباري: وباسمك يجري بريد العزاء وتجري المراثي على كل فم لأنك في الشمس ما لا يرى لأنك في الورد ما لا يشم لأنك كنت كأن لم تكن ونازع فيك الوجود العدم أيا حارس الوحي والانتظار تأهب فميقاتك الآن تم ستبعث من موتك المستحيل لتصعد وحدك هذا الألم ستصعد تصعد حتى تغيب وتهبط حتى كأنك لم
مشاركة :