استمع خيري منصور ما إن يطوي العام صفحته الأخيرة ويرحل حتى يبدأ الإعلام بممارسة طقوسه، ومنها التذكير بمن رحلوا من المشاهير في عالم الفن والأدب والسياسة أيضاً، لكن ما من قائمة أخرى هي الوجه الآخر للتاريخ والحياة تقدم أسماء من ولدوا، رغم أن عددهم أكبر من عدد الذين رحلوا؛ ذلك لأنهم لم يصبحوا بعد أصحاب أسماء لامعة وجاذبة! إنها الحوارية الأبدية بين المهد والتابوت، وبين العرس والمأتم، لكن من رحلوا العام الماضي يستحقون منا تلويحة وداع بمناديل حريرية مضمخة بالروائح الطيبة التي تركوها وراءهم. كُتّاب وشعراء وفنانون ومفكرون ذوو باع طويل في مجالاتهم، وقد كان آخرهم المفكر د. صادق جلال العظم الذي طالما أثار خلال حياته عواصف لم تهدأ حتى بعد رحيله، منذ كتب عن الهزيمة عام 1967 كتابه النقد الذاتي ثم أعقبه بسلسلة من الكتب الجريئة التي تناولت المسكوت عنه في ثقافتنا. وطقس الوداع المتعلق بالراحلين من المثقفين والفنانين يتحول إلى مجرد تقليد شكلي إذا لم يكن الوداع يليق بهؤلاء، وهو إعادة نشر مؤلفاتهم، وعقد الندوات حول منجزاتهم، خصوصاً وأن بينهم رواداً في مختلف المجالات. فالموت قدر تعلقه بالمبدعين هو حياة أخرى بل قيامة من طراز خاص، لكن ما يحدث هو أن الستار يسدل لمجرد أن تطفأ الأضواء، وينتهي طقس العزاء. وقد لاحظ شاعر بريطاني أن العرب يحتفون بالموتى بطريقة يغلب فيها الاجتماعي على الفكري، وكان ذلك بمناسبة حضوره ذكرى الشاعر بدر شاكر السيّاب، الذي مات في صمت وسار في جنازته أربعة أشخاص فقط، كما يقول الناقد إحسان عباس! بالطبع لابد أن يكون من ضمن طقوس العام الجديد التذكير بمن غابوا، رغم أن غياب هؤلاء قد يكون أسطع من حضور الأحياء! وربما كان عام 2016 الذي تزامن مع ذكريات ومئويات تثير الشجن في نفوسنا هو أكثر الأعوام منذ مطلع هذا العقد الذي ودعنا فيه مثقفين ونجوم سينما. فهل نُعيد النظر بأساليب الوداع، ونسدد ما علينا من ديون لهؤلاء؟
مشاركة :