مصدر الصورة Thinkstock Image caption على مدار عشر سنوات، يلتقط علماء الفلك دفقات غير معتادة من موجات لاسلكية عالية الطاقة قادمة من أجزاء في أعماق الكون. اقترب علماء الفلك من اكتشاف مصدر تدفق ومضات غامضة وسريعة من الموجات اللاسلكية عالية الطاقة إلى كوكب الأرض، وهي ومضات تظهر وتختفي في لمح البصر. فما هي التفسيرات المحتملة لهذه الظاهرة؟ ويقول كيث بانيستر، عالم الفلك بمنظمة الكومنولث للأبحاث العلمية والصناعية في مدينة سيدني، بأستراليا: "لا نعرف ما هو مصدر تلك الموجات اللاسلكية. وليس لدينا أي تفسير بعد، فهي تظهر وتختفي في لمح البصر". واكتشف علماء الفلك تلك الومضات اللاسلكية السريعة في عام 2007، استنادا إلى البيانات التي حصلوا عليها من تلسكوب "باركس" اللاسلكي في أستراليا. ورصدوا ما يزيد على 20 دفقة للموجات اللاسلكية حتى الآن. وباتت هذه الومضات الساطعة السريعة وما يكتنفها من غموض من بين الموضوعات التي تستحوذ على اهتمام علماء الفلك. وللمرة الأولى في هذا الأسبوع، حدد أحد الأبحاث التي نشرت في دورية "نيتشر" مصدر هذه الومضات الساطعة. واستعان الفريق الدولي بتلسكوب "أريسيبو" اللاسلكي الضخم في إقليم بورتوريكو، بالإضافة إلى تليسكوبات لاسلكية أخرى في المكسيك وأوروبا، لتتبع مصدر تلك الإشارات بدقة، والذي تبين أنه مجرة صغيرة تبعد ملياري ونصف سنة ضوئية عن الأرض. ونشر بانيستر وفريقه مؤخرا دراسة عن الوميض الأكثر سطوعا للموجات اللاسلكية الذي لم يروا له مثيلا من قبل. وقال بانيستر معقبا: "هذا الومضة تحديدا كاد سطوعها يخطف أبصارنا". ومن فرط شدة تلك الدفقة من الومضات، استطاع علماء الفلك دراسة الفضاء الذي مرّت خلاله تلك الومضات الساطعة السريعه عن طريق قياس تداخلها مع الإلكترونات التي واجهتها في طريقها. مصدر الصورة SPL Image caption بالاستعانة بالإشارات التي رصدها تلسكوب "أريسيبو" اللاسلكي الضخم في بورتوريكو، استطاع العلماء أن يتتبعوا مصدر دفقات الموجات اللاسلكية السريعة يقول بانيستر: "استطعنا أن نقيس المجال المغناطيسي بين المجرات بطريقةٍ مباشرةٍ، ونعرف عدد المواد التي اجتازتها تلك الومضات السريعة. وهذا يبرهن على مدى روعة علم الفلك الإشعاعي (الذي يعني بدراسة الموجات اللاسلكية القادمة من الكون)، فقد تجني الكثير من المعلومات من شيء واحد يظهر ويختفي في غمضة عين". بيد أن هذين الاكتشافين لا يجيبان عن السؤال الأساسي حول ماهية تلك الدفقات من الموجات اللاسلكية السريعة. وربما تساعدنا الإجابة عن هذا السؤال في فهم طبيعة الكون بشكل مختلف كليا. وذكر ماكسيم ليوتيكوف، من جامعة بوردو بالولايات المتحدة، العام الماضي لموقع "بي بي سي إيرث": "ربما نكتشف في النهاية أنها شيء بسيط، ولكن في المقابل، ربما يتضح أنها نافذة تكشف لنا عن جوانب جديدة لعلم الفيزياء، وعن أحداث وظواهر فيزيائية فلكية لم نكن نعرفها من قبل". ويفترض أحد التفسيرات الشائعة أن هذه الدفقات السريعة للموجات اللاسلكية ناتجة عن ظاهرة افتراضية تنطوي على تدمير النجوم. وتصور العلماء أن هذه الومضات الساطعة السريعة ناتجة عن عملية انهيار النجوم النابضة عالية الطاقة، وهي نجوم ميتة تدور حول محورها مُطلِقة إشعاعات كهرومغناطيسية لا تنقطع، قبل أن يبتلعها أحد الثقوب السوداء، الذي لا يمكن لأي شيء الخروج منه. وتقول شيلا كاناني، من الجمعية الفلكية الملكية بلندن: "إن فكرة وجود ظاهرة الدفقات السريعة للموجات اللاسلكية تلك أمرٌ يبعث على الحيرة والدهشة، ويثير تساؤلات من جميع النواحي." وتابعت شيلا: "كيف تحدث هذه الظاهرة؟ ومن أين تأتي الطاقة؟ وما الذي تعنية هذه الظاهرة لتطور الكون؟" واقترح العلماء فكرة بديلة مؤداها أن هذه الانبعاثات القوية للطاقة مصدرها انفجار كوني هائل، ربما يكون ناتجا عن تصادم نجوم نيوترونية صغيرة. ويقول بانيستر: "يتطلب وقوع الانفجار إطلاق الكثير من الطاقة. ولكن العجيب أننا عندما ننظر بالتلسكوبات الأخرى، لا نرى أي آثار لانفجار". كما أن هذه النظرية لا تفسر أسباب تكرار حدوث تلك الومضات من الموجات اللاسلكية في غضون أيامٍ عديدةٍ. مصدر الصورة NASA/CXC/Univ of Toronto/M.Durant et al Image caption تفترض إحدى النظريات أن دفقا الموجات اللاسلكية صادرة عن عملية التهام أحد الثقوب السوداء للنجوم النابضة عالية الطاقة ويقول بانيستر: "قد يكون السبب له علاقة بالثقب الأسود، وعندما ننظر (بالتلسكوب) يكون الثقب الأسود قد التهم (ما تبقى من أثار الانفجار)، أو ربما يكون نوعا من الانفجارات التي لا نراها بالتلسكوبات الأخرى. في الحقيقة ليس لدينا أي فكرة بعد". وثمة نظرية محيرة أخرى تتلخص في أن هذه الانفجارات عالية الطاقة تمثل عيوبا في طبيعة نسيج الزمان والمكان (وفقا للعلاقة المتشابكة بين الزمان والمكان بحسب نظرية أينشتاين). وتقوم هذه الفرضية على أن هناك خيوط كونية تمتد خلال الكون، لتعمل على توصيل التيار الكهربائي. وعندما تنقطع تلك الخيوط، تُحدث انفجارا وتطلق إشعاعا كهرومغناطيسيا. ولا يستبعد العلماء أن تكون دفقات الموجات اللاسلكية السريعة تلك عبارة عن إشارات ترسلها كائنات فضائية إلى كوكب الأرض عبر الفضاء. ويقول بانيستر: "لن أجزم أن هذه الدفقات من الموجات اللاسلكية ليست صادرة من فضائيين، حتى أعرف ماهية هذه الدفقات. ولكن هذا الأمر ليس مستبعدا، ما لم أجد دليلا يثبت العكس". وأضاف: "ولكن ليس من المحتمل أن تكون صادرة من كائنات فضائية، فإن الطريقة التي تتلاشى بها الإشارة اللاسلكية، كما رأيناها، تبدو وكأنها ظاهرة طبيعية. وإذا كنت أنا كائنا فضائيا، قد لا أرسل الإشارات بهذه الطريقة الرديئة." وبعد أن تمكن علماء الفلك من تحديد المجرات التي تصدر منها الانبعاثات، فالخطوة القادمة هي إمعان النظر في المصدر بدقة. وإذا كانت تدفقات الموجات اللاسلكية صادرة على سبيل المثال من مركز إحدى المجرات، فمن المحتمل أن يكون لها علاقة بالثقوب السوداء. وإن كانت التدفقات صادرة من أطراف المجرة، فقد تكون ناتجة عن انفجار في أحد النجوم أو الكواكب. إن الجهود المبذولة لكشف ما يكتنف هذه الإشارات الكونية الغريبة من غموض تبين لنا كيف يسبر العلماء أغوار الكون حتى يفهموه فهما شاملا. وتقول كناني: "هذا يوضح أننا دائما نتعلم، ولا نأنف من الاعتراف بالخطأ، ونقول لا نعرف. وهذا درس مهم للغاية لعلماء المستقبل". يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future .
مشاركة :