أكد الكاتب المصري وجدى الكومي، أن الروائي يضع داخل شخصياته جانبا من هواجسه، وأحلامه، وتطلعاته لعالم أفضل، وأن الكتابة تساعد في العثور على الأسئلة، وليس على الإجابات، كما تتيح مراجعة الأفكار باستمرار، وتغييرها إذا لزم الأمر وقال الكومي، الذي حصل أخيرا على جائزة الإبداع العربي لعام 2016 في مجال الأدب التي تمنحها مؤسسة الفكر العربي في «أبوظبي» في دولة الإمارات، عن روايته «إيقاع»: الجائزة عامل مساعد يروج للكاتب، ويمنحه صك الاعتراف جزئيا، ويناله كاملا حينما تخُتبر كتابته مع الزمن... حول الجائزة وروايته «إيقاع». لافتا، إلى أن الأدب، يمكنه تغيير الواقع، إذا كان هادفا ومؤثرا، وأن الكتابة تساعده دائما في العثور على الأسئلة، وليست الاجابات. وكان لـ«الراى» معه هذا الحوار: • الرواية رصدت حالة العنف الديني والتطرف التي زادت حدتها في مجتمعاتنا العربية خلال السنوات الماضية في ظل ما نعيشه اليوم إلى مدى يمكن للثقافة والأدب أن يكون لهم دور في تغير هذا الواقع؟ - الأدب بالتأكيد يمكنه أن يغير الواقع الذي تشهده بلادنا ومجتمعاتنا العربية، بتسليط الضوء على وقائع العنف والظلم والتسلط، لكن بحذر، كي لا تفسد الصنعة الفنية، رأيت أعمالا فنية جميلة تتحدث مثلا عن تهجير الفلسطينيين وطردهم، كانت أعمالا فنية مركبة بطريقة «installation art» وهي نمط من الأعمال الفنية التي يصعب اقتناؤها، تناولت فكرة طرد الفلسطيني من منزله، كان العمل جميلا، لكنه لم يكن مباشرا فجا. هذه المشكلة الكبرى التي يجب أن يحرص عليها الفنان، ألا يكون مباشرا، فجا، وفي الوقت نفسه يمسك خيوط حكايته بإحكام، كما أزعم أنني فعلت في (إيقاع)، جمعت حكايات عديدة متجاورة عن العنف الديني، والتطرف، لكنها لم تكن مباشرة أبدا. • هل توقعت فوزك بالجائزة وفي ظل تراجع مبيعات الكتب ومعدلات القراءة، هل ترى أن الجوائز هي معيار النجاح؟ - لم أتوقع الفوز بالجائزة، وحينما تلقيت النبأ ظللت صامتا غير مصدق، وكنت قد نسيت فعلا أنني اقترحت على الناشر التقديم في المسابقة. كان خبرا سعيدا جدا، استعدت معه اليقين في شيء كنت قد افتقدته، وهو أن توجد مؤسسة ثقافية ما، بوسعها أن تلتفت إلي أدب يكتبه كاتب شاب، فتمنحه جائزتها، وتكرمه، وتراهن عليه. والجوائز بالتأكيد ليست معايير نجاح الكاتب، هي إحدي العوامل المساعدة التي تسهم في اختبار كتابته، وترويجها، حينها سيقرأ الناس هذا الكاتب، ويعرفون به، ووقتها سيحكمون بأنفسهم، معايير النجاح هي الفن، والجائزة عامل مساعد يروج للكاتب، ويمنحه صك الاعتراف جزئيا، ويناله كاملا حينما تخُتبر كتابته مع الزمن. • الرواية بها العديد من الشخصيات من خلفيات اجتماعية وثقافية مختلفة مثل شفق وعزيز وحمزة أبو النور وأحمد خريشة كيف تعاملت مع هذا التنوع ؟ - كل شخصية من هذه الشخصيات درستها بعناية، وأعددت ملفا كاملا عنها بطريقتها في الكلام وملابسها ونمط حياتها وتطلعاتها ورغابتها ووعيها بالعالم ومنظومتها الأخلاقية. فمثلا شخصية أحمد خريشة استغرقت وقتا طويلا في صياغتها، وقابلت خلالها أنماطا متعددة من الناس التي تشبه الشخصية، وتعمل في مجال المهرجانات والغناء الشعبي. • شخصيات الرواية في مساءلة مستمرة لانفسهم ومحاولة للتوصل ليقين ما، إلى أي مدى منحتك الكتابة لإيجاد بعض الإجابات عن الاسئلة التي تشغلك ؟ - كتابة الرواية فرصة للروائي ليطلق العنان لأفكاره بكل حرية، فكل روائي يضع برؤوس شخصياته بعيدا عن هواجسه، وأحلامه، وتطلعاته لعالم أفضل، وربما نتمني أن تحقق الشخصيات ما عجزنا عن تحقيقه في واقع الحياة، تساعدني الكتابة للعثور على الأسئلة، وليس على الإجابات، لا أظن أنني أعثر على إجابات، لكن الكتابة تتيح التأمل، ومراجعة الأفكار باستمرار، وتغييرها إذا لزم الأمر. • العديد من الشخصيات تقدم خطابا ولغة تحملان قدرا كبيرا من الحكمة والوعي إلى أي مدى كنت حريصا على جعل مسافة بين وعيك ككاتب ووعي الشخصيات؟ - فيما يخص وعي الكاتب ووعي الشخصيات... كل الشخصيات الموجودة في الشارع تتكلم لغة عامية في ظاهرها، فلسفية في مضمومنها وأفكارها، على سبيل المثال منذ يومين كان عندي «سباك» في البيت وكانت هناك مشكلة في الحنفيات تستدعى تركيب «قلوب» لها، وكانت بحوزته، فاندهشت. وقلت له: «انت جايب معاك قلوب»، فرد ببساطة قائلا: «مافيش حد فينا ماشي من غير قلوب»... هذا مثال بسيط يوضح مدى وعي وعمق الاشخاص البسطاء. فهناك شخصيات شعبية وناس بسيطة وعيهم أعلى من وعي أكبر الكتاب، يعني أنت كقارئ تفرض وجهة نظر بأن هناك شخصية شعبية تتكلم بشكل فلسفي؟ نعم بالفعل هناك شخصية شعبية تنتقد الوضع الاجتماعي بحرفية ومهنية وتقارن ما بين أيام زمان والوقت الحالي. • في الرواية هناك مزيج بين الروح القصصية والرواية وبناء يبدو أقرب للممتالية القصصية المتصلة والمنفصلة في آن واحد لماذا اخترت هذا البناء؟ - الرواية مكتوبة بتكنيك الأصوات، الذي يحتم أن يكون في شكل يشبه البازل، أو التقاطعات بين الأحداث والأشخاص، مع تقديم وتأخير بعض المواقف، هذا البناء أجربه للمرة الأولى في كتابتي. إيقاع... كانت بالنسبة لي تحدٍ جديد وفريد، قررت أن أجرب نفسي في كتابة عمل روائي بتكنيك الأصوات، تتدخل الأحداث فيه، ويتقاطع مسار الشخوص. • إلى أي مدى يشغلك سؤال التجريب في كتابتك ؟ - يشغلني سؤال التطوير، وليس التجريب، لا أريد أن أنجرف إلى التجريب الملغز، المنفر، أرغب في تطوير بناء كتابتي، بحيث تكون عمارة الرواية مصقولة، ولامعة. وفي الوقت نفسه متماسكة، والحبكة مرتكزة على حبكات فرعية عدة تشكل ما وصفته في سؤالك بالمتتالية القصصية المتصلة والمنفصلة في آن واحد، الحبكات الفرعية هي الأساس الذي نلقيه في تربة الرواية، لتشكل عمدانها في ما بعد، ويرتفع البناء على أساس راسخ.
مشاركة :