أمهات توقف خط إنتاجهن ! - مقالات

  • 1/11/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

رغم أنها لا تقرأ ولا تكتب ولا تتحدث في السياسة أصلاً ولم تشارك في أي انتخابات برلمانية ولم تضع ورقة انتخابية في صندوق لتنجح شريفاً أو لتسقط فاسداً ولم تتكلم يوماً عن حقوق المرأة أو طغيان الرجل أو ضرورة تحليل الخطاب الذكوري ومساواته بخطاب نسوي، إلا أنها دائماً وبحرص شديد يصل إلى حد التطرف، كانت تنتظر أخبار التاسعة مساء. فنجان قهوة سوداء مُرة، وأعواد ثقاب ومعدات التسخين... وأخبار التاسعة مساء. كانت هذه عبادتها السادسة إذا انتهت من الفروض الخمس. بعد يوم كامل من الكنس والغسل وإعداد الفطور ووضعه داخل أكياس بلاستيكية لنا في حقائبنا المدرسية ثم الطبخ وترتيب الملابس ومسح الأرضيات والحمامات ومراعاة أدق التفاصيل الأخرى... حتى يحين موعد وضع الغداء فتستخدم يديها الاثنتين لإطعامنا...ثم تبدأ فترة إعطاء الأوامر بالدراسة والمراقبة والعقاب والتدليل والمناقشة ومعايير الصواب والخطأ وعفوية الحياة... ثم تبدأ فترة أخبار التاسعة مساء. وفي هذه الفترة نجلس بجانبها صامتين وكأن على رؤوسنا الطير... مازلت أتذكر رائحة القهوة وبعض الأخبار. القوات الأميركية تنسحب من الصومال... بدء الإبادة الجماعية في رواندا... الحرب الأهلية اليمنية: قوات جيش اليمن الشمالية تسيطر على مدينة عدن... الكاهاني الإسرائيلي باروخ جولدشتاين يفتح النار في الحرم الإبراهيمي في الضفة الغربية في فلسطين ويقتل 29 مسلماً. الرئيس الأميركي بيل كلينتون والرئيس الروسي بوريس يلتسن يتفقان على تفكيك أسلحتهم النووية الموجودة خارج بلدانهم ويتضمن هذا الاتفاق الأسلحة النووية الموجودة في أوكرانيا...أخبار قديمة جداً. اليوم لم يعد أحد يتابع أخبار التاسعة مساء، حيث أصبحت هناك قنوات متخصصة في الأخبار على مدار الساعة، ولم تعد واجبات الأم هي أن تراعي وتداوي وتناغي وتخرج للوطن بصمت أبناء صالحين يشاركون في البناء، في الواقع لقد توقف خط إنتاج هذا النوع من الأمهات منذ فترة طويلة، ولم تعد أميركا أو روسيا ترغب في أن تنسحب من أي مكان، وانتقلت الحرب الأهلية من رواندا إلى الشرق الأوسط، مازال اليمن يعاني ولايزال الفلسطينيون يقتلون!! ومازلت أنا أتابع الأخبار... وتوفيت أمي!! هذا ما رواه لي صديقي عن أمه ونحن نتمشى على الواجهة البحرية في ليلة شتوية روسية قارسة البرد آتية من البحر فأخطأت طريقها للكويت... ليلة تدغدغ إفرازات الغدد الدمعية ما جعلنا في حال هيجان مشاعر نحو الماضي بحثاً عن الدفء!! وما بين وصف الواقع الرديء ووصف الذاكرة الجميل...كنا عالقين! وما بين السياسي القذر والإنساني الحنون...كنا متشقلبين! أفكر حالياً أن أجعل من المقال أكثر عمقاً من خلال استخدام مصطلحات مثل الدال والمدلول والذات والموضوع وأعلم أنك كقارئ قد تعودت أن تعتبر الكلام غير المفهوم كلاماً عميقاً وله رمزية فوقية... تماماً كما عودنا السادة المثقفون في الوطن العربي، ولكني سأكون أكثر اختصاراً وتوفيراً للوقت والجهد حيث سأتشارك معك النص البسيط جداً والذي كاد أن يكون شعراً والذي بسببه تفجر كل نقاشنا على الواجهة البحرية... يقول الأديب التركي عزيز نيسن والذي تأثر بأمه كثيراً حتى كتب أروع النصوص السياسية الساخرة «كلما قدمتم للمرأة شيئاً تعيده إليكم مضاعفاً مرات عديدة... إن قدمتم لها نطفة تعيدها إليكم طفلاً... وإن قدمتم لها بيتاً تعيده إليكم عشاً دافئاً... وإن قدمتم لها خضاراً تعيده إليكم طعاماً شهياً... وإن قدمتم لها ابتسامة تقدم لكم قلباً... دائماً تعيد ما تقدمونه لها مضاعفاً وكثيراً، ولهذا السبب إن رميتموها بحفنة من الطين، فعليكم أن تكونوا مستعدين للغرق في مستنقع ستعيده لكم». **** قصة قصيرة: اكتشف أنه يكره الحقيقة... فدخل المجال السياسي. كاتب كويتي @moh1alatwan

مشاركة :