أبيض وأسود الحبيب الأسود كلما ترهقني قنوات الأخبار والانهيار وخراب الديار، أجد نفسي أبحث عن فيلم من زمن الأبيض والأسود، زمن الفن الجميل والطرب الأصيل والضحكة الصافية والأداء التمثيلي الباهر، زمن الفخامة والزعامة والرشاقة والأناقة والمواهب المدهشة، زمن بلا فضائيات فتنة، ولا إنترنت، ولا عصابات فيسبوك، ولا هواتف نقالة، ولا أعصاب فلتانة، ولا شوارع مزدحمة، ولا تخوين ولا تكفير. ساحر هو محمد فوزي مع مديحة يسري، ومذهلة ليلى مراد مع أنور وجدي، ورائع فريد الأطرش مع سامية جمال، ومبدع عمر الشريف مع فاتن حمامة، ومدهش عبدالحليم حافظ مع زبيدة ثروت، ورائع فؤاد المهندس مع شويكار، ومبهج رشدي أباظة مع شادية، وجميلات وأنيقات ورشيقات هنّ ممثلات وفنانات وراقصات الزمن الجميل، وعباقرة هم نجوم ما قبل الألوان سواء في التراجيديا أو في الكوميديا، في الغناء أو في الاستعراض. ففي تلك الأفلام، قد يبكيك نجيب الريجاني أو زكي رستم، ويطربك محمد عبدالوهاب أو محمد قنديل، ويضحكك إسماعيل ياسين أو حسن فائق أو عبدالفتاح القصري، ويذهلك أداء يوسف وهبي أو شكري سرحان، ويبعث في نفسك الانشراح حسن يوسف أو صلاح قابيل أو عبدالمنعم إبراهيم أو عادل إمام، وتشعر بدفء أمومة فردوس محمد أو أمال زايد، وبسحر رومنسية مريم فخرالدين أو نادية لطفي، وبجمال إطلالة ليلى فوزي أو هند رستم، وبعذوبة صوت إسمهان أو هدى سلطان أو نجاة الصغيرة، وسحر رقصات نعيمة عاطف أو تحية كاريوكا أو زينات علوي. في مثل هذه الأيام، وبعد العرض العالمي الأول بباريس في ديسمبر 1895 بأيام قليلة، قدم أول عرض سينمائي في مصر داخل مقهى بالإسكندرية، وتبعه أول عرض سينمائي في سينما “سانتي” بمدينة القاهرة يوم 28 يناير، وبدأ أول تصوير سينمائي مصري قامت به محلات عزر ودوريس بالإسكندرية عام 1907. وتمّ إنتاج أول فيلم روائي طويل عام 1923، وهو فيلم “في بلاد توت غنخ آمون”، وفي عام 1927، تم إنتاج وعرض أول فيلمين مصريين حظيا بالشهرة والانتشار، هما “قبلة في الصحراء” و”ليلى” الذي قامت ببطولته عزيزة أمير، وهي أول سيدة مصرية تشتغل بالسينما إلى جانب ستيفان روستي، ثم شهد عام 1932 عرض أول فيلم مصري ناطق وهو “أولاد الذوات”، بطولة يوسف وهبي وأمينة رزق، كما شهد هذا العام ظهور أول مطربة مصرية وهي نادرة في فيلم “أنشودة الفؤاد”، الذي اعتبر أول فيلم غنائي مصري ناطق. تاريخ السينما المصرية طويل وثري، وعدد صانعيها ونجومها أكبر من أن يحصى، ومن أهم ما فيها أنها تفتح أمامنا المجال واسعا كي نقرأ صفحات التاريخ الاجتماعي لمصر والمصريين خلال قرن كامل، ولكن الأهم عندي، إنها قادرة في زمن الضغط الذي نواجهه على جميع الأصعدة، على أن تعطينا فسحة من المرح والبهجة والجمال لا توفرها لنا أفلام ومسلسلات النكد في هذا الزمن المضطرب، لذلك أجد نفسي مدمنا على أفلام الأبيض والأسود. سراب/12
مشاركة :