في غياب تقدّم حل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، اضطر باراك أوباما الى الإقدام على خطوة قبل رحيله. وما اختاره هو موضع إجماع في المجتمع الدولي: التـــنديد بالاستــيطان. والقرار ينص على بحث أمين عام الأمم المتحدة دورياً، كل 3 أشــهر، في ما آل إليه الاستيطان. وإسرائيل تدرك أن مثل هذا التــقرير الأمــمي سيــصدر دورياً. لذا، ستكون أكثر حذراً. فالتقرير سيقيد أصحاب القرار الإسرائيليين. والاستيطان لن يتوقف، لكنه صار مسألة شائكة أكثر. ولو أجازت إدارة ترامب الاستيطان، لن يكون على غاربه. وحمل نتانياهو مصر على سحب مشروع قرار مماثل. وخال، طوال 24 ساعة، أنه الفيصل في الشرق الأوسط. لكن عالمه انهار، إثر إجماع دول حليفة على القرار وصدوره... وصار سلوكه هستيرياً. وعلى رغم أنه لا يعرف بالغباء، كانت جعبته خاوية من استراتيجية، واعتقد أن مجلس الأمن سيلغي قراره نزولاً على غضبه. وحسبان إسرائيل أن الاهتمام بالقضية الفلسطينية تبدد، لم يكن في محله. وهو تفكير غيبي. فالاحتلال لن يختفي حين قول أن الاحتلال لم يعد قائماً. ويحسِب اليمين الإسرائيلي أن انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة هو ختام النزاع. لكن ترامب نفسه لا يعرف على أي وجه سيتصرف. ولا شك في أن ما يجري في المنطقة أسوأ، وهذا ما يسوقه اليمين. لكن لا نظير لاحتلال شعب شعباً آخر منذ 50 عاماً. وسعى بنيامين نتانياهو الى تحالف مصالح في وجه الخطر الإيراني، لكنه لم يفهم أنه إذا لم يحل المشكلة الفلسطينية، لن يفوز بالرأي العام ولا بالقادة. واسرائيل تقترب من مفترق طرق: دولة يهودية أم دولة ديموقراطية. والإسرائيليون يشارفون على التحول الى أقلية في الأراضي التي يمسكون بمقاليدها. وبلغت مفاوضات أوسلو غايتها الأساسية: الاعتراف بمظمة التحرير الفلسطينية، وإرساء سلطة فلسطينية. وأمل مناحيم بيغين بأن يستمر الوضع على ما هو عليه الى الأبد، في غياب التفاهم. ومدعاة أسف أن ما يجري اليوم هو ما انتظره بيغين. وليست المستوطنات ما يحول دون حل الدولتين. فتفكيك المستوطنات لن ينجم عنه إنشاء دولة فلسطينية. وفي الإمكان الاقتراح على المستوطنين العيش تحت السيادة الفلسطينية والاحتفاظ بالجنسية الإسرائيلية. ومن يرفض الحل هذا، يغادر مقابل تعويض. وهذا ما اتفقنا عليه مع محمود عباس في 1995. ولا يقضي حل الدولتين بفصل تام بينهما. فمساحة الأرض أصغر من أن تقسّم، والشعبان يعيشان في تداخل وثيق. لذا، أقترح حل الفيديرالية الذي يذلل العقبات كلها، ومنها وضعية القدس والمستوطنات. ولن يقبل الفلسطينيون يوماً المرابطة الإسرائيلية العسكرية الدائمة في غور الأردن. لكن بروز فلسطين منزوعة السلاح هو في مثابة دعوة للمجموعات المتطرفة الى قصدها. وإطار الكونفيديرالية هو السبيل الأمثل الى تعاون عسكري توجه دفته إدارة إسرائيلية. وأرفض حل دولة واحدة لشعبين، فأنا صهيوني. والكونفيديرالية نموذج نظري غير مطروق. فكندا وسويسرا مؤتلفتان من فيديراليات. والكونفيديرالية اليتيمة في العالم هي الاتحاد الأوروبي، على رغم أنه لا يسم نفسه بوسمها. ولا يرتجى الكثير من مؤتمر باريس للسلام. فباريس رغبت في عقد المؤتمر تمهيداً لقرار يصدر عن مجلس الأمن، لكن القرار صدر، ووزير الخارجية الأميركي، ألقى خطاباً يذكر بسبل حل النزاع. لكن ترتجى فائدة من تداول مسألة النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، وتسليط الضوء عليه. فلا يتركنا المجتمع الدولي لمصيرنا، وينبه الإسرائيليين الى أن القضية الفلسطينية ليست منسية. * سياسي إسرائيلي، مهندس اتفاقات أوسلو في 1993، عن «لوبس» الفرنسية، 5/1/2017، إعداد منال نحاس
مشاركة :